8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تحصين "اليونيفيل" بالتشديد على تنفيذ الـ1701 بانتظار "طبخ" مبادرة عربية ـ دولية فاعلة

طالت المرحلة الانتقالية لـ"الساركوزية". همومها واهتماماتها أصبحت "أكثر فرنسية وأكثر تعقيداً". الحيرة كبيرة وعميقة جداً. كل الأفكار والمبادرات المطروحة تتضمن المتناقضات. إحداث التغيير المطلوب والموعود من جهة، وإيقاف تدحرج "كرة الثلج" لشعبية ساركوزي من جهة أخرى، وتوفير سبعة مليارات يورو من الميزانية العامة بقرارات "جراحية" من دون ان يتجاوز "الألم" الخط الشعبي الأحمر، والعودة عسكرياً إلى "الحلف الأطلسي" بكل ما يقتضي ذلك من التزامات عسكرية من دون خسارة فرنسا مزيداً من استقلاليتها التي خسرت نقاطاً بعد الالتحاق تقريباً بواشنطن، وإرسال الجنود الألف إلى أفغانستان مع الخوف من الغد إذا ما وصلت جثث للجنود الفرنسيين، خصوصاً وأن الوعد هو بإرسالهم إلى جنوب أفغانستان الذي قيل فيه "للجحيم اسم هو قندهار"، كل ذلك يجعل من ملاحقة باريس "الساركوزية" لأي ملف آخر نوعاً من العبء الإضافي الذي يشبه النقطة التي يطفح الكأس بها.
أمن لبنان الحساس
عندما تتحدث باريس عن "التعب" من الملف اللبناني، فإن في ذلك الكثير من الشفافية والمصداقية. باريس تتابع الملف اللبناني منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكأنه ملف فرنسي مئة بالمئة، لا بل كأنه ملف أساسي من أمنها القومي. وهي رغم هذه المتابعة التي أرساها الرئيس السابق جاك شيراك وتابعها نيكولا ساركوزي الرئيس الحالي بأسلوب جديد ناتج عن طريقته في التعامل مع الملفات والأحداث، فإنها لم تحقق أي نجاح، لا بل ان القلق يتزايد يومياً في باريس على لبنان ومستقبله.
باريس ترى "أن فترة الفراغ الدستوري قد طالت كثيراً. والأصعب، وربما الأخطر، ان هذه الفترة مرشحة لأن تطول أكثر، وأن أي خطأ في الحسابات، أو أي خطوة غير محسوبة جيداً، أو حتى أي حدث مفاجئ، قد يسقط هذه "الهدنة" غير المعلنة لينتقل لبنان من هذه الحالة إلى حالة الفوضى الدامية". مثل هذا الاحتمال هو الذي يقلق باريس.
طبعاً هذا القلق المبرر، كان يمكن أن يغرق في "بحر" المشاكل الفرنسية الداخلية. فالعلاقات التاريخية والثقافية تشفع لاهتمام فرنسا بلبنان. لكن أكثر ما يدفع لمزيد من الاهتمام والمتابعة واستمرار العمل لخروج لبنان من أزمته، أن أمن لبنان جزء من أمن حوض البحر المتوسط، مما يعني انه جزء من أمنها القومي من جهة، وأن وجود حوالي ألفين من الجنود الفرنسيين ضمن قوات الأمم المتحدة "اليونيفيل" إلى جانب القوات الاسبانية والايطالية الأوروبية يرفع من وتيرة هذا الاهتمام والقلق. باريس تخشى من أي انزلاق نحو الفوضى والعنف في لبنان على مستقبل جنودها ورفاقهم الأوروبيين.
مشكلة فرنسا مثل باقي الدول التي تتعامل يومياً مع الملف اللبناني على غرار واشنطن وحتى بعض الدول العربية، باريس تعرف طبيعة "الداء" الذي يضرب لبنان، وتدرك جيداً نوعية "الدواء" ومصدره، وفي الوقت نفسه تسلم بعجزها عن صياغة المعادلة التي تنتج المعادلة الضرورية للحلّ. المشكلة كما ترى باريس "أن دمشق هي الداء والدواء معاً، معها الثمن باهظ جداً وبدونها الشفاء مستحيل، خصوصاً أن لا أحد بما فيها باريس يريد أو يطالب بأكثر من أن تحسن دمشق سلوكها". وطالما استمرت دمشق ضامنة لهذا النهج في التعامل معها فإنها لن تغير سلوكها المنتج لها أكثر بكثير من كل العروض التي قدمت لها حتى الآن.
