كيف يمكن الفصل بين انعقاد القمة العربية واستمرار الأزمة اللبنانية، كما تريد دمشق؟
هذا الفصل مستحيل وهو يتطلب معجزة في زمن انتهت المعجزات. "فما يجري في لبنان هو جزء من أزمة المنطقة"، وبعض أو ربما أكثر ما يجري في المنطقة هو انعكاس لأزمة لبنان. من يُنكر ذلك أو يتعامى عنه، إما انه يستغبي الآخرين، وإما انه ينذر الجميع بأنه إذا لم يقع هذا الفصل فأن الثمن سيكون غالياً.
"سقوط المناورة"
دمشق بدأت تتأكد أن مناوراتها لإبقاء الأزمة في لبنان مفتوحة حتى انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش وتسلم خليفته البيت الأبيض مطلع العام 2009، لم تعد تمر على أحد. لا العرب ولا الأوروبيين، وخصوصاً فرنسا وبطبيعة الحال الولايات المتحدة الأميركية، وبهذا فإن اليأس من أن تحسن دمشق "سلوكها" وأن يكون الدليل الكبير على هذا الاختيار في لبنان، هو سيد الموقف.
عملياً المبادرة العربية، دخلت حالة "الوفاة السريرية"، الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لن يعود إلى بيروت، من دون دعوة تؤشر إلى تغيير حقيقي يدعو من جديد إلى الأمل بصوغ حل مقبول.
تعليق إعلان "الوفاة" على شرط معلق، سببه ترك الباب مفتوحاً أمام انعقاد القمة العربية. هذا الانعقاد الضروري لإبقاء المؤسسة العربية الوحيدة الجامعة للعرب قائمة غير معرضة من جديد لزلزال يطيحها ومعها العمل العربي المشترك، مهما بلغت درجة تواضعه.
لا شك في أن دمشق، كانت وما زالت تأمل انعقاد القمة عندها، لتمسك بالتمثيل العربي سنة كاملة، مما يرفع حجم رصيدها درجات، وخصوصاً إذا ما كانت تفاوض أو تعمل للتفاوض حالياً أو لاحقاً.
الفشل في تحقيق هذا الهدف، يقوم سواء في عدم انعقادها أو في انخفاض عدد الدول الأساسية المشاركة، أو في انخفاض درجة التمثيل للدول العربية المشاركة. مما يزيد هذه الخَسارة أن دمشق كانت وما زالت تأمل أن تجعل من حضور إيران وتركيا للقمة، مناسبة علنية رسمية وشعبية لتأكيد قدراتها على الإمساك ببراعة ومقدرة بالمتناقضات ووضعها في خدمة مواقفها، أو كما تحب أن تسوقها في خدمة "قضايا الأمة العربية".
المواجهة على طريق التفاوض
فشل دمشق في تحقيق هذا الإنجاز، لا بد أن يرفع من ردود فعلها درجات، وخصوصاً انه لم يعد لديها الكثير لتخسره. لذ،ا يجب التأهب أمام ردود الفعل لدمشق، حيث لديها القدرة والمقدرة على التصعيد تحت بند "المواجهة" أو "الدفاع المشروع عن النفس". وهي ستقوم به بفاعلية، في كل الساحات والملفات التي تكون فيها أو يمكنها تحريكها. هدف دمشق من ذلك القول عالياً للعرب وللآخرين، انها كانت وما زالت "مِفتاح" الحرب والسلام في المنطقة.
ما يسهل حركة دمشق المضادة، أن كل الساحات مهيأة للتصعيد. خصوصاً ان هذا التصعيد تعددي وليس أحادياً. مقابل تصعيد دمشق ثمة أيضاً تصعيد آخر من واشنطن وأوروبا. واضح جداً أن فشل المبادرة الفرنسية، وخيبة أمل الاليزيه من الحوار مع دمشق، قد دفعت باتجاه توحيد الموقف الأوروبي. إذا ما جاء خافيير سولانا إلى دمشق، هذه المرة، فانما ليقول بوضوح موقف أوروبا النهائي للقيادة السورية وليسمع منها مباشرة وبوضوح وبدون مناورات موقفها، خصوصاً من الأزمة اللبنانية وعدم انتخاب رئيس للجمهورية. وحدة الموقفين الأميركي والأوروبي من دمشق يرفع حرارة التصعيد درجات.
