8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

اسرائيل تتفهم موقف دمشق من الموضوع اللبناني، و"محدلة" المفاوضات حلّت 85% من المشاكل

المحاسبة الشعبية عمود أساسي في الديموقراطيات العريقة. الحاكم يخطئ. الشعب يحاسب في أول استحقاق انتخابي، فاما يغير الحاكم نهجه، واما يُغير لاحقاً. هذا ما حصل في فرنسا. لم يمض على انتخاب نيكولا ساركوزي تسعة أشهر، حتى لاحقه الناخبون الفرنسيون وعاقبوه في الانتخابات البلدية. الآن على ساركوزي ان يأخذ بحرفية "الرسالة" التي وجهها له الناخب الفرنسي، فيعدل نهجه وينفذ وعوده بالتغيير أو يهمش حتى نهاية ولايته.
الأنظمة التي لا تعرف من الديموقراطية الا اسمها، تستعيض عن الانتخابات الحرة بالاستفتاءات التي تمنحها عادة أقل من 99 بالمئة بما يرضي الغرور ويقدم صورة زاهية وزهرية لها أمام شعوبها. في مثل هذه الأنظمة كل شيء من الأسرار، مع العلم ان العالم كله أصبح عالماً بلا أسرار. ومن ذلك ان قرارات الحرب والسلام التي يجب عادة أن يتم تحضير أي شعب مهما بلغ لديه حجم الالتزام بقضاياه الوطنية والقومية، تبقى دائماً سراً من الأسرار، حتى اذا وقعت الحرب وقعت المفاجأة. واذا حصل السلام، فإن عليه ركوب "القطار". انه القدر الذي لا حول ولا قوة في مواجهته.
الممانعة في ظل التفاوض
دمشق هي "رأس الممانعة" بين كل الدول العربية. ولذلك فمن واجب كل الشعب السوري أولاً، وباقي "القوى الحية والصامدة والمتصدية" أن تقف بالصف خلفها، وأن تضحي بالغالي والرخيص، سواء من الناس أو الحجر. والويل كل الويل اذا فكّر أي حزب أو أي قوة من القوى ولو لمرة واحدة لماذا انا وليس أنا وهو؟. مجرد طرح هذا السؤال يشكل خيانة وطنية وقومية.
رسمياً، لا مفاوضات بين دمشق واسرائيل. أي كلام عن التفاوض، جزء من المؤامرة لاضعاف دولة الممانعة وفتح الطريق أمام انتصار الامبريالية واسرائيل. حتى عندما يتم الكشف عن المفاوضات من الجانب الاسرائيلي، فإن ذلك جزء من عملية تشويش وتسميم للشعوب العربية. ألون لئيل المدير العام السابق لوزارة الخارجية في اسرائيل ورئيس اللوبي الاسرائيلي للسلام مع سوريا، كشف بعضا من أسرار المفاوضات مع دمشق والتي يقوم بها شخصياً مع "شخصيات سورية لها وزنها الكبير في بلدها"، ومن أبرز "أسرار المفاوضات".
* 12 لقاء جرى حتى الآن بين لئيل وشخصيات سورية. عرف منها ابراهيم سليمان الذي "احترق" اسمه بعد خطابه أمام الكنيست، لكنه لم يخرج من "قطار" المفاوضات، رغم أن أشخاصاً آخرين تسلموا "الرئاسة". ويبدو أن أبرزهم هو السفير عماد مصطفى.
* ان 85% من المشاكل والقضايا الخلافية قد تم الاتفاق حولها. وأن الأساس هو انسحاب اسرائيلي من الأراضي التي احتلتها عام 1967، في اطار "اقامة حديقة قومية في الثلث الغربي من هضبة الجولان يدخلها الاسرائيليون بدون تأشيرة دخول كما هو حاصل في شرم الشيخ وطابا، والابقاء على المشاريع الاسرائيلية حالياً (معامل النبيذ) واستثمارها لمدة تتراوح بين خمس وخمس عشرة سنة. لكن تحت السيادة السورية.
* ان الرئيس جورج بوش هو "العائق" أمام المحادثات العلنية والرسمية ولذلك ما أن يرحل حتى تبدأ في ربيع 2009 المفاوضات بموافقة اميركية ولذلك فإن تل أبيب تعمل لدى المرشحين الثلاثة ماكين وكلينتون وأوباما، لكي يرفع الفائز منهم "الحظر البوشي".
