النتائج "الكارثية" لأيّ حرب مستقبلية بين إسرائيل و"حزب الله" وحده أو مع سوريا وإيران، تثير الارتياح وحتى الغبطة لدى غالبية العرب. أخيراً ستذوق إسرائيل بعض ما ذاقه ويذوقه العرب، وخصوصاً الفلسطينيين واللبنانيين وقبلهم المصريين والسوريين منذ ستين عاماً. لعل في هذا "القصاص" ما يدفع الإسرائيليين إلى مراجعة تضعهم على مسار البحث عن حل شامل على قاعدة "الأرض مقابل السلام".
التقرير الذي وضعته "هيئة اقتصاد الطوارئ" الحكومية في إسرائيل على خلفية الدروس المستفادة من حرب 2006، ذكر أنها ستشهد "سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى وزخات مكثفة من الصواريخ قد يصل بعضها إلى النقب حيث يوجد مفاعل ديمونا النووي، وشلل مطار بن غوريون وانقطاع التيار الكهربائي لساعات وتوقف إمدادات الكهرباء، وربع مليون مهجر ومئة الف مغادر إلى الخارج".
"صلعة الجار"!
هذه "الغبطة" العربية التي تكاد تصل إلى حالة من الفرح لدى متابعة طريقة نشر التقرير عربياً، تكاد تكون على غرار المثل الشعبي الذي يقول "إن الجار يفرح بأن جاره أصيب بالصلع متناسياً صلعته". السؤال هنا طالما انه لا توجد مراكز دراسات حكومية تقدم مثل هذه الدراسات التي يجب ان ينتج عنها معالجة كل الاحتمالات تحضيراً منها للمجتمع المدني لمواجهة كل هذه الاستحقاقات والأخطار الناجمة عنها، فذلك يعني أن المواطن العادي يجهل ما سينتج عن هذه الحرب، ولا يعلم من استعدادات لمواجهتها سوى ما يسمعه على الصعيد العسكري. وفي ظلّ هذا "العمى" فإنه يمكن طرح سؤال واقعي جداً: ماذا عن الخسائر المتوقعة خصوصاً على صعيد "الساحة اللبنانية" ومن ثم سوريا وإيران تبعاً لضيق دائرة الحرب أو اتساعها؟ وهل ستكون النتائج كارثية؟ وما هي النتائج السياسية المتوقعة؟.
بداية فإن أي حرب ستقع مع إسرائيل، لن تكون حرباً خاطفة، فقد انتهى زمن الحروب الخاطفة والدليل ما حصل في حرب تموز 2006، وإذا كانت إسرائيل ستضع كل ثقلها العسكري لتقصير فترة الحرب إلى أقصى مدى ممكن، فإن من مصلحة "حزب الله" ومعه سوريا وإيران إطالتها إلى أقصى مدى لأن كل يوم اضافي من المواجهة يعني يوماً من الصمود الذي يمكن تسجيله في خانة "الانتصار الإلهي". كل هذا يعني أن أي حرب ستقع لن تكون حرباً من عدة أيام وإنما من عدة أسابيع.
السيناريو المتوقع لأي حرب ستنشب مهما كانت أسبابها هو "السيناريو المتدحرج" الذي تتعدد مفاعيله ونتائجه تبعاً دوائر الحرب المشتعلة. فإذا تم حصر الحرب "بضربات موضعية" سواء كانت في لبنان وحده أو معه سوريا وأخيراً ربما إيران، فإن النتائج ستبقى "محدودة"، لكن لا أحد يضمن وضع سقف لأي مواجهة. مثل هذه المواجهات تبدأ "موضعية" كما حصل في عملية 12 تموز 2006 لتفتح "أبواب الجحيم" أمامها كما حصل في الحرب التي استمرت 33 يوماً.
جبهة واحدة أم جبهات؟
إذا وقعت الحرب الشاملة بين إسرائيل ولبنان، وبقيت سوريا "دولة الامداد والدعم والمساندة"، فإن الهجوم المتوقع سيكون جوياً بالعديد من الأسراب ومعنى ذلك ان التدمير سيكون مضاعفاً عدة مرات وضمن شعاع يمتد من الجنوب الى الشمال مروراً بيروت وليس الضاحية وحدها. وهذا الهجوم الجوي سيكون متكاملاً بسلاح المدرعات وليس للاسناد فقط بعدما ثبت ان الطيران لا يحقق الانتصار. وترجمة ذلك ان الهجوم البري لن يكون بعشرات الدبابات وإنما بعدة ألوية مدرعة بهدف تحقيق اختراق عميق وواسع يطال البقاع الغربي وإقليم التفاح، مع ما يعني ذلك من دمار وخسائر والأخطر وقوع عمليات تهجير بمئات الألوف في العراء، خصوصاً أنه لن تكون مدينة واحدة بما فيها بيروت محيّدة في حال قصفت تل أبيب وغيرها من المدن الاسرائيلية، وللأسف فإن كل جهود البناء السابقة من مطار ومرفأ واهراءات وجسور قد تدمر في الأيام الأولى للحرب.
