لقاء القمة بين الرئيسين الفرنسي نيكولا ساركوزي والمصري حسني مبارك، الاثنين المقبل في باريس، حدث لبناني مئة بالمئة، مثلما أن مؤتمر دول جوار العراق الذي سيعقد الثلاثاء المقبل، هو أيضاً حدث لبناني مهم جداً. الحدثان يؤكدان حقيقة التزاوج الحاصل في الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط إلى درجة استحالة الفصل بينها، لفترة طويلة.
أفكار ومبادرات
مناقشة الأزمة اللبنانية بين الرئيسين ساركوزي ومبارك مهمة وحساسة لأن باريس والقاهرة مهتمتان بلبنان اهتماماً خاصاً مهما تعددت أسبابه والنتيجة واحدة. باريس والقاهرة على افتراق مع دمشق بسبب هذه الأزمة. كلاهما يريد الحل اليوم قبل الغد، لانهما يعلمان أن لبنان "كرة نار" إذا ما تدحرجت، فان احداً في المنطقة وعلى الضفة الشمالية لحوض البحر الابيض المتوسط لن يتمكن من اقفال حدوده امامها.
باريس اعترفت أن مبادرتها بالحوار مع دمشق لحل الأزمة اللبنانية فشلت، وهي سلمت إدارة الحل للعرب بعد أن نجحوا في تقديم مبادرة واضحة النقاط، غامضة الآلية، مما سمح لدمشق وحلفائها من المعارضة اللبنانية في ادخالها غرفة العناية الفائقة. المشكلة ان باريس تعمل على افكار جديدة اساسها وعمادها عمل دولي مشترك، لكنها في الوقت نفسه، لا تريد أن تقدم على أي خطوة قبل ان يعلن العرب "وفاة مبادرتهم" أو إعادة احيائها، بحيث لا تقع المزاحمة أو المنافسة، لانه لا مجال لذلك، طالما ان الهدف واحد وهو انقاذ لبنان.
القاهرة بدورها لا يمكنها التسليم بوفاة المبادرة التي شاركت في "بنائها" وتقديمها، خصوصاً وأن أي إعلان من هذا النوع، سيعني حكماً تدويل الأزمة اللبنانية وانحسار العامل العربي في الحل مع استمرار العامل العربي الآخر في ممارسة التأزيم واللعب على الوقت.
الافكار كثيرة، خصوصاً وأن الحماس العربي ـ الدولي، ما زال موجوداً ومستمراً لاخراج لبنان من أتون الأزمة التي تهدد مستقبله بعد أن أطاحت بحاضره. المهم ان تتحول هذه الافكار إلى مبادرة متكاملة مع آلية قابلة للتنفيذ، لان الآلية كما اثبتت التطورات أساسية للنجاح. وأهم ما يجب أن يكون هو الوضوح الكامل بحيث لا يمكن التلاعب على البنود عبر زرع الغام الأولوية والأفضلية.
نجاد يستثمر تشدده
مؤتمر "دول الجوار للعراق"، الذي سيعقد على مستوى وزراء الخارجية، يبدو وكأنه المكان المناسب والأسرع لدراسة كل الافكار. هذا المؤتمر الذي يجمع مصر والسعودية والأردن وفرنسا وايطاليا وروسيا، وسوريا وإيران من جهة والاتحاد الأوروبي ممثلاً بخافيير سولانا وجامعة الدول العربية ممثلة بأمينها العام عمرو موسى والأمم المتحدة، سيناقش الأزمة اللبنانية يوماً كاملاً بالتوازي مع الأزمة العراقية. السؤال الملح هل تشارك سوريا وإيران في هذه المناقشة المتعلقة بلبنان؟ والأهم هل ستجري دعوتهما إلى هذه المناقشة؟
هذا الاجتماع يعني أن لبنان سيكون في قلب عمل عربي ـ دولي مشترك، لعل هذا التعاون المباشر ينجب حلاً، خصوصاً بعد أن فشلت فرنسا، ولم تنجح المبادرة العربية. الحل هو في مبادرة جامعة مانعة وبالتكافل والتضامن على تنفيذها بين الدول المجتمعة فهل هذا ممكن؟
بالمبدأ نعم. بالفعل كلا. لن يحصل ابداً ان يصل الاتفاق حول مشكلة مثلما هو حاصل بين هذه الدول، بعيداً عن دمشق وطهران سواء شاركتا أم لم تشاركا. وهذا الاتفاق إلى جانب أهمية الدول المشاركة يجب أن ينتج مبادرة حقيقية تكون المبادرة العربية عمودها الفقري. وأن يكون بداية تنفيذها انتخاب الرئيس التوافقي المقبول حالياً من الجميع العماد ميشال سليمان.
