لم يحصل تقاطع في المصالح بين دمشق وتل أبيب طوال العقود الثلاثة الأخيرة، الا ودفع الثمن لبنان كله أو فرقاء منه. حالياً، مسار التفاوض الاسرائيلي السوري، يمر بنقطة تقاطع مشتركة. مصلحة اسرائيل هي في "اخراج سوريا من دائرة العداء، وضرورة الامتناع أو تأجيل أي حرب مع "حزب الله"، كما يقول ايهودا باراك. أسباب هذا كله، ان الحرب الخاطفة مستحيلة حالياً، والصواريخ التي يمكنها هز "الجبهة الداخلية الاسرائيلية"، جاهزة للاستعمال وليس لدى اسرائيل الوسائل الكفيلة لمنعها.
تجد دمشق نفسها في "عين الاعصار" الأميركي حالياً، والحل هو في شراء الوقت وتقطيع "المرحلة البوشية" وليس من سلاح أفضل الا الحديث عن السلام مع اسرائيل. وهذا يعني أساساً الحصول على أمن واستقرار النظام بدون كلفة تذكر.
حاجة دمشق للتهدئة
ما يزيد من حاجة دمشق للتهدئة على طريق الحل، أن الغارة الاسرائيلية مع المشاركة الأميركية بالقرار أو بالتجهيز على الموقع السوري، أكد ان اسرائيل ومعها واشنطن قادرة على اصابة اجهزة الرادار السوري وغيره في المنطقة بحالة عمى كاملة، وان اسرائيل، تمتلك القرار والقدرة على الدخول في "حرب باردة" مع موسكو اذا اقتضى الأمر. فقد سربت اسرائيل انها باعت جورجيا المختلفة مع روسيا 40 طائرة بدون طيار رداً على تسليح موسكو لسوريا بشبكة دفاع جدي متطورة جداً.
الوضع الاقتصادي في سوريا، وصل الى حافة السكين، سواء لأسباب سورية بحتة أو لأسباب عالمية. وعندما يصبح نصف مدخول السوري العادي ينفق على الغذاء فقط يعني ان أمن المجتمع بخطر، وبحاجة لتضافر كل الجهود والمستلزمات لضبط الانحدار السريع في ظل تضخيم يومي وارتفاع في الأسعار وعدم وجود البديل لمواجهة الأزمة. وما لم يتم العثور والحصول على امكانات اقتصادية ومالية قبل ربيع 2009 استعداداً لمواجهة نتائج هذا الوضع في صيف 2009 فإن كل شيء من أمن النظام الى أمن المجتمع السوري سيصبح في قلب "دائرة النار".
تسريع مسار التفاوض يجري لأن لبنان محوره حتى ولو كان الهدف هو استرجاع دمشق للجولان على مقاس الشروط الاسرائيلية. دمشق في لبنان الذي تريد استعادة لبنان مهما كان من الصعب تحمل ثمنه، واسرائيل مستعدة للمقايضة وفتح الطريق لدمشق الى لبنان اذا كانت النتيجة الامساك نهائياً بالحزب ووأد المقاومة ولو تحت مسميات مختلفة.
السؤال الطبيعي والواجب. هل "حزب الله" يقبل أو هو قادر على التضحية بنفسه من أجل مصلحة سورية بحتة؟ وماذا عن ايران هل تقبل بهذه النتيجة التي تعني المزيد من حصارها في لحظة الخطر؟.
"حزب الله" "طرف لبناني محلي لكن دوره اقليمي". ومحاولة الغائه سواء كانت وجوداً أو دوراً يعني ضرب دوره الاقليمي مباشرة. وهو لن يرضى بذلك ولا بد له أن يقف بمواجهة هذا المسار، خصوصاً انه حاليا أصبح يمتلك القدرات التي تكفيه ذاتياً لأي مواجهة لفترة تمتد أشهراً، خصوصاً اذا لم يعد لديه ما يخسره.
