8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

واشنطن يهمها العراق وتركيا تريد الدور ودمشق وطهران رفع الحصار والخطر واسرائيل معالجة الداخل

هذه "الهدنة" طويلة، وقد تتحول الى حالة ثابتة حتى لو تعرضت لاختراقات أمنية وسياسية، وهي طويلة، لأنها ليست لبنانية ـ لبنانية فقط، وإنما لأنها جاءت في اطار تفاهمات اقليمية ودولية. تكفي متابعة ما يحدث على "قوس الأزمات" حتى يتم التأكد من هذا التوجه. التصعيد الحاصل في أفغانستان حالة خاصة لا يمكن ضبط ايقاعها لأن أسبابها وأهدافها تدخل في قلب "الحرب العالمية الثالثة" ضد الارهاب. الحرب فيها مفتوحة، لا مجال فيها لتنظيم هدنة متفق عليها بين الأطراف المعنية لأنه من المستحيل جمع بن لادن والظواهري مع أيّ طرف آخر.
الحرب القصيرة التي وقعت في 7 أيار في لبنان، لم تكن مصادفة، ولا هي وقعت بالصدفة. البعض ينظر اليها ويحلل وقائعها على قاعدة "المؤامرة المنظمة" التي بدلاً من احباطها اندفع أطرافها نحو انجاحها، والبعض الآخر يعيد وقوعها الى تقاطع مصالح متضاربة وجدت فيها ان الوقت قد حان لعقد تسوية تجمع بين الرغبات والممكن من الصيغ والأهم التوازنات.
الامتحان الكبير في العراق
الولايات المتحدة الأميركية بحاجة الى هذه الهدنة على هذا "القوس" لأن العراق في قلب الانتخابات الرئاسية. الرئيس جورج بوش يريد بأيّ ثمن أن تنتهي الأشهر الباقية من ولايته بأقل خسائر ممكنة في العراق وحوله. النجاح في ذلك يجعله يخرج من البيت الأبيض بهدوء أكثر ويدفع باتجاه انتخاب جون ماكين الجمهوري الذي وحده قادر على ضمان وضع الملف العراقي بكل حيثياته خارج المساءلة. لذلك طلبت واشنطن من طهران وحتى من ـ ليس المهم طريقة الطلب، المساهمة في التهدئة.
وكانت النتيجة دخول القوات العراقية ـ الأميركية الى مدينة الصدر وتنظيفها بعد البصرة من "جيش المهدي" والانتقال الى الموصل وتنظيفها من "القاعدة"، بخسائر لا تذكر، لأنها ليست أكثر من 19 قتيلاً أميركياً.
ايران أرادت هذه الهدنة فساعدت الأميركيين في العراق وبعد 7 أيار ساهمت باتجاه التهدئة في لبنان وغزة لأنها تريد تمرير الملف النووي بأقل ما يمكن من المخاطر والمساءلة، والأهم قطع الطريق نهائياً عن خيار المواجهة العسكرية الشاملة أو المحدودة لأنها حتى ولو ربحت الحرب فإنها ستخسر مستقبلها.
لذلك تريد طهران حالياً تثبيت الهدنة في العراق خصوصاً وأنها اذا خسرت مربعاً فإنها ستربح أكثر من مربع، اما في لبنان فإنها ترى ان "حزب الله" قد ربح "الحرب" لأنه ثبت موقعه مضموناً ببندقيته دون النظر الى ان هذا الربح سيبقى معلقاً على خسارة شعبية وحتى وجودية لزمن طويل. وما يهمها في غزة حصلت عليه، فقد أصبحت موجودة في قلب القضية الفلسطينية بعد ان تعاملت معها لعقود كقضية سياسية ـ فكرية. وليس قليلاً أبداً أن "حركة حماس" حاضرة ملفاً من بين ملفاتها العديدة على طاولة المفاوضات.
ايقاف اللعب مع الوقت
دمشق التي فجأة غيّرت موقفها بنسبة 180 درجة، دعمت انتخاب رئيس للجمهورية بعد ان كانت تعارض ذلك حتى انتخاب الرئيس الأميركي ومعرفة مساره في التعامل مع الشرق الأوسط. هذا التغيير ما كان ليحدث لولا شعور دمشق بأن الوقت حان لإيقاف لعبتها مع "الجنرال وقت"، لأن حسابات الربح أصبحت أكبر بكثير في اقرار التهدئة. دمشق التي كانت محصورة ومحاصرة منذ ثلاث سنوات، تريد متابعة سياسة تفكيك هذه الحالة بعد أن تمكنت من تحقيق مزيد من النجاحات، وقد وجدت في لبنان الحلقة ـ الهدية التي تقدمها لأوروبا مباشرة ولواشنطن بطريقة غير مباشرة. دمشق ستتابع هذا المسار حتى الانتخابات الأميركية، حتى لو فاز جون ماكين يبدو انها لن تنزل من "القطار" الذي صعدت فيه.