لكن الواقع يؤشر إلى انه ما لم توافق دمشق وطهران على الحل فان المبادرة ستبقى حبراً على الورق، وهي ستوضع على الرف قبل ان تدخل غرفة العناية الفائقة. وعملية اخذ موافقة دمشق وطهران مكلفة جداً إذا تم التفاوض معهما حولها، ولا يبدو أن احداً قادر أو يتحمل دفع الثمن المطلوب. وفي حال عدم التفاوض معهما، فان اجبارهما على القبول يبدو مستحيلاً حالياً خصوصاً وانهما ليستا مستعجلتين على الحل لأن معركة شراء الوقت مستمرة.
مفاوضات "السلة" الكاملة
العجز العربي ـ الدولي أمام الموقف السوري ـ الإيراني المشترك، انه لا توجد حالياً "سياسة" في مواجهتهما، لا "سياسة العصا" ولا "سياسة الجزرة". والسبب لهذا العجز معروف جيداً الرئيس جورج بوش يكاد ينهي ولايته وهو غارق في وحول العراق، غير قادر على الانسحاب ولا الاستمرار مع هذه الكلفة العالية دون عائدات ولو معقولة. بهذا فان طهران مطمئنة وتزداد اطمئناناً، خصوصاً وانها تملك الكثير من الأوراق على الأرض. ودمشق ترى ان سياسة الممانعة حالياً لا ترهقها بقدر ما ترهق الآخرين.
ومجرد الكلام عن "سلة" متكاملة يعني أن كل شيء ممكن وقابل للاتفاق، خصوصاً وان الطرفين الإسرائيلي والسوري معاً وكما اعلن ايهود أولمرت بنفسه "يعرفان ماذا يريد كل واحد من الآخر".
الجميع يعرف "ان استمرار المراوحة" قاتل وان الوقت حان لاتخاذ القرارات ومع ذلك فان المراوحة مستمرة.
ما يعزز هذا الموقف، ان الرئيس احمدي نجاد، يجد في تصعيد تشدده تعزيزاً لموقعه، وهو يرى ان انتخاب جون ماكين رئيساً للولايات المتحدة الأميركية سيدفع مراكز القرار في طهران إلى دعم التجديد له لولاية ثانية واستكمالاً لذلك تعزيز مراكز المتشددين في السلطة. ففي مواجهة متشدد مثل ماكين لا حل أمام طهران سوى وضع متشدد مماثله في السلطة حتى ولو ان نهاية مثل هذا المسار، الصدام المحتوم، ما يؤشر إلى ذلك ان طبيعة أي تيار متشدد في السلطة، هو الحصول على كل شيء أو لا شيء له ولخصومه.
اما بالنسبة لدمشق، فان الاطمئنان لعدم تعرضها لأي خطر يهز استقرار النظام فيها، من جهة، وإلى ان أي رئيس سينتخب في واشنطن حتى ولو كان ماكين لن يستطيع الوقوف في وجه إسرائيل الراغبة بالتفاوض معها مباشرة بعد زوال "الحاجز البوشفي" المعارض للتفاوض المباشر مع الرئيس بشار الأسد. ومن الطبيعي ان التفاوض لن يكون على استعادة الجولان فقط وانما على "سلة" كاملة، من بينها لبنان ومستقبل حزب الله وفلسطين ووضع "حماس".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.