حرب "تحريكية" أو "وقائية"
المأزق الحقيقي لهذا "السيناريو المتدحرج" انه اذا تم الاتفاق فعلاً بين دمشق وتل أبيب، يمكن كما يشاع حالياً:
* افتعال "حرب تحريكية" اسرائيلية ـ سورية، تكون نتيجتها محاصرة "حزب الله" بين "فكي الكماشة" مما يسهل عودة الجيش السوري الى لبنان تحت غطاء وطني وقومي، ورفع "الخط الأخضر"، حيث تعمل قوات "الفيتول" حالياً بعيداً باتجاه اقليم التفاح.
* افتعال "حرب أمنية أو فكرية" داخل الحزب أو حتى دفعه رغم رفضه للانخراط في أي حرب أهلية، الى أتون هذه الحرب التي يمكن استخدامها ستار دخان للمناورة خلفه تمهيداً لاستكمال مشروع التسوية.
بديل "حزب الله"، عن "الحرب التحريكية" هي "الحرب الوقائية". وجرّ دمشق الى هذه المواجهة عسكرياً واذا لم يتم ذلك "تعريتها" سياسياً. مما يعني "قلب الطاولة" الذي لا يعود أي شيء بعدها ممنوعاً. وبإمكان "حركة حماس" ان تلعب دوراً أساسياً في هذا السيناريو خصوصاً وأن الهدف الاسرائيلي المهم، هو محاصرة المسار الفلسطيني كله وعزل القضية الفلسطينية نهائياً بين "النهر والبحر".
لدى "حزب الله" سلاحاً دفاعياً وفعالاً في اسقاط هجوم التسوية ضده. وهو القيام بعملية التفاف واسعة تنتج "لبننته"، فيقدم على تسوية مشرفة له ومنقذة للبنان من عودة دمشق اليه والامساك بالقرار السياسي والأمني والاقتصادي كلياً وذلك بالاتفاق مع القوى اللبنانية التي ما زال "نبضها"يجري على وقع المصلحة الوطنية اللبنانية. هذه العملية تسقط حكماً "الجائزة الكبرى" وهي لبنان التي تتوقعها دمشق من وصول مسار التسوية مع اسرائيل الى نهايته، فلا يعود لدمشق من مصلحة أساسية في هذه التسوية التي تستعيد اليها الجولان ولا تعيده، لأن سيادتها عليه ستبقى ناقصة.
تبقى ايران، التي تمسك حالياً بكل أسباب الحياة لدمشق سواء بسبب المعونات الاقتصادية والاستثمارات المالية أو بسبب تمويل اعادة تجهيز الجيش السوري وتحديثها، وبطبيعة الحال لن تقبل أن تتلقى "طعنة في ظهرها" في مرحلة صعبة ودقيقة مثل هذه المرحلة. ولا شك ان طهران تمتلك حالياً الكثير من الوسائل والأسرار التي تمكنها من الرد بقوة وقسوة، سواء مباشرة أو مع "حزب الله" و"حماس"، وحتى الجماعات الاسلامية السورية، فلا شيء يبدو ممنوعاً وتجربة العراق تؤكد ذلك.
"التاجر الدمشقي" سيتابع التفاوض، ليصبح الثمن و"الجوائز" التي يأمل بها علي الطاولة، فإذا كانت بما يضمن له ربحاً ضخماً ومضموناً لسنوات طويلة وعديدة فإنه يضع "مفتاح السلام" في القفل الاسرائيلي ـ الأميركي وإلا فإنه يبقى حيث هو فيربح الوقت ومعرفة نوايا المدى التي يمكن لاسرائيل الوصول اليه سواء مع أولمرت الضعيف أو ايهودا باراك الطموح أو حتى بنيامين نتنياهو من جهة وواشنطن التي ستبدأ عهداً جديداً لن يكون حكماً "بذكاء" جورج بوش.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.