8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

اعتماد "خطة وقائية" في مواجهة انتقال المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية إلى المرحلة النهائية

الديبلوماسية الإيرانية "ديبلوماسية بارعة، لأن الإيرانيين محنكون جداً". هذا هو على الأقل الرأي السوري بهذه الديبلوماسية، وهو رأي ليس بعيداً عن الواقع خصوصاً إذا ما جرت متابعة حركة هذه الديبلوماسية مع الغرب كله حول الملف النووي وكيف نجحت هذه الديبلوماسية في تجاوز أكثر من 95 في المئة من مسار المواجهة المسلّحة مع الولايات المتحدة الأميركية دون خسارة تذكر.
أمام ذلك، يصبح التساؤل عن أسباب حدة تصميم هذه الديبلوماسية الإيرانية على كسر هذا الإطار الذي نجحت من خلاله، مشروعاً وضرورياً. ويبدو هذا التصرف عن سابق عمد وتصميم، خصوصاً وأنه تكلل بتظاهر سياسي علني بالانتصار الذي تحقق لها في لبنان. علي لاريجاني النجم الصاعد في إيران والرئيس المنتخب اخيراً لمجلس النواب أشاد "بالانتصار السياسي الإقليمي" الذي وقع في لبنان. بدوره وزير الخارجية محمد متكي، ذهب بعيداً في التصرف بما لم تعتده الديبلوماسية الإيرانية، حيث تصرف خلال وجوده في بيروت أثناء انتخاب الرئيس العماد ميشال سليمان وكأنه "الطرف الأساسي الذي يجب التباحث معه بكل شيء وحول كل شيء"، دون أي تحفظ والأخذ بعين الاعتبار "الجرح العميق" الذي "يشعر به القسم الكبير من اللبنانيين بعد الانتصار العسكري لحزب الله في شوارع بيروت وأزقتها".
تظاهرة قوة
شريط مظاهرة القوة "الإيرانية هذه لا يقف هنا، بل يتجاوز "الساحة اللبنانية الداخلية" ليصل إلى باقي الساحات وبالتداخل المباشر مع مركز القرار في طهران. ولذلك لا يمكن أيضاً النظر إلى طريقة اعلان استقبال "مرشد الثورة" آية الله علي خامنئي لرئيس المكتب السياسي خالد مشعل إلا من زاوية استكمال "مظاهرة الحضور والقوة" في ملفات المنطقة وخصوصاً في فلسطين. فالإعلان يركز على أن مشعل "قدم تقريراً إلى خامنئي عن الوضع وعن المقاومة".
وكأن "مرشد الثورة" هو الأمين العام لحركة حماس ومشعل عضو المكتب السياسي عنده. باختصار الإعلان عن أن القرار الفلسطيني لحماس يصب في طهران حتى ولو كانت "الإقامة" في دمشق.
أيضاً، ان تأكيد لاريجاني وإشادته بالسيد حسن نصرالله الأمين البار "للإمام الخميني" والقول "بان مواقف الأمين العام لحزب الله نابعة عن الثورة الاسلامية وجاءت دفاعاً عن نظرية ولاية الفقيه"، هي بدورها استكمال للقوى بأن "مقبض مقص المقاومة في لبنان وفلسطين تمسك به طهران"، ومن يكن موقعه هكذا لا يمكن لأحد غيره الكلام عن المقاومة ومستقبلها.
يمكن الذهاب بعيداً في متابعة هذا الشريط وإيراد ملاحظات ومواقف عديدة، لكن المهم الوصول إلى ملاحقة الأسباب لقراءة النتائج المفترض حصولها.
ولا شك أن كل ذلك يشكل سلسلة من "الرسائل الميدانية" لمن يعنيها الأمر مباشرة وهي دمشق التي تشدّد دائماً على انها "عاصمة الممانعة"، وبالتالي فإنها هي التي تتحدث عن كل ما يعني هذه الممانعة من المقاومة إلى التفاوض.
طبعاً، لا يجب الذهاب بعيداً في تحميل هذه "الرسائل" أكثر مما يجب، أي القول بأن هذه المنافسة وضعت العلاقات السورية ـ الإيرانية على حافة المواجهة فالطلاق. لكن من الطبيعي، التساؤل ما الهدف من هذا التوقيت لكل ذلك؟.
لا شك أن العلاقات السورية ـ الإيرانية تجتاز مرحلة صعبة جداً ودقيقة، أخطر ما فيها أن "المياه تسللت لأول مرة تحت الجسور القديمة" للعلاقات بينهما مما أخذ يزرع الشكوك وتضاؤل الثقة بينهما. ولا شك أيضاً أن اغتيال الشهيد عماد مغنية في أحد أهم المربعات الأمنية في دمشق قد رفع من درجة القلق الإيراني، ولذلك لا يمكن وضع تعمد متكي الذهاب أولاً إلى ضريح الشهيد مغنية فور وصوله إلى بيروت في خانة الالتفاتة العاطفية وإنما في إطار الإعلان عن الالتزام المتجدد بدور مغنية في التعامل مع إسرائيل وفي فلسطين وحتى العراق على قاعدة المقاومة ورفض التفاوض.
