لماذا التقى برنار كوشنير وزير الخارجية الفرنسي نظيره السوري وليد المعلم في الكويت على هامش "مؤتمر دول جوار العراق" من جهة ولقاء "أصدقاء لبنان" من جهة أخرى، وما هي الضرورة الملحة اذا كانت موجودة فعلاً، لعقد اللقاء، طالما ان نتيجته معروفة مسبقاً وهي "الفشل" وعدم "اذابة الجليد" وعدم "تغير أي شيء في العلاقات"، وأخيراً وهو الأهم "ان كل طرف يعرف ماذا يريد منه الطرف الآخر والعكس صحيح؟". وهل كانت باريس مضطرة لعقد اللقاء وتحمل المساءلة العربية ـ الدولية حول جدواه، وخصوصاً ان باريس اضاعت الكثير من الوقت الثمين بالمراهنة على اقناع دمشق بالتعاون معها لحل الأزمة اللبنانية.
اختصار هذا اللقاء بأنه ليس أكثر من "قفزة" جديدة "للكوشنيرية" في "الهواء"، أو أنها مجرد مظاهرة سياسية اعلامية تؤكد ان المحاولات ما زالت جارية لاخراج لبنان من منتصف الطريق المسدود سهل جداً، لكنه لن يفسر شيئاً. ما يؤكد ذلك ان كوشنير لم يقم بهذه الخطوة فجأة. الواقع وطبيعة العلاقات بين الوزير الفرنسي ورئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي، وخصوصية عمل الديبلوماسية الفرنسية المرتبطة بالاليزيه لأن السياسة الخارجية لفرنسا تبقى من صلاحيات الرئيس، تفرض تشاوراً وتنسيقاً متكاملاً، بحيث تصب الوقائع والنتائج في "طاحونة" الاليزيه. بهذا كله تكون "القفزة الكوشنيرية" جزءاً من السياسة الساركوزية في منطقة الشرق الأوسط.
قراءتان للقاء
أيضاً لا يمكن أبداً قراءة هذا اللقاء من حيث الشكل والنتائج قراءة احادية، فالواقع وخصوصاً بعد الكلام الكثير الذي رافقه يؤشر الى ضرورة قراءته على وجهين:
الأول ان باريس ـ الساركوزية لم تقطع الأمل بعد من تحول أساسي وعميق في "سلوك" دمشق من الأزمة اللبنانية، ولذلك بدا سقف المطالب الفرنسية خلال اللقاء منخفضاً جداً "لأن كوشنير لم يطلب أكثر من انتخاب المرشح التوافقي للرئاسة أي العماد ميشال سليمان كي تعود العلاقات بين فرنسا وسوريا الى طبيعتها وأكثر".
ان باريس ـ الأطلسية والمتقاطعة الى حد التداخل مع واشنطن، تقوم حالياً وفي ظل دخول الرئيس جورج بوش مرحلة العد العكسي لنهاية ولايته، بدور "المستطلع" الذي لا يتوانى عن القفز الى الخطوط الخلفية للطرف الآخر الخصم أو العدو، والعودة بما حصله لوضعه على طاولة البحث والقرار سواء كان حليفه أو قائده.
ان اجتماع "أصدقاء لبنان" شكل بحد ذاته "رسالة" الى دمشق. و"الرسالة" المقصودة بنودها واضحة وهي ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان فوراً ودائماً استناداً الى المبادرة العربية. وبهذا الصدد، فإن عملية دولية ـ عربية جرت لاعادة احياء المبادرة العربية في وقت وجد فيه المعلم ان ما جرى هو "محاولة فرنسية ـ أميركية لتدويل الوضع في لبنان".
