"يوم صلح الدوحة"، إعلان موفق للأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لنتائج مؤتمر الحوار. ذلك ان "أيام الصلح" بين القبائل العربية، تاريخية ومعروفة، منها ما طال وترسّخ وتطوّر ليصبح حلاً دائماً، ومنها ما سقط أمام أول تجربة أو امتحان مباشر من داخل القبيلتين المتحاربتين أو من قبيلة ثالثة، لها مصلحة في تلك الحرب، ليعود المتحاربون إلى السلاح حتى يصبح الصلح مطلباً ملحّاً للجميع نتيجة للإرهاق، وتأكد المتحاربين انّ الانتصار ممنوع، لأن الإلغاء مستحيل.
يمكن لكل "قبيلة" لبنانية أن تعدّد ألف سبب وسبب لهذه "الحرب" القصيرة في 7 أيار لكن التي تركت "جرحاً عميقاً" ليس من السهولة مطلقاً القفز فوقه، أو إقفاله بسرعة حتى لا يدمي قيحه الجسد فيما بعد. نتائج هذه "الحرب" هي المهمة، لأن الأسباب صنعت الحاضر، أما النتائج فإنها حكماً تصيغ المستقبل. وإذا كان المفروض إخراج لبنان واللبنانيين من "عين الإعصار"، فإن أقل شيء هي الملاحقة والمراجعة الدقيقة والعميقة لكل ما حصل.
"زلزال" بيروت
لا شك في أن لبنان بعد 7 أيار هو غير لبنان قبل 7 أيار، عندما انطلقت الرصاصة الأولى في شوارع بيروت، وقع "زلزال" أسقط حالة "الستاتيكو" التي قامت منذ اليوم الأخير لحرب تموز. كانت صورة الوضع تؤكد حجم انسداد الأفق أمام أي حل. وكان "مخيم رياض الصلح"، "إشارة حمراء" لا يمكن تجاوزها فلا الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة سقطت أو ستسقط ولا المعارضة بقيادة السيد حسن نصرالله قادرة على فرض ما تريده، دون اللجوء إلى المحرّم وهو السلاح بعد وضوح فشل التظاهرات، فكان رفع التحريم عن حرف وجهة سلاح المقاومة من جنوب لبنان إلى داخل أزقة بيروت هو الحل كما لو كان ذلك مغامرة محسوبة، يمكن التحكم ببدايتها ونهايتها وآثارها.
ما سهّل هذا "الانحراف" أن قائداً مثل الشهيد عماد مغنية الذي كان ضدّ هذا التحوّل، اختفى. في 16 شباط في هذه الزاوية من صحيفة "المستقبل" جاء: "أيضاً وهذا مهم جداً بالنسبة للبنانيين، ولادة عماد مغنية من رحم الالتزام بفلسطين أولاً وبالثورة الإسلامية، جعلته يخرج من السقوط في "بيت العنكبوت" اللبناني. لذلك وكما يقال فإن عماد مغنية لم يكن متقبلاً هذا الانخراط للحزب إلى درجة الغرق في تفاصيل يوميات الأزمة اللبنانية والذي جعلته طرفاً في الحرب الأهلية الباردة مهما كانت ممانعته. ولذلك يجب متابعة وملاحقة حركة الحزب مستقبلاً في مواجهة الأزمة الداخلية اللبنانية". الباقي معروف وجرت معايشته بكل الألم الحقيقي إنسانياً وسياسياً واقتصادياً.
الاهتزاز بموازين القوى، والخوف الحقيقي من استسهال استخدام السلاح في الداخل وما لانعكاساته الخارجية في ظل وقوع كامل "قوس الأزمات العربي والإسلامي" في فضاء "العرقنة"، فإن اهتماماً اقليميا ودوليا لا سابق له شكّل قوة دفع لمسار التوصل إلى "يوم الصلح" في الدوحة. فالجهود القطرية لم تكن وحيدة ولا يتيمة، لقد تحركت "قاطرتها" بمحرّك عربي واقليمي، وخصوصاً أن الجميع كان يدرك ان كل الأبواب صارت مشرعة أمام إعصار "العرقنة"، ولأن الطابق اللبناني واحداً من أربعة إن احترق وصلت النار إلى كل الطوابق، فقد جاء القرار بالإسراع في إنجاز "الصلح".