* ان اتفاقية سلام شامل ستشكل نهاية للتفاوض. اذا كانت العلاقات بين دمشق وطهران جزءاً من الآلية والمصالح بين البلدين، غير مطلوب قطع العلاقات بينهما لكن من غير المعقول ان تؤثر هذه العلاقات سلبياً على أهداف السلام. ولذا من الطبيعي أن لا تمد دمشق "حزب الله" و"حماس" بالسلاح، ان السلام مع سوريا سيسهل السلام مع الفلسطينيين فيما بعد
* "نحن (الكلام للمفاوض لئيل) ندرك اهمية موقفهم من الموضوع اللبناني".
* ان شخصيات اسرائيلية عديدة وبارزة منها ايهود باراك وزير الدفاع وغابي اشكنازي رئيس الاركان وضباط كبار في قيادة الاركان، موافقة على التفاوض والحل.
اسئلة بلا اجابات
ان تفاوض دمشق اسرائيل، فهذا حق شرعي وسيادي لها. وقد سبقها في ذلك زعماء عرب على رأسهم انور السادات وياسر عرفات، لكن السادات وعرفات فاوضا علناً ووقعا على اتفاقيات سلام علناً. ولم يخونا احدا بدعوى ان التفاوض غير صحيح، ولم يشعلا المعارضة والرفض في دول اخرى بما فيها سوريا لانها مثلاً لمحت الى وجود مصالح وطنية خاصة بها. بينما دمشق لم تتوان منذ خروجها من لبنان وانفراط "وحدة المسار والمصير" الا ووجهت جملة اتهامات وبالخيانة للحكومة اللبنانية ولاكثر من نصف الشعب اللبناني".
امام هذه الوقائع حول "اسرار" المفاوضات بين دمشق وتل ابيب، ترتفع اسئلة تنتظر اجابات تبدو حتى الآن مؤجلة، منها: لماذا على لبنان واللبنانيين الاستمرار بدون رئيس للجمهورية والعيش على حافة الهاوية، واعتبار اي اتصال مع واشنطن وليس تل ابيب خيانة؟ ولماذا على لبنان واللبنانيين حمل اعباء المواجهة ضد اسرائيل وحدهم؟. ولماذا يجب الانتظار حتى ربيع 2009 حتى يدخل لبنان الغرفة الجانبية للمفاوضات حوله وليس معه بمساهمة لبنانية داخلية، وهل يتحمل فعلاً لبنان اعباء الانتظار حتى ذلك الحين، وماذا لو رفض خليفة بوش التفاوض السوري ـ الاسرائيلي، لان مصالح واشنطن غير مضمونة مثلا؟.
الاهم والاخطر من ذلك، ماذا يعني ادراك تل ابيب للموقف السوري من الموضوع اللبناني؟ هل يعني ذلك التسليم وهو الارجح بالدور السوري في لبنان؟ ومَن مِن القوى اللبنانية مستعدة لتحمل اوزار هذا التفاهم الذي ستكون نتيجته عودة الوجود السوري سياسياً على الاقل دون الحديث عن الوجود الامني؟ وما هو موقف "حزب الله" تحديداً من مثل هذه المفاوضات التي من الواضح ان قطع "وريد التغذية" عنه سيكون ركناً من اركان السلام السوري ـ الاسرائيلي؟.
المشكلة ان معرفة كل هذا الواقع والتعامل معه بحجة تقطيع الوقت بانتظار المتغيرات لان لا شيء يبدو مضموناً في المنطقة يشكل خطأ استراتيجياً، من نتائجه ان الخسارة فيها مؤكدة. فرق شاسع ان تكون المفاوضات بالتفاهم مع الحليف او على الاقل بمعرفته، لانه سيشكل طرفاً في التفاهمات (وهو امر مستحيل لـ"حزب الله") او ان يكون "زواج المصالح" القائم حالياً مجرد نهج لتقوية موقع المفاوض على حساب الجميع واساساً الحلفاء.
دمشق تزداد قوة لان موعدها مع رحيل جورج بوش يقترب يوماً بعد يوم، ولان احتمالات الحرب يبتعد عنها وعن طهران يومياً. دمشق لن تسمح للبنانيين بانتخاب رئيس للجمهورية في 25 آذار ولا بعده الا اذا شعرت بالخطر. لذلك كله "سيدخل لبنان في ازمة خطيرة جداً كما يقول خافيير سولانا وهي ستكون ازمة بالغة الشدة".
النتيجة معروفة منذ الآن، قد تخسر الاكثرية المواجهة لكنها لن تخسر وجودها. اما "حزب الله" فانه سيخسر كل شيء بما فيه وجوده لانه لا مكان له في زمن السلام السوري ـ الاسرائيلي الآتي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00