8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

باريس توحّد الأوروبيين وتنسّق مع العرب اليائسين من دمشق بدعم المبادرة العربية

لا تريد الأطراف اللبنانية والعربية والاقليمية والدولية، الشركاء في "مبنى" الأزمة التي تعصف بلبنان، أن تموت المبادرة العربية، بالعكس يريدونها على قيد الحياة، ولو كان ذلك في "غرفة العناية الفائقة". هذه الحالة، تبقي على الأمل، ليستمر العمل. لعل المقاومة الذاتية، وأسباب العناية الفائقة والمستمرة والإرادات الفاعلة، تحدث المفاجأة، فيكون الشفاء والحل.
عودة "الطبيب" العربي عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية، ملحة وضرورية لـ"المريض" اللبناني ولملاحقة تطورات حالة هذا "المريض" نفسه.
المشكلة أنه رغم كل الرغبات وحتى الإرادات، فإن الوقت ليس مفتوحاً أمام كل هذه الجهود. الوقت الآتي مليء بالاستحقاقات التي لا ترحم. ولعل الاستحقاق الكبير هو في نهاية الشهر القادم، عندما تنعقد القمة العربية أو لا تنعقد في دمشق، وعندما لا يعود للشك من مكان أمام الوقائع بالأسماء والأفعال.
فشل "الطبيب" الفرنسي
فشل "الطبيب" الفرنسي برنار كوشنير وزير الخارجية الفرنسي، دفع بالمبادرة العربية الى الأمام. باريس اعترفت بالفشل وبأسبابه وبمسبّبيه. لم تخجل من تحمل الجزء المتعلق بها من المسؤولية، فأكدت أن الخلافات والمنافسات الداخلية وحتى التقدم بأكثر مما يجب من النوايا الطيبة ساهم في الفشل. لكن الجزء الأساسي منه كان بسبب دمشق التي ناورت ووعدت ولم تقدم شيئاً، لأنها منذ الأساس لم تكن تريد تقديم أي شيء قبل أن تأخذ كل شيء.
باريس تشدد "أن الإطار العربي للحل هو الأصلح" حالياً. هذا التشديد لأنها تريد ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام "أهل الدار" لإتمام مساعيهم. لكن هذا الموقف الفرنسي، بتأييد المبادرة العربية لا يبدو مفتوحاً الى ما لا نهاية. لم يعد بعد تجربة دمشق مسموحاً تركها تستخدم "الجنرال الوقت الى ما لا نهاية. ساعة الرمل بدأت بالعمل ورملها له نهاية".
حتى الآن يبدو أن الموعد النهائي لإعلان وفاة المبادرة العربية أو نجاحها بمعجزة، هو في الثلاثين من آذار القادم، ومن دمشق مباشرة. فشل القمة أو نجاحها هو الذي سيحدد طبيعة التحرك العربي المختلف مع دمشق، والتحرك الدولي المتحرر من عقدة أن ما يقوم به قد يشكل نوعاً من وضع العصا في الدولاب العربي.
أجندة للجهود وللاستحقاقات
هذا الموعد، لا يعني مطلقاً أن باريس ومعها المجتمع الدولي سيبقيان مكتوفي الأيدي، توجد أجندة محددة لهذا التحرك، تتضمن جهوداً وجولات ناشطة لدعم المبادرة العربية ومنها:
* الفشل في انتخاب العماد ميشال سليمان في جلسة مجلس النواب المحددة في 26 من الشهر الجاري وهو ما سيحصل، سيعيد الروح للتحرك الفرنسي ولذلك فإن من المنتظر عودة السفير جان كلود كوسران كموفد رئاسي هذه المرة، مما يعني ضمناً توحيد مسار التحرك الديبلوماسي الفرنسي وعدم ترك المجال لدمشق لإحداث اختراق داخل هذا التحرك، نتيجة لعدم التنسيق الذي حصل سابقاً بين مبعوثي الرئاسة ووزراة الخارجية. والمعروف أن كوسران وإن كان من أصحاب الرأي بضرورة فتح أبواب الحوار والتفاهم مع دمشق وطهران إلا أنه وهو الخبير القديم بهما يعرف جيداً أين يقع الخط الأحمر للمناورة أو الصدقية.
