8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

طبول الحرب لتضخيم الضغوط وأوروبا لاستصدار قرار عقوبات دولي بعد "اغتيال" المبادرة العربية

بعد "محرقة" غزة، دمشق تنام على "حرير" انعقاد القمة العربية فيها بنهاية الشهر الحالي. المسألة ليست صدفة، ولا هي ضربة حظ، ولا رمية من غير رامي، إنها نتيجة حسابات دقيقة مدروسة بعناية. التشدّد والتصلب والمخاطرة بالسير على حافة السكين، إلى درجة أن خطر الانزلاق لا يعنيها، منتج. هذا النجاح "للمضارب من كيس" غيره، الدمشقي، متوقع. عندما يضارب أي "تاجر" وهو مطمئن أن رأسماله مضمون، وأن الخسارة على حساب غيره والحصة الكبرى من الأرباح ستعود إليه، لا يعود أي شيء مستحيلاً.
اللامبالاة خط دفاعي
دمشق، كانت تراجع حساباتها حول انعقاد القمة العربية عندها. هذه القمة التي مضى سنوات طويلة على عدم احتضانها لها. وهي رغم كل المبالغات الخطابية، بحاجة لهذه القمة لتسلم مفاتيح واجهة العمل العربي المشترك لسنة كاملة. والشرط الأول والأساسي لذلك كله، أن يكون للقمة وزناً حقيقياً من خلال عدد الدول المشاركة وطبيعة التمثيل على أعلى المستويات. الوضع العربي وخصوصاً خلافات دمشق مع القاهرة والرياض كانت تلوح إلى فشل الرهان السوري.
اللامبالاة، والإصرار على عقد القمة بمن حضر، شكّلا خط الدفاع الأول حولها. وبهذا رمت دمشق الكرة في الملعب العربي. لم يغيّر هذا الموقف ولا هذه الممانعة من موقف القاهرة والرياض، خصوصاً وأن دمشق عمدت في عملية إعلان وفاة مبرمجة للمبادرة العربية، إلى طرح مبادرة جديدة رفعت من خلالها سقف الأزمة. وقد نجحت "الاوركسترا" اللبنانية في تسويق هذه المبادرة بحيث أن الخلافات أصبحت محصورة حول قانون 1960 للانتخابات النيابية، بدلاً من حل صلب الأزمة وهو انتخاب رئيس للجمهورية.
التصعيد في غزة جزء من الأحداث في هذا القطاع المعزول بين العدو والبحر. لا يمكن تحمّل الجرائم الإسرائيلية اليومية دائماً بصمت. الأرض مهيّأة ليلاً ونهاراً لأعلى درجات المواجهة. حركة "حماس" المحاصرة لم تستطع تقديم أي شيء لأهل غزة. لا بل إن وضعهم هو الأسوأ منذ العام 1967. الشيء الوحيد الذي قدمته وعوداً بمزيد من الشهادة والانتصارات. وما يدعم هذا المسار ويجعله احادياً أن محمود الزهار ومجموعته يمسكون بالقرار في الداخل وهو قرار متشدّد، أوله المواجهة وآخره المواجهة. ولذلك من الطبيعي أن يتقاطع مع تيار الخارج الذي يمسكه خالد مشعل المقيم في دمشق.
"حرب الصواريخ" جزء أساسي من لعبة الحرب والتهدئة، إسرائيل هددت مطالبة بوقف هذه "الحرب"، و"حماس" ردّت بمزيد من الصواريخ. والنتيجة واضحة خصوصاً وأنها تجري على وقع التنافس بين ايهود اولمرت مع نفسه أولاً، وبينه وبين ايهود باراك ثانياً ومع نتنياهو أخيراً. التصعيد الصاروخي قابله التصعيد الإسرائيلي المبرمج أصلاً.
"الانتصار الإلهي" لحماس
"حركة حماس" أعلنت الانتصار طبعاً لا أحد يمكنه مناقشة حيثيات هذا "النصر الالهي". "حماس" في هذه "الحرب" ربحت شهادة إسرائيلية بأن "مقاتليها أصبحوا أكثر خبرة في القتال". بعد ذلك فإن "حماس" يمكنها احتساب وقف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي يقوم بها الرئيس محمود عباس والتي ما زالت "مفاوضات وهمية حول أهداف وهمية" كما ترى أوساط إسرائيلية. وأربكت زيارة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية، وبدلاً من الدخول في تفاصيل المفاوضات اضطرت للدعوة إلى العودة لطاولة المفاوضات.