في ذلك ضمانة مؤكدة لدمشق لكسر الحصار عليها ولمنع اي تحول عاصف ضدها. ثم ان دمشق تشعر اكثر فأكثر ان الباب مفتوح أمامها للتحرك في لبنان وممارسة نفوذها بدون وجود عسكري بطريقة فعالة ومؤثرة ومنتجة ودون قلق من حصول انقلابات مؤلمة ضدها، لأن هذا الوضع ناتج عن القبول بها وليس بالرضوخ لها في زمن الوصاية. وفي جميع الأحوال، فإن دمشق مستعدة دائماً للانقلاب، طالما انها تملك قرار التعطيل وحق استخدامه لما تراه مناسباً لها.
بدورها، فإن تركيا العائدة الى الشرق بقوة دون أن تتخلى عن "غربيتها"، ترى في استثمار هذه العودة مصلحة لها لدعم حضورها الغربي. ولذلك فإن تقوية حضورها في كل ما يعني ملفات الشرق وخصوصاً السلام السوري ـ الاسرائيلي يمنحها شرعية اكبر في أوروبا، وهذه الهدنة منتجة كثيراً لأنقرة. في العراق، التهدئة تخفف الأعباء عنها لأنه كلما اشتعل الموقف هناك ارتفعت درجة الخطر في الملف الكردي. الفوضى تفتح الطريق امام استقرار وانتشار "حزب العمال الكردستاني"، والعكس صحيح. والنجاح في ملف المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية يمنحها دوراً تحلم بلعبه قوى أوروبية عديدة بما فيها باريس، وأخيراً فإن حضورها في الملف اللبناني، اضافة الى ما سبق، يضعها في موازاة الحضور الايراني في المنطقة، وهذا كله مهم جداً لتركيا التاريخية وأيضاً لتركيا "الاسلامية السنية المعتدلة". ومن الطبيعي ان هذا الجمع بين التاريخ والجغرافيا والمستقبل يرفع من رصيد تركيا اقليمياً وأوروبياً ودولياً، الى جانب تشريع قبول لا بل دعم هذا النظام الذي يقوده "حزب العدالة والمساواة الاسلامي".
تبقى اسرائيل التي تعيش على وقع الأزمات الداخلية من جهة وفي ظل حرب مكشوفة على السلطة داخل حزب "كاديما" من جهة وبين أحزاب اليمين من جهة أخرى وأخيراً بين اليمين واليسار بجميع أطيافه وخصوصاً حزب "العمل"، وهي حالياً بحاجة الى الهدنة لمتابعة صراعاتها الداخلية دون ان يستثمر اي طرف التطورات لمصلحته خصوصاً مع اقتراب الانتخابات سواء كانت مبكرة او في موعدها. ومن الطبيعي ايضاً ان هذا الهدوء يساهم في دفع عملية التفاوض مع سوريا دون ارباكات تفرضها تطورات اي صدام غير محسوب او غير متوقع. وأخيراً مهما كان عهد الرئيس جورج بوش استثنائياً في تاريخ العلاقات الأميركية ـ الاسرائيلية، فإن اي ادارة منتخبة لاحقاً ستحافظ على عمق علاقاتها معها ومتابعة استثمارها على جميع الصعد.
لا يعني كل ذلك ان هذا الوضع يعني ان كل شيء بخير وأن اللعب تحت خيمة هذا التوافق في المصالح لا يمكن ان يتحول الى لعب بالنار. لهذا فإن ملاحقة التطورات ضرورية، ومتابعة المتغيرات اكثر من واجب، خصوصاً في لبنان لأن للاعبين الداخليين دوراً في تثبيت هذا الهدنة أو نسفها، وعليهم تقع مسؤولية ضخمة يتمنى الجميع ان يكونوا على قدر مسؤوليتها خصوصاً في منع أصغر اللاعبين من جر الكبار الى حيث لا يرغبون.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00