8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

دعم موسكو لتنفيذ القرار 1701 مقدمة لموافقتها على قرار دولي جديد حول لبنان

عاد "الدب الروسي" ليرقص من جديد فوق "الصفيح الساخن" لمنطقة الشرق الأوسط. هذه العودة، تعني ان "الدب الروسي" أخذ يستعيد عافيته، بعد أن نام طويلاً في صقيع انهيار الاتحاد السوفياتي. موسكو تريد الآن استعادة شيء من دورها العالمي الضائع، والشرق الأوسط هو "بداية" العالم، فيه ولدت الأديان السماوية الثلاثة، ومنه النفط، أم الثروات وفيه آب النزاعات الطويلة والمعقدة والدامية المتقاطعة مع استراتيجيات ومصالح القوى العظمى.
فلاديمير بوتين، هو صانع هذه العافية، وهذه العودة لأنه عرف كيف يعالج هذه الحالة المريضة الصعبة، بعد ان أنهكتها الاشتراكات التي اوهنتها وأدخلتها "غرفة العناية الفائقة"، وتناسى الورثة والطامعون التركة. طبعاً الحظ ابتسم لبوتين وساعده كثيراً. فورة أسعار النفط ملأت خزائن روسيا الفارغة، فوفى الديون المتراكمة، وفتح الكثير من الشرايين الجافة، خصوصاً شرايين الصناعات العسكرية ­ "القيصر" بوتين، لم يترك شيئاً للصدفة. احترم دستور روسيا، فخرج من "باب" الكرملين ليعود اليه من "نافذته"، ليشرف مباشرة على استمرارية المسار الروسي الذي اختطه.
زيارة مبارك وعودة الأسطول
زيارة الرئيس حسني مبارك لموسكو ومباحثاته مع "القيصر" وخليفته مدفيف مهمة جداً، لكنها ليست وحدها التي تؤكد عودة موسكو الى المنطقة. قبل ذلك تكرر الحديث عن عودة الأسطول الروسي الى المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط، وقام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بجولة شملت دمشق وتل أبيب ورام الله.
موسكو تريد وتعمل لانعقاد مؤتمر أنابوليس ثان عندها. حتى الآن العرب موافقون واسرائيل ترفض، على الأرجح بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية. أيضاً، موسكو منذ البداية دخلت على خط الأزمة في لبنان وموفدها حفظ غيباً طريق بيروت.
لافروف أكد ان موسكو "لا تريد فرض أي شيء على أي كان". هذا جزء من الواقعية السياسية التي تتبعها موسكو. لم تعد العلاقات الدولية خارجة من الأحضان الدافئة للايديولوجية. الآن كل شيء وليد شبكة المصالح المعقدة حيث لغة الأرقام الباردة هي سيدة الموقف. لذلك تعمل على اقناع الأطراف المختلفة عبر تحقيق نوع من التقارب في وجهات النظر.
ليست هذه الطريقة سوى أحد وجهي "عملة" السياسة الروسية. الوجه الآخر ان موسكو تعدل مواقفها عبر قراءة واقعية للأحداث والمواقف. و من ذلك كما هو واضح حتى الآن، ان موسكو تقترب كثيراً لتتقاطع وتتقارب مع الرياض والقاهرة، ولم تعد "أسيرة" لمواقف سابقة تقوم على قاعدة الوفاء والالتزام بالتحالفات التاريخية ومنها مع دمشق، فهذه القاعدة القديمة تلزم بنصرة "الحليف" ظالماً كان أو مظلوماً. بينما مفردات سياسة المصالح وتنفيذها تفترض ليونة في التعامل مع انفتاح واضح في الحركة وعلى مساحة مفتوحة مع أقل نسبة من الألغام المزروعة.
موسكو المصرّة حالياً على التطبيق الكامل للقرار 1701 في لبنان المتعلق بالسلاح غير الشرعي وأيضاً المهرب عبر الحدود، تبدو منحازة الى الموقف الأوروبي ­ الأميركي ومتقاطعة مع الموقف العربي المتباعد مع دمشق. اعلان هذا الموقف انطلاقاً من حوادث مخيم "عين الحلوة" التي بالكاد شعر بها اللبنانيون رغم مخاطرها المفتوحة، يعني أن موسكو كانت متحفظة حتى الآن خصوصاً ما يتعلق بلبنان تقديراً منها لحساسية موقف دمشق من هذا الملف. أكثر من ذلك ان موسكو التي تعرف أكثر من غيرها أهمية المواعيد ودقتها، تعمدت اعلان هذا الموقف في الساعات الأخيرة لانعقاد القمة العربية في دمشق، حتى يكون صدى هذا الموقف مسموعاً لكل العرب.
انقلاب أم تطور؟
هل يعني كل هذا ان انقلاباً قد حصل في الموقف الروسي؟ لا يجب الذهاب بعيداً في ذلك. موسكو تعرف جيداً "ان الوضع غير مستقر في منطقة الشرق الأوسط، وأن الأمور قد تنقلب رأساً على عقب في لحظات معدودة". لذلك لا يمكن ان تبني مواقف انقلابية على وضع قابل للانقلاب. موسكو تريد العودة الى الشرق الأوسط، دون أن يعني ذلك الدخول في "حرب باردة" مع الغرب وتحديداً واشنطن، لأنه لا داعي لتلك "الحرب" وهي التي لم تنته بعد من مداواة جراح "الحرب" الماضية، ولأنها أيضاً لا تملك القدرات الكافية للتعامل مع مثل هذه الحالة وهي التي ابتعدت طويلاً عن المنطقة وبما يكفي لأن تسيل الكثير من المياه تحت جسورها.
أمام هذه القناعة، موسكو تتخذ مواقف دقيقة منسجمة مع تطلعاتها وقدراتها، بحيث تكسب سياسياً واقتصادياً (خصوصاً في مجالي العودة الى سوق السلاح الواعد والقفز الى سوق بناء المفاعلات النووية الذي بلا شك هي حقول الذهب للقرن الحالي). هذه "الخريطة" للموقف الروسي، تعني انها وهي تتفاهم مع واشنطن على صيغة ما حول "الدرع الصاروخي"، تبدو مستعدة للتعاون معها على الصعيد الدولي بحيث لا ينفجر الموقف في منطقة البلقان بسبب كوسفو ولا في منطقة القوقاز بسبب جورجيا وابخازيا.
هذا التعاون لا بد ان تظهر مفاعيله في مجلس الأمن، ولذلك اذا ما توجه المجتمع الدولي وخصوصاً واشنطن وباريس وبمساندة أو على الأقل بموافقة عربية ضمنية نحو صياغة قرار دولي يتعلق بلبنان وأزمته، فارضاً قيوداً او عقوبات على دمشق فإن موسكو تبدو مستعدة هذه المرة للذهاب بعيداً في ذلك. ومن الطبيعي أيضاً أن لا تعارض أو تعرقل مسار تشكيل المحكمة الدولية المتعلقة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، والتي أصبح من المؤكد ان الاسراع في اجراءات تشكيلها قد اتخذ دولياً لمواجهة اصرار دمشق على "سلوكها" في الأزمة اللبنانية وغيرها.
العالم كله استوعب وتقبّل حتى لو من البعض على مضض بالمتغيرات التي تجتاحه فارضة قواعد جديدة في التعامل والتفاهم، الا دمشق فإنها مستمرة في رهاناتها على الوقت وعلى احداث تغييرات انقلابية دون أي حساب للخسائر الناتجة. المأساة أن آثار الخسائر المفاجئة تكون أقسى بكثير من المتوقعة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00