رغم كل مظاهر عدم المبالاة التي تعمل دمشق على إظهارها أمام الجميع وخصوصاً الشعب السوري، في كل ما يتعلق بانعقاد القمة أولاً، ونجاحها ثانياً على مستوى المشاركة والتمثيل والقرارات، فإن الواقع يؤشر الى أن دمشق تبذل جهوداً سياسية وديبلوماسية لإنجاح هذه القمة، حتى تأخذ شرعية كاملة في التمثيل العربي. دمشق مضطرة الى انتظار فترة زمنية حتى يعود لها حق عقد القمة العربية العادية في ربوعها، والأهم أن هذه السنة التي سترأس فيها دمشق التمثيل العربي المشترك، مهمة جداً لا بل إنها مصيرية بالنسبة لها. ذلك أن دمشق التي تنتظربفارغ الصبر "وفاة البوشية" بعد انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش، تتوقع الدخول في مسار مختلف جداً، هو مسار التفاوض سواء مع واشنطن مباشرة أو مع إسرائيل علناً. ولذلك كله فإن دمشق التي ستحمل شرعية التمثيل العربي بلا منازعة ولا مزاحمة ومن أكثر عدد من الدول العربية، وأكبر حجم من التمثيل، هي غير دمشق التي تفاوض لوحدها ولنفسها أو في أفضل الحال، وهي تحمل هذا التمثيل من قمة عربية "مقعدة" بسبب قلة المشاركة وخفة التمثيل، والأهم مع إدانة لمواقفها خصوصاً في لبنان من أطراف عربية لها وزنها وحجمها عربياً ودولياً.
قواعد اللعبة تتغير
"سلاحان" تستخدمهما دمشق منذ فترة ليست بالقصيرة، وبقوة وغزارة واندفاع لإنجاح انعقاد القمة في ربوعها في نهاية الشهر الحالي:
* السلاح الأول: التشديد على أن القمة يجب أن تكون "قمة التضامن العربي" لمواجهة الهجمة غير المسبوقة على المنطقة وخصوصاً أن "محرقة غزة" قد مرت بسلام في الشوارع العربية، وإذا كان التصعيد حول مواقفها من الملفات الثلاثة: فلسطين ولبنان والعراق، قد مر بسلام فإن ذلك لن يبقى بلا ردود فعل مستقبلاً. وما يساعد على ضمان مثل هذه التوقعات ـ التطورات، أن معظم الدول العربية تواجه حالياً أزمات حقيقية وعميقة في وقت تجتاز فيه بسبب خصوصيتها من جهة وبسبب التحولات الدولية مرحلة انتقالية مفتوحة على كل التوقعات والاحتمالات.
حتى الآن، لا يبدو أن دمشق نجحت رغم استخدامها المكثف لهذين "السلاحين"، في إحداث تغيير أساسي في الموقف منها. حتى ولو حضر أكثر من عشرة زعماء عرب هذه القمة، فإن ذلك لن يغير شيئاً، لأن الحاضرين يعلمون مثل الغائبين، أن دمشق تلعب لعبة خطيرة في أثناء مرحلة خطيرة، سلاحها الأساسي في القتال هو "سيف الوقت". وإذا كانت دمشق قد نجحت حتى الآن في استثمار لعبتها هذه بفعالية فإن التحولات الكبرى على صعيد المنطقة والعالم تؤشر الى أن قواعد اللعبة بدأت تتغير.
أبرز المتغيرات وخصوصاً على الصعيد الدولي، "أن الوضع المغلق في لبنان على الحل، لم يسقط لبنان عن حافة الهاوية، وأن الوضع فيه يتحمل ضغوطاً ضخمة ولو امتدت فترتها لسنة إضافية"،. ومما يعزز هذا الرأي أن "دائرة خيارات" "حزب الله" تزداد ضيقاً، فهو لا يريد الانخراط في حرب أهلية تفقده حكماً شرعية سلاحه المقاوم، من جهة، ولا يسعى أيضاً الى حرب مفتوحة ضد إسرائيل رغم حهوزيته المعلنة.
ما قبل القمة وبعدها
إن صعود أوروبا في "قطار" المواقف الأميركية يزداد يوماً بعد آخر، فإذا كانت باريس ـ الساركوزية تستعد في الرابع من نيسان لإعلان عودتها الى الحلف الأطلسي عسكرياً بعد غياب طويل، مع ما يستتبع ذلك من واجبات ونتائج، فإن تحول ايطاليا من جديد نحو "البرلسكونية"، يزيد من أهمية هذه التحولات. وأخطر ما في هذا، إمكانية تغيير روما ـ البرلسكونية لموقعها ودورها في قوات "اليونيفيل" المتواجدة في لبنان، وهي التي تتقاسم مع فرنسا "عمودها الفقري". ومجرد عودة برلسكوني والالتزام الأطلسي لفرنسا، سيطرح حكماً أسئلة عديدة حول طبيعة وجود وعمل قوات "اليونيفيل" في لبنان ولذلك كله يجب في كل الحسابات المستقبلية من كل الأطراف المعنية بلبنان، وفي المقدمة دمشق، أخذ ذلك في الاعتبار. إذ من الواضح أن سياسة المناورة وإغراق المبادرات في تفاصيل آلياتها، قد انكشف ولم يعد من الممكن متابعة مثل هذه السياسة.
أي فشل لسوريا في القمة العربية، سيسجل ضدها هذه المرة، وخطورة هذا الفشل، أن العديد من الدول المهتمة أصلاً بلبنان سواء كانت عربية أو دولية تستعد للتعامل معها بطريقة مختلفة. فما قبل القمة، لن يكون كما بعدها. ولذلك فإن مشاورات ومباحثات مكثفة تدور بين العواصم المعنية وخصوصاً في باريس حول ما يجب عمله بعد اختتام القمة العربية من دون انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. وإذا كانت لا توجد حالياً مبادرة محددة لإطلاقها في مطلع نيسان المقبل، فإنه على الأقل يجري حالياً تداول أفكار عديدة خصوصاً داخل أروقة الأمم المتحدة لأنه لا يمكن الاستمرار بالأزمة اللبنانية على هذه الحال وسط هذه الأجواء الملبدة حول مستقبل قوات "اليونيفيل" العاملة في لبنان.
الحلقة المشتركة لكل هذه "الأفكار" التي يتم تداولها في عواصم القرار بما يتعلق بالأزمة اللبنانية وبدور دمشق فيها، يؤشر الى استعدادات لمواجهة سياسية وديبلوماسية مع سوريا، وأن هذه المواجهة ستتبلور في إقرار مزيد من العقوبات الاقتصادية على مثال إيران، التي إذا كانت قد نجحت في تجاوز بعض آثارها دون البعض الآخر نتيجة لعائدات النفط العالية، فإن دمشق ستقف "عارية" أمامها خصوصاً وأن القوى العربية الفاعلة والمؤثرة اقتصادياً لن تكون هذه المرة الى جانبها.
"كرة النار" تتجه بسرعة الى دمشق، فهل تواجهها بمزيد من التصلب على قاعدة "اشتدي أزمة تنفرجي"، أم أنها ستفتح الباب ولو مواربة أمام الحل من لبنان فيتعافى أولاً، وتنقذ نفسها والوطن العربي من امتحان جديد ستكون بدايته في الذكرى الخامسة الحزينة للاحتلال الأميركي للعراق.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.