ومقياس القلق الإيراني، لا بد أن يرتفع يومياً مع الكشف عن تقدم مسار التفاوض الإسرائيلي ـ السوري الذي أصبح معلوماً أنه انتقل من الأمور الإجرائية التي بدأت بها المفاوضات ثم المبادئ العامة وصولاً إلى الأمور التفصيلية. وقول دمشق علناً "ان المرحلة المباشرة تنتظر إنضاجاً سياسياً وأيضاً إنضاج الوضع الإقليمي". وهذا الإنضاج الضروري يعود إلى أن المسائل الإقليمية تتضمن العلاقة: مع إيران وحماس و"حزب الله" وهي وإن كانت مؤجلة إلا أنها قادمة.
المسار اللبناني يلحق المسار السوري
هذا التحول العميق، والخوف من نتائجه دفع طهران ومعها "حزب الله" إلى تنفيذ "خطة وقائية" وما لم تكن تقبله طهران في السابق من انخراط "حزب الله" في مواجهة داخلية، قامت به ففتحت الضوء الأخضر أمام "الحزب" للقيام بعملية 7 أيار تحت لافتة المعارضة التي ليست عسكرياً أكثر من مستلحقات لا تقدم ولا تؤخر في تغيير موازين القوى كما حصل. والخلاصة من ذلك كانت في تصميم طهران ومعها "حزب الله" بالإمساك بالقرار السياسي مباشرة وليس بالواسطة من دمشق. وقد جاء إعلان السيد حسن نصرالله التزامه بولاية الفقيه تأكيداً أن مرجعيته الأخيرة هي في طهران وليست دمشق.
زيادة في استكمال "الخطة الوقائية" لطهران والحزب حتى لا تقع أي مفاجأة، ويجد أحدهما أو كلاهما في المحطة الخطأ أو في التوقيت الخطأ، فإن الحزب وبعد أن بشّره الرئيس بشار الأسد بأن تقدم مسار المفاوضات مع تل أبيب يفتح حكماً مسار المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، أشار على لسان أمينه العام المساعد الشيخ نعيم قاسم إلى "إن الحزب حاضر للتفاوض على موضوع المقاومة وسلاحها وكل ما يرتبط بها في إطار حكومة وحدة وطنية وفي إطار حوار وطني". ويجب في هذا الجانب ألا يغيب عن الذاكرة أن علي لاريجاني وقبل عام بالتحديد كان أول مسؤول إيراني تجاسر في مقابلة له مع صحيفة "الفيغارو" على التحدث عن "مستقبل سلاح حزب الله والتباحث حوله".
دمشق بدورها، تشعر الآن، بأنها "حمت ظهرها" وأن تقدم المفاوضات مع إسرائيل حاصل حتى ولو سقط إيهود أولمرت لأن هذه المفاوضات هي مع الدولة الإسرائيلية وليست مع رئيس للحكومة. وسيحميها أكثر لأن أوروبا مستعدة لدعمها وواشنطن ستدعمها فور انتخاب رئيس للجمهورية.
ومما يزيد ثقة دمشق بموقعها تأكيدها أنه "مهما حار ودار اللبنانيون ومعهم خصوصاً "حزب الله" فإن القرار النهائي في يدها، لأن طهران اعترفت وتعترف بأسبقية دورها حقوقاً وواجبات في لبنان كما هي تعترف بأسبقية دورها وقرارها في العراق".
العلاقات الإيرانية ـ السورية، أصبحت منذ الكشف عن تقدم المفاوضات والاستعداد الحاصل لتجميع كل طرف المزيد من الأوراق في المفاوضات الأحادية على "خط زلازل" واضح جداً. منذ الآن يجب متابعة كل تصرف على حدة سواء جاء من دمشق أو من طهران، وحتى من "حزب الله"، لأن كل واحد أصبح يعمل آخذاً في الاعتبار أكثر من مصالحة وصولاً إلى حماية ظهره وحتى وجوده، ترجمة هذا على صعيد "حزب الله"، مزيد من الاعتدال و"اللبننة" بعد أن أثبت قوته لأنه بذلك يحمي ظهره من التحول السوري من مستقبل "بندقيته"، خصوصاً وأنها ستكون "الجائزة الكبرى" في نهاية المفاوضات وتوقيع الاتفاق مع إسرائيل.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00