8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

رفعت دمشق السرية عن المفاوضات لفتح مسار علاقات جديدة مع الرئيس الأميركي المنتخب

مسار المفاوضات بين دمشق وتل أبيب سالك، لكنه غير آمن. التوصل إلى نهاية سعيدة بين الطرفين غير ممكن حالياً مع وجود الرئيس جورج بوش ومعارضته الحاسمة للمفاوضات أصلاً فكيف بنتائجها. النهاية السيئة المتوجة بالافتراق مرفوضة بدورها، طالما أن الرهان قائم على الدور المقبل للرئيس الأميركي المنتخب. المهم أن تستمر المفاوضات ولو ببطء وعلى مستوى الخبراء وبمساعدة الوسيط التركي.
كشف الرئيس بشار الأسد لمسار المفاوضات القديم ـ المتجدد، هو المفاجأة التي يبحث الكثيرون في عواصم عديدة عن أسبابها. الأسد لم يكن مضطراً بعد أن جرى التكذيب طويلاً حول المفاوضات، وضع مسارها أمام الجميع. لذلك السؤال يبقى لماذا قام الرئيس الأسد بهذه الخطوة الإنقلابية؟
الاحتمالات العديدة للمفاوضات المتجددة
لو كانت المفاوضات قد بدأت قبل أشهر فقط، كان من الممكن الأخذ بالضغوط الأميركية والعربية على الأسد، أو كان يمكن إعادة هذا التطور إلى القلق الذي أحدثته الغارة الإسرائيلية على الهدف العسكري في شمال سوريا سواء كان مقراً للقيادة في زمن الحرب، أو مفاعلاً نووياً قيد الانشاء. لكن التأكيد بأن المفاوضات بدأت في 1/1/2004 بطلب الأسد من رجب أردوغان رئيس الوزراء التركي الحالي بالتوسط مع إسرائيل على أساس استعادة الجولان مقابل السلام يفتح دائرة الاحتمالات على اتجاهات أخرى.
التاريخ المعلن للطلب السوري يؤشر إلى الهدف الحقيقي من "الرسالة" الموجهة إلى إسرائيل. دمشق أرادت تقديم أوراق اعتماد جديدة إلى البيت الأبيض لفتح مسار مباشر بينهما مع مطلع تسلّم جورج بوش ولايته الثانية. في ذلك اليوم، كان بوش قد أصبح رئيساً يملك حرية القرار بعد أن سقط لغز نتائج الانتخابات في الدورة الأولى، ولذلك كان من المهم فتح صفحة جديدة معه ترتكز على رغبة دمشق بالسلام مع إسرائيل.
محاولة دمشق هذه لم تنجح كما يبدو رغم انسحابها من لبنان في نيسان 2005، الموافق مع "التسونامي الشعبي" الذي أحدثه اغتيال الرئيس رفيق الحريري. باعتراف الرئيس الأسد. لم تتطور المباحثات، بل لعلها توقفت، حتى إذا وقعت حرب تموز وقامت دمشق بمدها بكل أسباب الاستمرارية والصمود، عادت فاستثمرت نتائجها بقوة لتدعيم موقفها التفاوضي.
الآن يتكرر العرض السوري العلني. الرئيس الأسد طرح مسألة نجاح المفاوضات في تاريخ جديد يقع "بالصدفة" مع انتخاب رئيس أميركي جديد، يأمل أن يكون المرشح الديموقراطي، الذي يرحب بإعادة الوصل مع دمشق، خصوصاً وأن أحد أبرز المرشحين لتسلم وزارة الخارجية أو حتى للعب دور أساسي في الإدارة المقبلة (إذا كانت ديموقراطية) هو مارتين انديك المشجع والمطالب بفتح الخط بين واشنطن ودمشق أملاً منه بتحقيق السلام السوري ـ الإسرائيلي الذي سيعزز موقع راعيته واشنطن في المنطقة.
