8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

فرنسا التي تجدّد قانونها الانتخابي بالتوافق مع الحركة السكانية تستغرب عودة لبنان إلى الوراء

باريس مقتنعة جداً بأن الجلسة الثامنة عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ستكون حلقة إضافية من مسلسل طويل بلا مفاجآت، حيث النهاية معروفة سلفاً، واستمرار الفشل يتطلب تركها مفتوحة على الأمل بالخلاص. بعيداً عن الصداقة القديمة والود المعلن بين الرئيس نبيه بري ووزير خارجية فرنسا برنار كوشنير، فإن استمرار اقفال مجلس النواب "يثير انزعاج باريس ويقلقها بقدر ما يغضبها"، ذلك ان استمرار عدم انتخاب رئيس للجمهورية يعني استمرار الفراغ الذي يضع لبنان في مواجهة يومية مع الخطر، فالنجاح في التعايش مع الفراغ وتنظيمه لا يعني مطلقاً الخلاص ولا النجاة من خطر الانزلاق نحو الاحتكاكات فاشتعال الطرق والأزقة وتحولها إلى خطوط تماس، أين منها خطوط الحروب الماضية التي بدأت في 13 نيسان 1975.
تشابك الداخل بالخارج
طبعاً، اذا كانت الأسباب الخارجية وخصوصاً مع وجود دمشق التي تلعب دوراً أساسياً في نشر "الداء" وتقدم نفسها للآخرين رغم "التواضع الذي تبديه" بأنها تمتلك تركيبة "الدواء" الذي يجب أن يُدفع "ثمنه" مسبقاً، فإن ذلك لا يعفي برأي باريس الفرقاء اللبنانيين من المسؤولية، فالتداخل الواسع والعميق بين الداخل والخارج في لبنان قديم جداً وليس "ابن ساعته".
ومن ذلك أن هذا التداخل ينتج عنه حكماً عملية استقواء متداخلة من جميع القوى ضد بعضها البعض، وما لم تحصل عملية "فض اشتباك بين هذا الداخل والاستقواء بالخارج، فإن جزءاً أساسياً من الأزمة سيستمر".
تعترف أوساط فرنسية بأن هذا الغضب الذي يرافقه القلق كان يمكن التعامل معه وتحويله إلى تحرك اضافي فاعل للمساهمة في صياغة الحل وتنفيذه، لكن كون باريس ـ الساركوزية قد وضعت نفسها على خط يكاد يصل إلى الوحدة في المسار والمصير مع واشنطن ـ البوشية حالياً، وغداً مع واشنطن ـ ماكين (حيث يبدو الرئيس نيكولا ساركوزي مقتنعاً بنجاح ماكين في الانتخابات الرئاسية المقبلة وأنه سيكون رئيساً جيداً بعدما التقاه في الإليزيه)، فإن حركة باريس أصبحت مقيدة أكثر من السابق، إذ على باريس الأخذ في الاعتبار وجهة المسار الأميركي لكي تبني على أساسه وجهتها، رغم كل النفي الصادر من هنا وهناك من مواقع القرار.
أمام هذه الحالة الجديدة من تاريخ "الجمهورية الخامسة" في فرنسا، فإن باريس مضطرة للتنسيق مع واشنطن بما يخص لبنان ولا يمكن حالياً وحتى الربيع من العام 2009 الإقدام على مبادرة دون التوافق عليها مسبقاً. وهذا كله يعزز "حالة الانتظار" التي تنفيها دمشق، ربما وقوع حادث أمني سواء كان اغتيالاً أو تفجيراً في الشارع، قد يدفع باتجاه تحرك طارئ لا يمكن تحديد نتائجه سواء إذا كان أوروبياً أو في مجلس الأمن.
