8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إقحام لبنان في أروقة الملف النووي الايراني وتقاطعها مع الطموح السوري لاستعادته يبعد الحل

الانتخابات التشريعية في ايران، التي تجري غداً الجمعة، رغم انها لا تثير حماسة المجتمع الايراني، تستحق من اللبنانيين والعرب المتابعة والانتباه. هذا الاهتمام الواجب، يعود الى المؤشرات والاتجاهات التي تستولدها الانتخابات بكل ما يتعلق بمستقبل السلطة في ايران. والمقصود بالمستقبل ليس سقوط أو بقاء النظام الاسلامي الفريد من نوعه في العالم، وانما في مضامين تعامله وتعاونه أو رفضه لمحيطه أو للعالم كله، والعكس صحيح.
الحملة الانتخابية في ايران، خصوصاً في الأرياف، بلا روح. عدم الحماسة الشعبية واضحة جداً للجميع في الداخل والخارج. الايرانيون مهتمون حالياً باقتراب "عيد النوروز" أكبر الأعياد الايرانية وأهمها في 21 آذار الحالي، حيث تتوقف الحياة نتيجة للتعطيل الرسمي لجميع الادارات لأكثر من عشرة أيام. ليس العيد هو المسؤول عن هذه الحالة. غياب المنافسة الحقيقية بين القوى الناشطة والمؤثرة في المجتمع الايراني هي التي فرضت هذا الصقيع.
منافسة باردة
المنافسة الانتخابية التي جرت خلال 28 استحقاقاً انتخابياً منذ مطلع الثورة، بين كتلتين أو تيارين اصلاحي ومحافظ، والتي كان أبرز نتائجها فوز محمد خاتمي برئاسة الجمهورية لدورتين، انتهت. الاصلاحيون ما زالوا موجودين لكنهم يبذلون جهوداً عظيمة حتى لا يدخلوا "غرفة العناية الفائقة".
المحافظون تعلموا كثيراً منذ هزيمتهم على يد خاتمي. وهم نجحوا في سنوات قليلة من توسيع "مروحة" انتشارهم و"تلوين" خطابهم بما يتلازم مع تعددية قواعدهم داخل المجتمع الايراني.
المحافظون حالياً تتوزعهم ثلاثة تيارات:
* المحافظون المتشددون ويمثلهم حالياً في السلطة الرئيس أحمدي نجاد، وما زال الشيخ مصباح يزدي الذي خسر المعركة على رئاسة "مجلس الخبراء" في مواجهة الشيخ هاشمي رفسنجاني هو "المرشد الروحي" لهم.
* المحافظون المعتدلون المعارضون سياسياً في الأساس للرئيس نجاد، تتزعمهم "ترويكا" من الشخصيات هي علي لاريجاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي والمسؤول عن الملف النووي حتى ابعاده قبل أشهر، ومحمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران حالياً وأبرز المنافسين لنجاد في الانتخابات الرئاسية ومحسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري.
* المحافظون "البناؤون" وهم جناح الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي يقف في الوسط باعتبار انه على علاقة ايجابية مع المعتدلين.
الاصلاحيون أيضاً تتوزعهم اتجاهات تراوح بين الوسط والليبرالية، وأبرز قواهم "حزب المشاركة" ويكاد يكون الرئيس محمد خاتمي "المرشد الروحي" لهذا التيار وهو ينادي بضرورة الاقتراع بكثافة وعدم المقاطعة، حتى لا يهيمن المحافظون المتشددون نهائياً على الحياة السياسية في ايران.
غياب "الثلث المعطّل"
نتائج الانتخابات لن تظهر نهائياً قبل أيام. لكن من الواضح ان الاصلاحيين لن يحصلوا على "الثلث المعطل" في البرلمان أي أقل من مئة مقعد خصوصاً وأنه جرى رفع عدد النواب تبعاً للنمو الديموغرافي. ما يجب مراقبته هو حجم كتلة النواب الآتين من رحم الحرس الثوري بكل فروعه بما فيها الأمن، لأن هذه الكتلة كما هو متوقع هي التي ستمسك بالقرار في البرلمان المنتخب، خصوصاً أن تجربة البرلمان المنتهية ولايته أكدت حضورهم، فهم وإن كانوا لا يشكلون سوى الثلث من عدد النواب الا انهم كانوا كما يوصفون بكتلة من "الغرانيت" غير قابلة للاختراق. اشارة صغيرة فقط إلى ان "ترويكا" المعتدلين من المحافظين لاريجاني ـ قاليباف ـ رضائي قادمين من "الحرس". من طبيعة هذا المسار انه كلما تقدم "العكسر" خطوة نحو الامساك بمفاصل السلطة، تراجع حضور ونفوذ المؤسسة الدينية التي احتكرتها طوال ثلاثة عقود.