عملية "زئير الأسد"
واستكمالاً لهذه الاندفاعة العربية ـ الاقليمية، فإن لا أحد مهما بالغ في عناده أو مكابرته أو تحصّنه بموقفه لتأكيد صحة مواقفه، أن ينكر بأن ما جرى في 7 أيار كان جزءاً من "حرب مواقع" بين طهران وواشنطن. ذلك ان عملية "زئير الأسد" لم تكن محصورة في البصرة بل هي متصلة من البصرة إلى بيروت مروراً بـ"جيش المهدي" وتصفيتها والموصل. الرئيس جورج بوش بحاجة إلى التهدئة لكي يخرج من البيت الأبيض بأقل ما يمكنه من خسائر معنوية من جهة ومن جهة أخرى من رفع درجة حظوظ المرشح الجمهوري ماكين في مواجهة باراك اوباما الديموقراطي الذي يتأكد يوماً بعد يوم انه يتقدم أكثرَ فأكثرَ لأنه يحمل معه "ثورة تغيير" بالمقياس الأميركي، قد تقلب كل المعادلات لتحدث مفاجأة تاريخية. وهنا من الممكن أن طهران التي تعمل دمشق تحت عباءتها أرادت مقابل "خسارتها المحسوبة" في العراق، "جائزة ترضية لحليفتها دمشق، هي قوى 14 آذار، لكن "اعتبارات ميدانية وسياسية"، منها الخوف من "الحرب المذهبية" الذي هو خوف إيراني حقيقي ستشتعل. ومما عزّز ذلك، ظهور حالة انعطاف قوية داخل المجتمع السنّي اللبناني من الاعتدال الذي شكّل الرئيس الشهيد رفيق الحريري "عمود خيمته" نحو الأصوليّة. ذلك سواء شاء البعض أو لم يشأ، وسواء وصف ما حصل "بعملية جراحية بالناضور أو بالليزر"، فإن النتيجة واحدة وهي وقوع دعوة مجانية للظواهري وأخوته ورفاقه إلى لبنان، خصوصاً وأن "هجرة" نحو الأصولية، تأكدت بصورة قاطعة.
قد تكون طهران حققت مكاسب ذاتية لها ولحليفتها على المدى القصير، لكن ماذا عن "حزب الله" وخصمها الولايات المتحدة الأميركية؟
"حزب الله" حقق على المدى القصير انتصاراً عسكرياً محدود النتائج السياسية، لأنه لم يكن أمامه في النهاية سوى الموافقة على "صلح" خارج من لبنان "عماده" لا غالب ولا مغلوب لكن على المدى الطويل والاستراتيجي فإنه خسر كثيراً فإذا كان سلاحه المقاوم في الجنوب لم يكن كما يقول موضع إجماع لبناني، فإن "سلاحه" في بيروت تحوّل إلى سلاح يخيف ومرفوض ومكروه طائفياً ومذهبياً، علماً ان التحرير لم يكتمل. كل ذلك في وقت يعرف فيه "حزب الله" أكثر من غيره ان لا مستقبل له في ظل أي اتفاق إسرائيلي ـ سوري، وأنه هو بالذات سيكون أثمن "ورقة" في "بنك الأوراق" السورية، لتثبيت النتائج. وقد سبق أن جاء في المستقبل وفي هذه الزاوية بالذات في 16 شباط "هل توقيت اغتيال عماد مغنية... هو بداية قرع على باب لتسوية يدفع ثمنها مَن يغمض عينيه عن حقيقة ما يجري خلف الستار" وحالياً على المسرح بدون ستار ولا مَن يسترون ويتستّرون.
أما الولايات المتحدة الأميركية، فإن هدفها بإسقاط سلاح "حزب الله" في فخ الداخل اللبناني، ونقله من الجنوب والشرعية اللبنانية والعربية والإسلامية التي حصل عليها واستبقها، قد حصل. ولذلك فإنّ الولايات المتحدة الأميركية تستطيع استثمار ما حصل لاحقاً، سواء من هذه الإدارة أو القادمة.
مأزق كل الأطراف والقوى اللبنانية كبير جداً، وإذا كانت قوى 14 آذار وتحديداً "تيار المستقبل" قادرة على هضم مرارة الهزيمة على المدى الطويل، فإن على "حزب الله" تحديداً من قوى المعارضة مهمّة أكبر وأخطر لأنها تتعلق بوجوده أولاً وبالطائفة الشيعيّة أساساً التي أُقحمت في حرب مهما جرى التبرؤ من مذهبيّتها فإنها أحدثت جرحاً مذهبيّاً. ولذلك عليه أن يسارع إلى معالجة ما حصل بعقل بارد وعدم تأسيس مستقبله السياسي على "انتصاره العسكري"، لأن الشرق المعقد مفتوح الأفق لا جدران تحول دون اندفاع رياح التحوّلات والتغييرات إلى أي "ساحة" خصوصاً الساحة اللبنانية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.