السؤال الكبير هو على ماذا تعتمد دمشق في هذه المواجهة؟ هل يكفي خوف المجتمع الدولي من أخطار تغيير النظام في دمشق وفتح الباب أمام مجيء الإسلاميين لكي تراهن على فشل الآخرين في المواجهة وانتصارها بالنقاط في حرب عض الأصابع؟ أم أنها ما زالت مطمئنة ان الحرب مستحيلة لأن المجتمع الأميركي لم يعد متقبّلاً لسياسة الحروب البوشية والدليل "ان ظاهرة اوباما وصعوده بهذه السرعة إنما هي ترجمة واقعية للإرهاق الذي أصاب الأميركيين من سياسة الحروب الخارجية وتحديداً في الفترة البوشية"؟
النوم على حرير الأرباح
لا يكفي هذا الاطمئنان لتنام دمشق على حرير جني الأرباح عاجلاً أم آجلاً. ربما ترى دمشق ان لتصعيد الآخرين سقفاً مرسوماً، في حين انها مستعدة لفتح "أبواب جهنم" في المنطقة على مصراعيها.
ترجمة هذا الموقف، انزلاق لبنان من الفراغ المنظم إلى الحرب الأهلية، الشوارع والأزقة في بيروت مهيأة للتحوّل إلى خطوط تماس. الشحن المذهبي والطائفي زرع بين المناطق وداخلها كل الأسباب الموجبة لتحوّلها إلى أرض محروقة. الإرادات الخارجية وبوضوح شديد هي التي تحول دون ذلك حتى الآن، لكن عندما يجد أي طرف أنه لن يخسر أكثر مما خسر فإن كل شيء ممكن. يكفي ترك النار تتصاعد لتنضج كل الطبخات.
في فلسطين، الوضع أسوأ، خصوصاً في غزة. الحصار الإسرائيلي على شعب بكامله جريمة ضدّ الإنسانية. لكن الإنسانية تخلت عن أهل غزة لأن إسرائيل موجودة في قلب هذه الجريمة ولا يريد أحد أن يسألها فكيف بمساءلتها. الكلام عن اختراق "القاعدة" في غزة، قد يكون حقيقياً. اليأس ينتج الانحراف نحو التطرّف، مراراً وتكراراً حذر الكثيرون من ان إسرائيل التي حاربت "حركة فتح"، ستجد في مواجهتها حركة أكثر تطرفاً فكانت "حماس". الآن بعد هذا الحصار والتجويع قد تجد "القاعدة" في مواجهتها. ربما طموح "القاعدة" في الدخول إلى فلسطين "مركز الصراعات" يقابله طموح إسرائيلي آخر باستمرار تثبيت نفسها أمام العالم بأنها "الضحية الدائمة" في مواجهة العنف العربي والإسلامي مما يزيد تلاحم وتكاتف جبهتها الداخلية ويدعم حزام الضمانات الخارجية لأمنها واستمرارها كما هي.
أما العراق، فإنه يجب انتظار نتائج زيارة الرئيس الايراني أحمدي نجاد غير المسبوقة لبغداد، لمعرفة مسار التصعيد أو التهدئة. ويبدو واضحاً الآن ان معادلة تقوم وهي ان طهران تمسك بالملف العراقي، أما دمشق فإن دورها هناك يبقى محدوداً، في حين انها هي التي تمسك بمسارات "الساحة اللبنانية".
تعيش المنطقة كلها على وقع "سيناريو متدحرج" قد يقود نحو مواجهة مفتوحة لا يمكن القول انها نتاج مؤامرة مكشوفة، عندما يكون التصعيد هو "المفتاح" للتفاوض، لا يمكن الاختباء وراء شبح المؤامرة للتهرّب من المسؤولية.
يبقى لو أنشئت "محكمة للضمير" لمساءلة اللاعبين بمستقبل الوطن العربي وشعوبه، فإن قفص الاتهام لن يتسع لعدد المتهمين، والأحكام فيها مهما بدت عادلة، فإنها لن تعيد لهذا الوطن ولشعوبه سوى بعض من حقوقه المهدورة وأولها الحق بحياة كريمة له ولأبنائه من بعده داخل هذا الوطن.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.