هذا الحضور للحرس الثوري في البرلمان المنتخب يؤكد مرة أخرى التوجه نحو "عسكرة" النظام بكل مؤسساته السياسية والاقتصادية. أحمدي نجاد "الابن البار للحرس" الذي دقت ساعة خروجه من الرئاسة لأنه لن يجدد ولاية ثانية في الانتخابات التي ستجري العام المقبل، أدى دوره بنجاح منقطع النظير، فالتشدد الأميركي الذي يمثله الرئيس جورج بوش كان بحاجة لرئيس ايراني متشدد مثل نجاد.
يضاف الى ذلك فشل الرئيس نجاد الاقتصادي الذي أثار شرائح واسعة في المجتمع الايراني ضده وضد كل ما يمثل. لكن غياب نجاد لا يعني مطلقاً ان الباب سيغلق في وجه "الحرس"، فالمرشحون لخلافته من هذه "العائلة" وأبرزهم علي لاريجاني ومحمد باقر قاليباف، والبديل لهم ربما يكون علي ولايتي وزير الخارجية السابق الآتي من "بيت" المرشد في حال أرادت طهران الانفتاح خارجياً.
الاستقالة الخطرة
هذه الانتخابات التشريعية ليست كما هو واضح حتى الآن، أكثر من عملية تمهيدية لتحديد طبيعة وتوجهات السلطة في ايران. وهذا التعامل المقصود مع هذه الانتخابات يعود الى ان القيادة الايرانية تتصرف حالياً على أساس ضرورة انتظار حركة "النمر الجريح" الأميركي. وإذا كانت هذه القيادة ترى ان حصول هجوم عسكري أميركي مباشر ضد ايران يزداد بعداً فإن ذلك لا يمنع من وقوع مفاجأة من العيار الثقيل. ولذلك فإن استقالة الأدميرال وليم فالون قائد قيادة المنطقة الوسطى التي تضم الشرق الأوسط، المعارض للخطاب الحربي للادارة الأميركية في المنطقة، ليس علامة صحية، فهو استقال قبل أن يقال لخلافه العلني مع هذه الادارة وتحديداً وزير الدفاع ورئيس الجمهورية.
تأجيل بت طهران لمواقفها في كلّ الملفات الساخنة في المنطقة مع بقاء صيغة "التفاوض بالنار" مع الأميركيين هي السياسة اليومية لها. رغم ذلك فإن تموضع تيارات المحافظين أحجاماً وقيادات داخل البرلمان، سيكون معياراً اضافياً يمكن البناء عليه حول كل ما يتعلق بتشكل السلطة في ايران.
ايران "امبراطورية نائمة" تاريخياً، لا تنحو باتجاه التوسع الجغرافي، ما تريده الاعتراف بدورها وحضورها في المنطقة. كلما اقتربت من تحقيق هذا الهدف، هادنت وهدأت. النتيجة هي في ابتعاد "الصوت النجادي" عن دائرة القرار في هذه السلطة المركبة والمعقدة في طهران.
هذا التوجه يشكل اعلاناً واضحاً لتغيير في التعامل مع الخارج، وخصوصاً مع محيط ايران الجغرافي، وبطبيعة كلّ ما يتعلق بالملفات الساخنة ومنها أساساً لبنان الذي لسوء حظه دخل كما تقول باريس: "أروقة أزمة الملف النووي".
المعجزة السياسية وحدها تخرج لبنان من الانتظار في "أروقة الملف النووي الايراني" المتقاطع مع الطموحات السورية لاستعادته مهما بلغت كلفة هذه السياسة، فهل تدفع المرحلة الانتقالية التي تمر بها طهران نحو تغيّر موقفها من لبنان وتقديم الحل "هدية" لتهدئة "النمر الجريح" منها؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00