8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

القمّة العربية فرصة "ذهبية" أمام دمشق "لتحسين سلوكها" ووقف التحركات الدولية ضدّها

لا حرب ولا سلام في المنطقة، وخصوصاً في لبنان، حالة من "الحرب الباردة" هي السائدة حالياً، حيث طبول الحرب تقرع نهاراً ومساء، والسباق على التسلح قائم بكل الإمكانيات، "مظاهرات القوة"، مستمرة بلا توقف. لكن هذا لا يمنع من وقوع حروب غير مباشرة، رديفة أو وسيطة، محدودة أو مضبوطة. إلى جانب ذلك، فإن المواجهات الإعلامية مفتوحة، وأحياناً تكون بلا سقف ملزم سوى الخوف من سلاح مكتوم الصوت. أمر مؤكد، أن "الحرب الباردة" لا يمكن أن تستمر بلا نهاية. النتيجة الطبيعية، هي التسليم أو التفكك.
في لبنان يبدو واضحاً أن الفراغ المنظّم أصبح منظماً جداً. الانفجار ممنوع والحل بعيد. التداخل إلى درجة الاندماج بين الأزمة اللبنانية والأزمة العربية هو الذي يضبط عدم الانزلاق نحو الحرب الأهلية وفي الوقت نفسه يحول دون الحل. دمشق اللاعب الكبير بلا قلق من الأخطار طالما أن سلامة النظام مضمونة، لن تدفع باتجاه الحل، إذا لم يكن منتجاً وعائداته مناسبة لمكاييلها التاريخية والطموحة.
"القمّة المقعدة"
الترتيبات لانعقاد القمة العربية في دمشق قائمة على قدم وساق. حجة دمشق لعقدها على قياس طموحاتها "محرقة غزّة"، أما ا لأزمة اللبنانية فلا يجب إقحامها، مع أن كل واحدة تكمل الأخرى وهما وجهان لعملة واحدة مسكوكة أصلاً في دمشق. هذا الفصل بين الأزمتين فيه من البراعة السياسية لكن أيضاً فيه نوعاً من الاستخفاف للعقل العربي. قد تحضر كل الدول العربية هذه القمة في دمشق لكن ستبقى "قمة مقعدة" بدون مشاركة سعودية ـ مصرية حقيقية وقوية وفاعلة ومنتجة.
دمشق المطمئنة كثيراً لنجاح كل مناوراتها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة القائمة على أساس قوي تم تأسيسه منذ الغزو الأميركي للعراق، وغداة الانسحاب من لبنان، تتعرض حالياً لضغوط حقيقية لا يمكن أن تخفيها لفترة طويلة. صحيح أن "محرقة غزّة"، شكلت حدثاً فرض موقف دمشق وموقعها على استحقاق القمة العربية، لكنه عملياً كشفها كثيراً في هذه "الحرب الباردة" التي من أولوياتها البقاء خلف الستار إلا في حالات نادرة جداً مضمونة العواقب والنتائج.
واشنطن التي ما زالت مشدودة إلى مطلب أساسي وهو "ان تحسن دمشق سلوكها"، تمارس الضغوط من وقت إلى آخر. وهي إذا لم تمنع إسرائيل من التفاوض سراً مع دمشق، إلا انها أكدت مراراً رفضها لمفاوضات مباشرة ومبرمجة بدون موافقتها ومواكبتها. واشنطن لم ترفع المواجهة إلى درجة المواجهة المباشرة، بسبب نتائج الحدود المخروقة مع العراق، إلا أنها أبدت موافقتها على الضربة العسكرية الإسرائيلية ضد المنشأة المفترض انها عسكرية على الحدود مع تركيا. وهي وإن بدا اعلان وصول المدمّرة كول "عملاً غبياً" لأنه أحرج قوى عديدة بلا سبب ولا نتيجة، إلا انه كان "إعلاناً بالنار" ضد دمشق.