باريس وكما تلاحظ اوساط عديدة، تبدو في هذه الفترة مستعجلة على طريقة "الساركوزية"، لتلقف رئاسة الاتحاد الأوروبي في الأول من تموز المقبل. هذه الرئاسة تبدو مهمة جداً لها لأنها تقع والرئيس الفرنسي في بداية سنته الثانية من ولايته الرئاسية التي يريد من خلالها التعويض عن خسارة سنة كاملة دون نتائج سياسية وخسارته لمزيد من شعبيته. ويبدو أن وقوع هذه الفترة الرئاسية للاتحاد الأوروبي التي تستمر ستة أشهر أي حتى نهاية العام الحالي، في عز الحملة الرئاسية الأميركية حيث لا يعود للبيت الأبيض الكثير من الوقت لفرض سياسات خاصة به اضافة الى ان الجزء الثاني من هذه الرئاسة سيتوافق مع انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية يمنح ساركوزي لقاءه بصفته المزدوجة كرئيس لفرنسا وللاتحاد الأوروبي في وقت واحد. ولذلك كله يريد ساركوزي ان يساهم في وضع "خريطة" مفصلة للوضع السياسي في العالم، وخصوصاً على صعيد منطقة الشرق الأوسط. لذلك من الضروري أن تكون باريس على اتصال مع كل "اللاعبين" في المنطقة، ولذا من المهم أن يقع تغيير أساسي في العلاقات مع لاعب مهم كدمشق يمكن توظيفه أوروبياً ولاحقاً أميركياً، فلماذا لا تحاول باريس ذلك. وإذا كان هذا التصور واقعيا وحقيقيا، فمعنى ذلك ان لقاء الكويت بين الوزيرين الفرنسي والسوري رغم عدم اتفاقهما لن يكون يتيماً.
أمن "اليونيفيل"
ان باريس "القلقة جداً" من تعرض مهمة "اليونيفيل" في لبنان لأخطار محسوبة أو غير محسوبة ومنها أساساً حصول أي اشتباك مع "القاعدة" مباشرة أو أجنحتها خصوصاً بعد دعوة الظواهري "الى طرد قوات اليونيفيل" والقول بأن للبنان "دوراً محورياً في المعارك المقبلة"، ومجرد وقوع أي اعتداء على قوات "اليونيفيل" يعني تعريض وجودها للخطر أولاً، وأن يؤدي حصول أي شرخ فيها اما الى مسارعة بعضها للانسحاب أو في أحسن الأحوال المطالبة (كما تريد روما برلسكوني) تغيير قواعد الاشتباك، مما سيوسع مهامها بطريقة تفتح الباب باتجاه كل المفاجآت. ولذلك، فإن التباحث مع دمشق هو جزء من سياسة دعم الهدنة والتهدئة حتى يدق جرس الحل مع تسلم الادارة الأميركية الجديدة مهماتها.
إن نيكولا ساركوزي يبدو وكأنه جعل من مشروع اقامة "الاتحاد المتوسطي" محوراً لكل سياسته باتجاه المنطقة. ومن أجل ذلك فإن قمة الدول المتشاطئة على حوض البحر المتوسط والدول الأوروبية في 13 تموز، ستشكل مناسبة أساسية لاطلاق "الاتحاد المتوسطي" خصوصاً وأن ساركوزي يعمل وكأن هذا الاتحاد ينتظر فقط اعلانه رسمياً، بعد ان قسمت مقراته، بحيث ان الرئيس حسني مبارك سيرأس مع الجانب الأوروبي أي ساركوزي الاتحاد. والسؤال هنا، كيفية العمل مع دمشق اذا كان الحوار مقطوعاً معها؟. بهذا فإن لقاء الكويت يكون نوعاً من وصل ما انقطع، علماً بأن أي اتحاد متوسطي بدون دمشق وفي ظل أزمة العثور على صيغة لتقبل الدول العربية اسرائيل في قلب هذا الاتحاد تعني ان الاتحاد سيلقى مصير اتفاق برشلونة.
أخيراً لا يجب استبعاد كما ترى بعض الأوساط في باريس، ان يكون الهدف من اللقاء الفرنسي ـ السوري محاولة استطلاعية لردة فعل دمشق اذا قامت القوات الاميركية بعملية قصف جوية محدودة للمراكز العسكرية للتحرك الثوري والنووية، بعد ان سربت الصحافة الفرنسية ان الاليزيه تسلم اخيرا خطة عسكرية اميركية بهذا الخصوص.
كل شيء ممكن في هذه المرحلة حيث كل طرف يعمل على "شراء الوقت" لمصلحته ولمشروعه المستقبلي. المهم انه رغم الاستياء الشديد من دول اصدقاء لبنان لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، فإن لبنان كما يبدو سيستمر بالسباحة في الفراغ بلا رئيس وربما في أواسط الصيف بلا قائد للجيش.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.