السلام بين الأب والإبن
طبعاً، يستطيع الرئيس بشار الأسد أن يواجه الجميع بهذا الخيار على أساس أنه كان "خياراً إستراتيجياً" لوالده الراحل الرئيس حافظ الأسد". رغم صحة هذا التوجه، فانه لا يمكن استثمار الإرث دون الأخذ بالمتغيرات في السوق إذا كان مالياً، وفي العلاقات الدولية إذا كان سياسياً.
الوضع حالياً مختلف جداً. الأسد الاب كان يتحرك بحرية ومقدرة ونجاح على خط الرياض ـ طهران رغم كل الغام الحرب الإيرانية العراقية، وكانت مقدرة الأسد الأب في تحصيل كل استثماراته السياسية من إيران دون أن يغضب الرياض والعواصم العربية. بالعكس جعل من دوره مرجعية سياسية للعرب يطلب منها فيعطى دون تردد. الآن، الأسد الابن ذهب بعيداً في تحالفه مع طهران إلى درجة ان علاقاته معها لم تعد مجرد "زواج متعة ولا حتى زواجاً كاثوليكياً"، لقد تحولت العلاقات إلى علاقة عضوية بين دمشق وطهران، لا يمكن فكها من دون أضرار حقيقية للطرفين وبالتالي من دون حصول دمشق على ضمانات سياسية، واستثمارات مالية اضخم بكثير مما حصل ويحصل عليه من طهران، وطبعاً لآجال طويلة.
ما هو مطروح حتى الآن لا يغري دمشق بالانفصال عن طهران ولا يطمئنها، خصوصا وان تحقيق هذا الانفصال لالغاء "محور الشر" حسب التعريف "البوشي"، هو الهدف العلني لواشنطن وتل ابيب، حصار طهران واسقاط مشروعها السياسي، والغاء مشروعها النووي سواء كان سلمياً او حربياً، هو الهدف الاساسي لادارة بوش المتساقطة رمال ساعتها، او للادارة القادمة القوية بطول فترتها الرئاسية.
اي نجاح لهذا الهدف الأميركي ـ الاسرائيلي، تتضرر منه طهران بقوة، ويحقق جذراً لتمدد دورها الاقليمي الذي طالما عملت له لمقاربة حدود فلسطين، هذه المقاربة التي تمنحها شرعية اساسية لكل طروحاتها الفكرية والايديولوجية الاسلامية. لكن هذه الخسارة، لن تكون قاتلة لدور طهران الاقليمي، لانها تملك اوراقاً عديدة مهمة جداً تمتد من العراق وصولاً الى افغانستان مروراً بمضيق هرمز.
المقايضة من "كيسها"
اما دمشق فان تفكيك تحالفها مع طهران، سيؤدي حكماً الى انتهاء دورها اقليمياً، فالعلاقة الايرانية ـ السورية التي تنضوي تحت "عباءتها" كامل العلاقات مع "حزب الله" و"حركة حماس" و"القدس العراقية"، هي التي منحت دمشق باسم سياسة الممانعة هذا الحضور الاقليمي، ولذلك فان اي بحث عن دور بديل لا بد ان يكون هذه المرة تحت "العباءة العربية" يتطلب فترة طويلة من العمل الجدي الذي يجب ان يبدأ اساساً باعادة بناء جسور الثقة مع الرياض والقاهرة وعواصم عربية مؤثرة اخرى. بدايات ذلك في رفع الحاجز عن انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً توافقياً للبنان.
طالما نجحت دمشق في المقايضة من كيس غيرها، مسار المفاوضات مع اسرائيل، يجبر دمشق لاول مرة المقايضة من "كيسها". هذا التحول ليس سهلاً، لأنه يتطلب تغلب الطبع على التطبع المطلوب والمشروط.
التاجر الدمشقي قادر على الحساب بمهارة معروفة عنه. مشكلته هذه المرة ان حسابات الربح والخسارة ليست محصورة به فقط الآخرون وهم إيران و"حزب الله" وحركة "حماس" قادرون على الحساب خصوصاً اذا كان وجودهم كله متعلق بها. والآخرون لديهم القدرات والإمكانات والتحالفات. ولهذا الحديث صلة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00