8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مطالبة لبنان من دمشق بالاعتراف بحدوده واستقلاله ووقف تدخّلها سيكشفها أمام العرب والعالم

يوجد ألف سبب وسبب، حتى لا يحضر لبنان القمة العربية التي ستعقد في نهاية الشهر الجاري في دمشق. ويوجد أيضاً أسباب عديدة، تدفع باتجاه المشاركة. لبنان لن يربح من مشاركته الكثير، والغياب عنها لن يشكل له خسارة كبيرة. أمام هذه الحالة الخيار صعب جداً. والانقسام طبيعي جداً.
دمشق تعمدت "اهانة" لبنان في شكل الدعوة. كانت دمشق مجبرة منذ اللحظة الأولى على دعوة لبنان، فالقمة العربية وان عقدت في دمشق، فإن لها قواعدها وشروطها، وهي بالتأكيد لا علاقة لها بمن تحب دمشق أو تكرهه، ومن تتفق أو تختلف معه.
سنوات الوصاية ومفاعيلها
أيضاً، ليس من السهل أن يذهب لبنان على أي مستوى كان الى دمشق، وهو متحرر من سنوات الوصاية ومفاعيلها، فالذاكرة الشعبية لا ترحم. الأسوأ ليس الذهاب الى دمشق دون "الحمل الثقيل لهذه السنوات الثلاث الماضية التي بدأت مع "زلزال" 14 شباط واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ولو كان من الممكن حصر "الأيام السوداء" بذلك لهان الأمر لكن هذا "الفراغ" الذي يعيشه لبنان على مستوى القمة، واستمرار بقائه متأرجحاً على "حافة الهاوية"، يجعل من الذهاب الى دمشق أمراً يصعب ابتلاعه فكيف بهضمه. ذلك انه مهما قالت دمشق عن لعب واشنطن دوراً في استمرار هذا "الفراغ"، فإن ذلك لن يلغي مسؤوليتها في استمرار الأزمة، طلباً منها لتحقيق هدفين:
* الأول: الحلم بالعودة الى لبنان، والعمل على استعادة "وحدة المسار والمصير" بكل مفاعيله السياسية والاقتصادية.
* الثاني: رفع رصيدها لتدعيم موقعها التفاوضي سواء مع واشنطن المتحررة من ادارة الرئيس جورج بوش، أو مع اسرائيل التي تنتظر رفع "الحظر البوشي" عنها لتسريع "قطار التفاوض" معها.
وفي وقت يشكل موقف دمشق السلبي من حل الأزمة اللبنانية، عاملاً أساساً ورئيساً للموقف العربي المختلف معها، وخصوصاً الرياض والقاهرة، لا يصح أن يذهب لبنان لأن في هذه الحركة اضعافاً للموقف العربي الداعم له. ولذلك فإنه اذا ما شاركت القاهرة والرياض في القمة حفاظاً منها على مظاهر العمل العربي المشترك، فإن هذه المشاركة تكفي، وكأن لبنان حاضراً وممثلاً فيها.
أبعد من ذلك، فإن مشاركة لبنان تضعف الموقف الغربي وخصوصاً الأوروبي الذي اقتنع بأن دمشق ناورت عليه، وأخذت منه دون أن تعطيه. ومما يزيد من حجم هذا الضعف المتوقع أن باريس ومعها الاتحاد الأوروبي تبحث عن صيغة جديدة لمبادرة يتم العمل على صياغتها تستند الى المبادرة العربية التي قتلت غرقاً في بورصة الأرقام.
ان "التاجر الدمشقي"، سيجد ألف طريقة وطريقة لتسويق مواقفه، لا بل ان هذا "التسويق" سيكون أكثر تشويقاً بوجود الوفد اللبناني، خصوصاً أن الاطار الذي وضعته دمشق للقمة هو "التضامن العربي" وأن البند الأول المطروح على الملوك والرؤساء هو ملف غزة بعد "المحرقة" التي وقعت فيها واستمرار الباب مفتوحاً أمام وقوع "محارق" أخرى. ولا شك ان الملف اللبناني الذي يقع حسب دمشق بين "سندان" الملف العراقي و"مطرقة" الملف الفلسطيني، ستضيع تفاصيله ويجري استهلاك حقيقة ما يجري ضمنه واخطار ان يولد ذلك "عرقنة" لبنان.