* العمل على توحيد الصوت الأوروبي، بحيث لا يمكن لدمشق المناورة على التباين داخل الاتحاد. ولعل في كلام وزير الخارجية الايطالي ماسيمو داليما قبل 48 ساعة عن دمشق ودورها السلبي ما يؤشر الى عودة التناغم في المواقف داخل الاتحاد الأوروبي، بكل ما يعني ذلك من خطوات مشتركة من مجمل دول الاتحاد، إطارها "تشديد الضغوط على دمشق".
* التأكيد على عدم انسحاب قوات "اليونيفيل" من جنوب لبنان أو تعديل مهمتها خصوصاً وأنه "لا يوجد أي خطر من وقوع حرب سورية ـ إسرائيلية".
* قرب انطلاقة المحكمة الدولية، وصمودها "رغم بعض الاضطرابات التي يمكن أن تقع لإسقاطها" وذلك كما أكد الرئيس نيكولا ساركوزي.
* إن القمة العربية هي الموعد الحاسم أمام التدويل أو عدمه. فإذا كان هذا التدويل غير مطروح الآن فإن ذلك لا يعني شطبه من أجندة التحرك الدولي.
مسؤولية دمشق..
من الواضح أنه كلما اقترب موعد انعقاد القمة العربية والأزمة اللبنانية لم تحل، فإن المجتمع الدولي يزداد قناعة بأن المسؤولية الكبرى في التعطيل والتأزيم تقع على دمشق. ولذلك فإن باريس وواشنطن وهما تكثفان دعمهما المالي للبنان لكي يصمد اقتصادياً ولا ينهار، لأن هذا الانهيار يشكل بدايات الحرب الأهلية، فإنهما يسرعان في الوقت نفسه من إجراءات تشكيل المحكمة الدولية وفي هز "العصا" أمام القوى الحقيقية الفاعلة والمؤثرة في دمشق. ولذلك فإن قرار العقوبات الأميركي بحق رامي مخلوف يمكن أن يعتبر أول قرار أميركي جدي بأن "لكل فعل ثمنه".
أهمية كل هذا الموقف الدولي، أنه للمرة الأولى يبدو مستنداً الى موقف عربي علني، فقد تخلت المملكة العربية السعودية عن كل تحفظاتها الديبلوماسية التاريخية، وقالت في العلن ما كانت تقوله بالسر، وهو أن الأزمة اللبنانية هي السبب في أزمة العلاقات القائمة بينها وبين دمشق. وأكثر من ذلك، إن باريس نقلت عن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي "بأنه توصل الى النتيجة ذاتها التي كانت باريس قد توصلت اليها بعد الجولات المكوكية من المباحثات مع دمشق"، ولذلك فإن التنسيق قائم بين الرياض وباريس في كل ما يتعلق بلبنان.
هذا الأفق المسدود أمام أي حل، وازدياد التطابق بين الموقفين العربي والدولي، مع وجود استحقاق محدد ينتهي خلال خمسة أسابيع، أي مع الموعد المقرر لانعقاد القمة العربية في دمشق، من الطبيعي أن تشهد "الساحة" اللبنانية مزيداً من "الاضطرابات" التي يؤكد كثيرون أنها ستبقى مضبوطة تحت سقف إرادات متوافقة على عدم إشعال الحرب الأهلية. العقدة أنه لا توجد أي ضمانة لإنجاز هذا التعهد. إضافة الى أن كل يوم يمر حالياً يعني الاقتراب من استحقاق تنفيذ السيد حسن نصرالله لوعده "بالثأر" لعماد مغنية، مع ما يعني ذلك من مخاطر "حرب مفتوحة" تقرر إسرائيل "موعدها ومساحتها".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00