"المطبخ" الفرنسي وتعدّد "الطباخين"
أمام هذه "العقدة"، يبدو أن باريس ما زالت تتداول العديد من الأفكار. و"المطبخ" السياسي الفرنسي، غني جداً بكل اللوازم الضرورية لطبخ هذه "الأفكار" وتحويلها إلى مبادرة. رغم ذلك فإن الأمر أكثر صعوبة مما يعتقد لأن "الطباخين" عديدون ويجب أخذ آرائهم ومواقفهم بالاعتبار. ولعل أكثر ما يعني باريس حالياً هو أن لا تبدو وهي تتحرك مستعدة للتسليم "بوفاة" المبادرة العربية، أو حتى انها ترغب "بموت رحيم" لها، لما في الأمر من حساسية على تعاونها مع "الطباخ" العربي وهو اليوم الرياض والقاهرة معاً. لذلك تفضل باريس، فعلاً لا قولاً، ان يكون أي قرار يتعلق بالمبادرة العربية سواء في اعلان وفاتها أو في إعادة إحيائها بمبادرة عربية قراراً عربياً، تتحرك باريس على ضوئه ودائماً بما ينسجم مع مساره.
من الآن وحتى يتبلور الموقف عربياً ودولياً، فإن باريس تلاحق أمراً أساسياً في الملف اللبناني وهو المحافظة على وجود قوات اليونيفيل في لبنان والعمل على صيانتها منعاً لحصول أي شرخ يؤدي إلى انسحاب أي دولة منها خصوصاً وأن اسبانيا تبدو على جاهزية تامة للخروج من اليونيفيل لدى حصول أي حادث أو تطور مفاجئ ترى انه يشكل سبباً لتنفيذ ما تضمره. باريس تعرف ايضاً ان انسحاب القوات الاسبانية سيشجع دولاً أخرى لتنفيذ خطوة مشابهة مما يعني حصول "زلزال" يعرض الاستقرار والهدوء في جنوب لبنان للخطر.
أمام هذا الاحتمال وجدّيته، تريد باريس وبالتضامن مع واشنطن وبالاتفاق مع موسكو التي تشهد علاقاتها معها تحسناً مطرداً، إقرار بيان رئاسي في الأمم المتحدة يتعلق بالقرار 1701 وتنفيذه، وأن يكون هذا القرار متوازناً أولاً، وأن يشكل "رسالة" واضحة المضمون لكلّ من طهران ودمشق بوجوب الانتباه لمضمون القرار 1701 خصوصاً بما يتعلق بتسريب السلاح إلى جنوب لبنان.
طبعاً باريس تدرك أن مراهنة دمشق وطهران على الوقت، سيجعلهما يتفهمان مضمون "البيان الرئاسي"، خصوصاً وأنهما لا تريدان حالياً أي اشتباك ونهاية رئاسة جورج بوش على الأبواب. لكن على الأقل فإن "الرسالة" تشكل بنداً أساسياً للقيام بأي خطوة ينتج عنها أي قرار مستقبلي يستند إلى المادة الأربعين الواقعة تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
كما يطالب الرئيس نيكولا ساركوزي الفرنسيين بمزيد من الصبر حتى تتبلور خطته للتغيير ويبدأ في تنفيذها وتظهر مفاعيلها، فإن باريس ترغب بأن يعم الصبر جميع الأطراف الداخلية اللبنانية والخارجية المعنية بلبنان. المشكلة أيضاً انه ما زال أمام ساركوزي أكثر من أربع سنوات، في حين أن لبنان بدأ يقترب من الدقيقة الستين من الساعة الرابعة والعشرين لقدرته وقدراته على الصبر.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00