ان المشاركة اللبنانية في أعمال القمة، لن تقدم ولن تؤخر شيئاً في الموقف السوري. لدمشق "خريطة طريق"، واضحة ومحددة في التعامل مع الأزمة اللبنانية، وهي اذا كانت لم تقدم لفرنسا ولأوروبا وللرياض والقاهرة شيئاً ولم تتنازل عن مواقفها قيد أنملة، فإنها ليست مستعدة لتقديم أي تنازل في القمة سواء شارك لبنان أم لم يشارك.
التنسيق العربي
مشاركة لبنان في القمة أيضاً ليس منّة سواء كانت القمة في دمشق أو غيرها. هذه المشاركة جزء من مسارها الطويل في العمل العربي المشترك منذ تأسيس جامعة الدول العربية. ولذلك فإنه يجب تجاوز الشكل والذهاب فوراً نحو المضمون.
يستطيع لبنان تنسيق حضوره على صعيد حجم التمثيل مع العواصم العربية التي تدعمه خصوصاً الرياض والقاهرة.
الخطاب الذي سيحمله الوفد الى القمة، يمكن أن يؤسس هيكل العلاقات المستقبلية السورية ـ اللبنانية، وبمسؤولية تاريخية بعيداً عن المواقف المعلبة والمعروفة وعن كل الخطابات السائدة نتيجة لطبيعة العلاقات القائمة قبل قيام النظام السياسي ـ الأمني، والذي أساسه رفض دمشق الاعتراف بلبنان المستقل والسيّد الحر.
خطاب الوفد اللبناني، أمام الملوك والرؤساء وبحضور الرئيس بشار الأسد، بعيداً عن كل الفلوكلور المعروف لمثل هذه المناسبات، خطاباً صريحاً وشفافاً بكل معنى الكلمة. يتم خلاله، عرض ما فعله النظام السياسي ـ الأمني السابق الذي وأد الى حين كل العلاقات الأخوية وحتى المشاعر القومية والطموحات بقيام الوحدة العربية. يجب ان تُسأل دمشق أمام هذا الحضور للعرب ومنه الرئيس السوري:
متى سيتم الاعتراف رسمياً باستقلال لبنان، حتى تقام علاقات ديبلوماسية عادية؟
متى سيبدأ ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، لانهاء أي اشكالية وخصوصاً مزارع شبعا، حتى لا يأتي يوم تتحرر فيه هذه المزارع بدماء اللبنانيين فتسارع دمشق لوضع يدها عليها. المطلوب "رسالة" رسمية الى الأمم المتحدة وليس مجرد تصريحات علنية؟.
متى سترفع دمشق يدها عن الملف الفلسطيني في لبنان وخصوصاً المنظمات المعروفة بولائها لها، بعد أن اتفق اللبنانيون على طاولة الحوار على هذا الملف.
متى ستساهم دمشق فعلاً في حل الأزمة ومنع انزلاق لبنان نحو الحرب الأهلية. لأنه مهما كانت حجج دمشق "بأن نفوذها محدود وأن للآخرين نفوذاً مثلها"، فإن الواقع يؤشر الى وجودها في أدق التفاصيل التي يكمن فيها "الشيطان".
بعد هذا الخطاب اللبناني الصريح والشفاف أمام كل العرب داخل القمة وعلى مساحة الوطن العربي، لتفعل دمشق ما تريد. على الأقل لا تستطيع ان تغطي مواقفها "بورقة توت" المعارضة اللبنانية. مضمون هذا الخطاب الذي سيعري مواقف "التاجر الدمشقي" يمكن للعرب المتعلقين فعلاً بالتضامن وبانقاذ لبنان ومعهم الأوروبيون أن يتحركوا متحررين من الموقف السوري ومناوراته.
لحظة الاختيار تقترب بسرعة وعدم انتخاب رئيس للجمهورية كما هو متوقع في الجلسة القادمة لمجلس النواب ستحسم الموقف. دمشق بدأت تؤكد منذ الآن أنها بعد القمة لن تكون كما قبلها. باختصار ان الهدنة التي فرضتها الاستعدادات للقمة، ستنتهي مفاعيلها ليبدأ من جديد التصعيد.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00