وسط زوابع وأعاصير السيناريوات للحرب المحتملة بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران، وما قد يجر ذلك إلى حرب إقليمية يشارك فيها كل من "حزب الله" وسوريا وحركتي "حماس" و"الجهاد"، يعلن الرئيس جورج بوش "انه لن يقدم على عمل عسكري تجاه إيران في الفترة المتبقية من ولايته" وانه بالتالي "سيقدم إلى خلفه نصائح حول كيفية إدارته للبلد".
هذا التأكيد الرئاسي، يضع نقطة نهاية لفصل طويل من "الرقص" فوق "صفيح ساخن" في منطقة الشرق الأوسط، لكنه في الوقت نفسه، يؤسس لفصل جديد كل شيء فيه ممكن من الحرب إلى السلام. وأهم ما فيه أن اللعب ضد الوقت كما حصل خلال العام الأخير من ولاية بوش ليس ممكناً لأن أمام الرئيس الجديد سنوات أربع طويلة جداً للتحرك ولاتخاذ القرارات دون القلق من الغد.
ماكين الخلف المتشدّد
جورج بوش يبدو مطمئناً إلى أن خلفه سيكون "جمهورياً" وبالتحديد جون ماكين، وهو يبدو سعيداً بأن خلفه لن يكون أقل تشدّداً منه رغم أن تشدّد ماكين ليس "محافظاً دينياً" وانما هو نابع من التشدّد القومي الخارج من قلب العائلات الأولى التي جاءت إلى الولايات المتحدة الأميركية وانخرطت في المؤسسة العسكرية. جون ماكين ـ وهذا ما يجب التذكير به هو من الجيل الثالث لعائلة عسكرية وان ابنه أي الجيل الرابع عسكري خدم في العراق ـ قد لا ينجح رهان بوش على هوية خليفته (رغم ان احتمال خسارته حتى الآن ضئيل جداً) المهم أن بوش رأى انه لا ضرورة لإشعال حرب ضد الإيرانيين وقذف "كرة النار" في أحضان خلفه إذ تكفي "كرة العراق" للحديث عن رئاسته، هذا إذا لم يضف اليها "الجحيم الافغاني" المتنامي.
حتى هذا لا يكفي لكي يضع بوش نقطة نهاية لسيناريو الحرب مع إيران ـ لا بد أن تكون مفاوضات ما قد جرت وهي جرت فعلاً، أدت أو انتجت هذه القناعة.
ليس أمراً مفاجئاً القول بأن مفاوضات سرية بين واشنطن وطهران تجري منذ فترة طويلة عبر جنيف ونيويورك حيث مقر الأمم المتحدة، وبالواسطة عبر البعثات الديبلوماسية الصديقة، وأيضاً وهو مهم جداً، في اللجان الأمنية حول العراق. واللقاء الأخير في دمشق، حيث لكل كلمة وزنها، وكل إشارة ترسم مساراً جديداً، وقريباً في الكويت في إطار مؤتمر الجوار للعراق.
وما كشف عن مفاوضات سرية حول الملف النووي الإيراني بين واشنطن وطهران، في ظل تزايد التصريحات الإسرائيلية ـ الأميركية عن تشكيل ما يشبه غرفة أركان خاصة للتعامل مع الملف النووي الإيراني يؤكد أن قمة جبل الجليد الطافية لا توحي فعلاً بحجم هذا الجبل الغارق تحت الماء.
لا تجديد لنجاد
طبعاً هذا الكلام الهادئ، قد لا يدفع البعض إلى تصديقه، لا بل أن هذا البعض سيجد فيه وحتى في كلام بوش قنابل دخانية لحجب الهجوم العسكري الوشيك الذي يحضره الجيش الأميركي (رغم ان ضباطاً كبارا عارضوا علناً مثل هذه الحرب) فالحرب خدعة، وبوش يساهم بهذه الخدعة، مع العلم أن ذلك يفيد لو أن الحرب المتوقعة ستكون خاطفة وحاسمة.