"الخط الأحمر"
خبراء بالشأن الأميركي يؤكدون أن واشنطن التي يعنيها من الشرق الأوسط في إطار أمنها القومي استمرار تدفق النفط بلا خوف ولا قلق عليه أو حوله من جهة، وضمان أمن إسرائيل من جهة أخرى، أبلغت دمشق أخيراً أنها بدأت تلعب بالنار، وتقترب من اختراق الخط الأحمر، وعليها التوقف فوراً. وهذا "اللعب" تبدو آثاره واضحة في العلاقة مع "حركة حماس" التي تقوى يوماً بعد يوم، من حيث التجهيز (استخدم صاروخ غراد في المواجهات الأخيرة بفعالية وكثافة مدروسة) والإعداد حيث أثبت مقاتلو "حماس" الذين سقط منهم نحو سبعين شهيداً أنهم "اكتسبوا خبرات ملحوظة في القتال نتيجة للتدريب الجيد". وبطبيعة الحال فإن دمشق وطهران هما المعنيتان بكل هذه التطورات والنتائج.
وجود أمن اسرائيل في قلب الأمن القومي الاميركي هو الذي يدفع واشنطن نحو التصعيد مع دمشق وطهران. خصوصا وأن اسرائيل مربكة حالياً في المواجهة، لأنه بعد كل تصعيد تصعيد أكبر، يضاف إلى ذلك ان واشنطن لن تقبل مطلقاً بعودة دمشق إلى لبنان كما تريد وتعمل لذلك، لأن عودتها تعني على المدى الطويل استعادة لبنان "ساحة" لها لممارسة المزيد من الضغوط على اسرائيل بسلاح "حزب الله" ودائماً لتحسين شروط تفاوضها. هذا التطور لا يمكن ان يتم دون سقوط دور "اليونيفيل" مما سيلحق هزيمة شاملة بالاتحاد الاوروبي وتحديداً فرنسا إلى جانب الأمم المتحدة. وأخيراً وليس آخراً فإن استمرار دمشق في استخدام "الخاصرة الضعيفة العراقية" لتوجيه ضربات غير مباشرة عبر الحدود المخروقة، يرفع من رصيد الغضب الاميركي غير المسبوق ضد دمشق.
في واشنطن ايضاً كما يذهب البعض، طروحات جديدة تركز على انه اذا كانت الحرب مع ايران وإن كانت صعبة جداً فإنها غير مستحيلة. الاسهل والاضمن "الدخول في عملية بناء سد على مجرى النهر الذي يخرج من دمشق ويصب في خليج "حماس" و"حزب الله"، ما سيقطع هذا النهر، فيعزل دمشق ويفقد طهران الحضور والدور والقوة، وبذلك تكون واشنطن قد ربحت الحرب ضد طهران ودمشق معاً دون ان تخسر جندياً احداً. اسرائيل ستخسر كثيراً هذه المرة لكن النتائج تستحق المخاطرة".
الحصار والضغوط
البديل لهذه الحرب هو محاصرة دمشق دولياً وعربياً عبر ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية حقيقية عليها. من أولوياتها عودة مصر بقوة إلى فلسطين عبر غزة التي هي خاصرتها الضعيفة جغرافياً وسياسياً. وهذه العودة تكون بأن تلعب مصر دوراً أكبر سواء عبر فتح أو حماس التي أصبح من المستحيل استبعادها أو إلغاء مشاركتها في الحلول. البداية تكون في فرض هدنة لا غالب فيها ولا مغلوب، على طريق إحياء "أنابوليس" و"خارطة الطريق".
أما عربياً، فإن ما نقل عن ليبيا التي هي حالياً العضو في مجلس الأمن القادر على تعطيل القرارات كما حصل أخيراً في القرار المتعلق بالإدانة بعد عملية القدس، "بأن على دمشق الا تستمر بالتعامل مع لبنان كما كان الحال بين العراق والكويت لأن نتائج ذلك التعامل واضحة جداً على الارض، إذ يكفي الأمة العربية عراق واحد"، "رسالة" واضحة جداً لا يمكن لدمشق تجاهلها، خصوصا أنها من حليف مهم لها.
القمة العربية في نهاية الشهر الحالي فرصة لن تتكرر امام دمشق وقدرتها على التقاط "الرسائل" الموجهة إليها خصوصا في الفترة الأخيرة، وقراءتها بواقعية وحسن تقدير وحسابات دقيقة هي التي ستحدد مستقبلها. الفرص الذهبية لا تحصل كل يوم. القمة العربية فرصة "ذهبية" ستكون بالنسبة لدمشق سيفاً إن أحسنت استخدامه أصبح سلاحاً في يدها، وإن أساءت استعماله تحول إلى سلاح ضدها. في الحالتين الأرباح والخسائر هذه المرة من "كيسها".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00