أما دمشق فقد ربحت كل شيء. وضعت كل ما يحدث في المنطقة في خانة "محرقة غزة". حوّلت القمة إلى "قمّة غزة" واضعة الملف اللبناني في الظلال. أصبحت أي رغبة عربية في عدم حضوره القمة، نوعاً من "القبول بالمحرقة". المشكلة أن "نار فلسطين" عاصفة لا يمكن لأحد التهرّب منها. التضامن فرض واجب مع أهل غزة المحاصرين، بين ليلة وضحاها خرجت دمشق من قفص المحاسبة وقفزت إلى منصة توجيه الاتهامات.
هذه "الحرب الصغيرة" في غزّة جرى استكمالها في سيناريو جيد الإعداد والتنفيذ، بتصعيد "ضجيج" الحرب المفتوحة، من الناقورة إلى الجولان. إلى درجة أن الاستعدادات الشعبية لمواجهتها تأكدت بالصفوف الطويلة الواقفة أمام السفارات في بيروت طلباً للفيزا، وهرباً من الحرب التي ستكون أساساً برية لا رحمة فيها. وقد سارعت بعض الأوساط الملتزمة بالممانعة والصمود والتصدي، إلى ترويج الاشاعات حول هذه الحرب التي ستحرق ثلاث مناطق وهي الواقعة شمال الليطاني والبقاع الغربي ـ محيط قوسايا وغيرها ـ والبقاع الشمالي البوابة الإجبارية إلى حمص وغيرها.
وبسرعة مدروسة أيضاً جرى استكمال هذا الضجيج الحربي، بالمخاوف على الجاليات العربية والأجنبية، بحيث أصبح استمرار تواجد العربي أو الأجنبي في لبنان في هذه الفترة مخاطرة غير مضمونة. الحقيقة أن كل هذا الضجيج الذي تداخل مع تصعيد له وقائعه حول اقتران انفجار الحرب الأهلية، لم يكن أكثر من أوراق ضاغطة مثمرة في المواجهة الكبرى تحت "خيمة النظام العربي".
اطمئنان دمشق
حالياً، وكما ينقل العائدون من دمشق، أن أجواء من الاطمئنان تسود مختلف أوساطها، ومن تفاصيل مستندات هذا الاطمئنان أن المشاركة العربية في قمة دمشق قد تضرب أرقاماً قياسية تاريخية، ومن ذلك ضمان مشاركة تونس والمغرب وليبيا والسودان والجزائر واليمن وقطر والإمارات المتحدة على مستوى الملوك والرؤساء والكويت وعمان على مستوى عالٍ جداً، وإن لم يشارك الرئيس العراقي جلال الطالباني فإن رئيس الوزراء نوري المالكي سيشارك.
هذا النجاح لدمشق، سيدفعها بعد القمة إلى التصعيد أكثر فأكثر خصوصاً في لبنان. وهي تشعر أن إعلان الحسم والانتصار عبر هزيمة قوى 14 آذار قد اقترب. فالمعارضة تزداد قوة وجرأة في المواجهة. كل يوم يمضي هو لمصلحة هذه المعارضة. سبب هذا أن دمشق لا تتردد في التصعيد مهما كانت كلفته خصوصاً وأنه دائماً من "كيس" اللبنانيين، في حين أن الآخرين في الدفاع، وهم يعرفون دائماً أنهم مضطرون لدفع الثمن من كيسهم، وأن اللعبة تتجاوز لبنان، ولذلك للآخرين من قوى مساندة أو حليفة أو مشاركة حسابات كثيرة تعيق حركته وتؤخر دعمه.
11 آذار لن يشهد انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. والجلسة المقبلة كما هو منتظر في 25 آذار الحالي قد تكون مثل كل الجلسات السابقة، خصوصاً وأن المبادرة الأخيرة للرئيس بشار الأسد التي حملها لعمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية المتضمنة انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تشكيل حكومة انتقالية تحضر للانتخابات التشريعية على أساس قانون 1960 تعني إطلاق رصاصة الرحمة على المبادرة العربية التي لم يقرر العرب بعد إعلان وفاتها رسمياً.
السؤال الكبير، هو ماذا ستفعل فرنسا وأوروبا حيال نجاح دمشق في عقد القمة عندها ووفاة المبادرة العربية في الوقت نفسه؟ هل تلجأ مرة أخرى إلى الحوار مع دمشق المستقوية بالقمة وتسلمها مسؤولية التمثيل العربي واستمرار الفراغ المنظّم في لبنان، واشتعال الوضع في غزّة وفلسطين، أم أنها مع واشنطن سيصعدان بدورهما وتكون الخطوة الأولى استصدار قرار دولي بفرض عقوبات دولية على سوريا تفتح الباب تدريجياً نحو إقرار عقوبات تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة.
كل شيء يتوقف على حجم التصعيد ومردوداته ونتائجه. اللعبة أصبحت مكشوفة أكثر. ولا أحد يمكنه الهرب أو التهرّب من مسؤولياته مهما كانت طبيعة المواجهة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00