أما اذا انضمت دمشق الى الحرب وأصبح التعامل بالصواريخ من جميع الأنواع والقياسات فإن الدمار سيصبح منهجيا وللأسف فإن الشعب السوري الذي لم يعتد القصف الشامل ولا جرى تأهليه لمواجهة مثل هذه الحرب، ستكون آلامه أعمق وأقسى. فالحرب ثقافة وعادة قبل ان تكون قراراً من فوق. ولا شك ان الدمار داخل سوريا سيكون أيضاً ضخماً خصوصاً على صعيد البنى التحتية، هذا عدا الخسائر البشرية، المهم بقاء النظام واقفاً لأن ذلك سيعني الانتصار كما حصل سابقاً.
أما في حال انضمت ايران الى مثل هذه الحرب فقصفت بالصواريخ والطيران اسرائيل، فإن ذلك قد يعني دخول الولايات المتحدة الأميركية على خط المواجهة لتصبح الحرب الاقليمية حرباً دولية لتكون الخسائر عند ذلك "كارثية" في المنطقة على جميع الصعد من حاضر ومستقبل بعيد، ومن بشر وحجر واقتصاد.
نتائج هذه الحرب ستكون تبعاً لطبيعة الانتصار أو الهزيمة، مع العلم بأن المقاييس مختلفة كثيراً عن المقاييس المعروفة للحروب السابقة خصوصاً وأن اسرائيل الداخل ستتوجع هذه المرة. النتيجة الوحيدة التي يمكن توقعها جدياً هي: ان بداية ملامح لخريطة استراتيجية جديدة للمنطقة ستتشكل، وأن هذه الخطوط ستكون مع بداية تسلّم الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأميركية ونهجه السياسي وطموحاته، فإذا كان الألم الاسرائيلي واسعاً وعميقاً، لا بد ان تضطر للدخول جدياً لأول مرة تجربة العمل على صياغة حل سياسي عبر مفاوضات حقيقية وفعلية مع التشديد على الالتزام بتنفيذ كل الالتزامات والتعهدات. واذا كانت هذه الالتزامات مع "سوريا المحاربة"، فإن التفاوض سيكون على "حزب الله" ضمن "السلة" السورية، خصوصاً وأن دمشق ستطالب باستعادة دور "الضامن الأمني" للبنان وفي لبنان مقابل ذلك، وبذلك فإن اللبنانيين سيدفعون الثمن غالياً في الحرب والسلام معاً.
ومن الطبيعي أيضاً طرح سؤال خارج من هذا الاحتمال كيف سيتعامل "حزب الله" مع الداخل اللبناني؟، هل سيقف مع المعارضة من جديد مطالباً بسقوط رئيس الوزراء من ساحة رياض الصلح سواء كان "المخيم" قائماً أم جرت استعادة اقامة خيمه بسرعة؟، وهل سيتحمل لبنان مثل هذه التجربة وهو مدمر تقريباً؟ أم أن "الحزب" الذي قاتل ضد اسرائيل سيرتد هذه المرة بسرعة الى الداخل ليضع يده على السلطة ليكون له مكان في التفاوض بدلاً من أن تنفرد دمشق بالتمثيل والتفاوض ليكون "كبش فداء" للتسوية خصوصاً وأن ايران ستكون اما بعيدة بسبب وضع دمشق واما غارقة في "جراحها"؟.
لا أحد بمن فيهم "حزب الله" يريد تحقيق أي جزء من هذا "السيناريو المتدحرج"، لكن بعيداً عن عدم استعداد الجبهات الداخلية لمواجهة الحرب نفسها ونتائجها، أليس من الضروري والواجب والطبيعي الى جانب رفض الحرب وتطمين اللبنانيين الى عدم وقوعها، أن يتم نزع فتيل قنبلة "الحرب الباردة" المستمرة منذ أكثر من 15 شهراً، وأن تتم المسارعة لاخراج لبنان عن حافة الهاوية، خصوصاً وأن كل الاشارات الصادرة بعد "القمة المقعدة" تفيد بوقوع اضطرابات أمنية تبدأ من تفجيرات محدودة واغتيالات وصولاً الى تفجير واسع يبدأ مثلاً من مخيم "عين الحلوة"، طالما أن "القمة المقعدة" كانت قمة "غزة" ومحرقتها فقط؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.