من الضروري جداً ايضاً، الالتفات الى "النوافذ الخلفية" للمفاوضات السرية، في مثل هذه الحالة. ومن ذلك ان باريس الاكثر التصاقاً بالموقف الاميركي المتشدد من طهران ومن الملف النووي، كانت تستقبل (اثناء المؤتمر الصحافي الشهري لوزير الخارجية برنار كوشنير الذي هدد بمزيد من العقوبات ضد ايران،) رئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف، بحفاوة تتجاوز في رأي العارفين بالبروتوكول الفرنسي موقعه الرسمي، ولا شك في ان هذا التكريم هو نوع من التوظيف الاستثماري في المستقبل.
قاليباف المرشح السابق لرئاسة الجمهورية ضد احمدي نجاد هو الذي فاز في الانتخابات التشريعية الاخيرة وحصل مع تياره على اكبر كتلة نيابية تصل الى ستين نائباً حتى قبل اجراء الدورة الثانية. وانه بذلك يكاد يكون مع علي لاريجاني "اقوى الضعفاء" في البرلمان الجديد، بعد ان تشتتت القوى السياسية على كتل صغيرة مثل احمدي نجاد الذي لا تتجاوز كتلته 45 نائباً، وليتحول "مرشد الثورة" آية الله علي خامنئي الى "سيد" اللعبة القوي الذي يمكنه توجيه القوى نحو المسارات التي يختارها من دون عناء. الى جانب ذلك فان قاليباف يبدو وكما يقدم نفسه الخلف للرئيس احمدي نجاد. وعلى هذا الاساس اهتمت به باريس وخصوصاً ان قرار الحرب والسلام قد تأجل الى العام المقبل حيث سيتسلم الرئيس الاميركي المنتخب الادارة الجديدة، وللصدفة فان الانتخابات الرئاسية في ايران ستجري في آذار من العام المقبل. ورغم ان "المرشد" هو الذي ستكون له الكلمة الفصل، فان عدم التجديد لاحمدي نجاد يشكل "رسالة" مهمة للادارة الاميركية الجديدة ومنها اوروبا لا يمكن تجاهلها.
فرح اللبنانيين
سؤال جدي وضروري، هل يجب ان يفرح اللبنانيون لابتعاد شبح الحرب عن المنطقة؟.
الجواب السريع، نعم ولا. نعم لان الارض لن تزلزل من جديد، ولن يعيش اللبنانيون حالة جديدة للتهجير والدمار والمعاناة الدامية. ولا لان معنى ذلك تأجيل الازمة حتى ربيع العام 2009 على الاقل. فالقرارات اصبحت مؤجلة ومختلف القوى الخارجية دون الحديث عن الداخلية سواء كانت تريد ذلك او انها مضطرة، عليها التعامل مع هذا التأجيل ونتائجه، ولا شك في ان النتيجة المباشرة ستكون "المراوحة" التامة للأزمة، بحيث لا يقع الانفجار ولا يأتي الحل. كأن قدر لبنان ان يبقى معلقاً، ممنوعاً عليه العيش كما يستحق، وممنوعاً عليه الموت لان موته سيطيح عددا لا يستهان به من الاقارب والعقارب في وقت واحد. ولذلك كله فانه اذا لم ينزلق لبنان نحو اتون الحرب الاهلية، فان ذلك لن يحصنه امام محاولات التفجير المحدودة التي تتضمن الاغتيالات وافتعال احراق الشوارع والازقة تحت عناوين مختلفة.
سؤال اضافي ملحّ، اليس من الافضل للبنان واللبنانيين تنفيذ سياسة معاكسة لعملية "شراء الوقت" التي نجحت طهران ودمشق في تنفيذها، اي الإقدام على نصف خطوة لا تنهي الفراغ الحالي وانما ترك الوضع مفتوحاً على المفاوضات المقبلة التي ستكون طويلة ومليئة بالكمائن والالغام؟ نصف الخطوة هذه في انتخاب رئيس للجمهورية يدير الازمة بانتظار المستقبل الغامض!.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.