في محطة الانتظار هذه، تراقب باريس التحرك الروسي باتجاه عقد مؤتمر في موسكو يكون الثاني من نوع أنابوليس الأول المهدد من غزة بإعلان وفاته عملياً. ومما يساهم في هذه العملية ان العلاقات الفرنسية ـ الروسية "أصبحت قوية وحقيقية"، وهي تزداد تقارباً خصوصاً وأن الامدادات الفرنسية لقواتها العاملة في أفغانستان والتي سيصل تعدادها إلى أكثر من 3200 جندي، يتم حالياً بالتنسيق مع موسكو عبر الخطوط اللوجستية الضرورية لهذه العملية. ولذلك رغم كل محاولات كوشنير تغليف رفض باريس ومعها أوروبا لانضمام جورجيا وأوكرانيا للحلف الأطلسي كما كانت تريد واشنطن، بالتأكيد على ديمومة الاستقلالية الفرنسية والأوروبية عن واشنطن، فإن الأساس هو توجيه "رسالة صداقة وتفهم فرنسية وأوروبية لموسكو ولضروراتها الاستراتيجية".
المناقشة "والقنص"
فرنسا المتابعة للشأن اللبناني في أدق تفاصيله، تبدي أيضاً "الغبطة" من هذه الحيوية اللبنانية في الطروحات السياسية رغم ان الكثير منها "تعطيلي" بدلاً من أن يكون "مسهلاً" للحل. ومن ذلك ان النقاش حول قانون الانتخابات التشريعية مهم جداً، ولكن أن تنحصر هذه المناقشة في عملية "قنص" واضحة للفوز بمقاعد إضافية في مجلس النواب يبدو أمراً غير صحي وغير منتج.
من الطبيعي، أن تتم مناقشة قانون انتخابات جديد، خصوصاً وأن قانون الألفين لم يكن قانوناً لبنانياً وإنما كان "صناعة دمشقية". ما يثير عجب واستعجاب باريس ان تتم العودة إلى قانون عمره حوالي نصف قرن مع العلم ان لبنان تغير كثيراً في هذه الفترة، وهو ما يحصل في كل دول العالم، فالتركيبة الديموغرافية للدولة وللمناطق والمقاطعات لا يمكن ان تستمر على حالها طوال عقد، فكيف لحوالي خمسة عقود؟. باريس نفسها تستعد لمراجعة تقطيعات وتوزيعات قانون الانتخابات الذي مضى عليه خمسة عشر عاماً، بما يتناسب مع حركة السكان، مع اضافة قليل من "ملح" الحزب الحاكم بما يتناسب مع مصالحه الانتخابية هنا وهناك ودائماً بشكل محدود.
لذلك، اذا كان القضاء هو الحل كما جاء في قانون العام 1960، فإن ذلك يتطلب أيضاً كما تفعل باريس الأخذ في الاعتبار التحولات السكانية حتى داخل كل مدينة على حدة، بما ينتج توازناً معقولاً ومقبولاً.
أطرف وأغرب ما يسمعه أي لبناني في باريس، تذكيره بالثالث عشر من نيسان. وما يحمله من مآس ودروس يجب أخذها في الاعتبار، إذ لا يكفي ان تكون القوى المتواجهة داخلياً أو خارجياً لا تريد الانزلاق نحو الحرب حتى لا تقع الحرب، فالنار قريبة بشكل غير مقبول من برميل البارود، وما لم تعمد الأطراف المعنية وخصوصاً "حزب الله" الذي يكرر دائماً انه سيكون "الخاسر الكبير" من مثل هذه الحرب لأنه سيخسر "هوية بندقيته"، فإن الخطر سيبقى، ليكون كل يوم جديد يعيش فيه اللبنانيون على وقع اقتراب "البوسطة" من الموت.
في هذه اللحظة، لا يعود أي معنى للمواقف السابقة ومن الممكن أن تغير كل قوة "خطابها" بما يتناسب مع وجودها في "قلب النار"، إلى درجة تعليل انخراطها في الحرب دفاعاً عن وجود جماهيرها أو عملياً طائفتها "لخطر التصفية أو التهجير"، فرواية "السفن" القادمة يمكن تجديدها لأنها ليست أكثر من وسيلة نقل.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00