8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

غضب القاهرة من دمشق لاستمرارها باللعب في غزة ولبنان على حساب أمنها والأمن القومي العربي

لبنان سبب مهم لاستمرار القطيعة القائمة بين الرئيسين حسني مبارك وبشار الأسد. لكن من المؤكد أيضاً ان لبنان ليس سبباً كافياً لتأكيد هذه القطيعة إلى درجة، تغيب الرئيس المصري عن القمة العربية المصغرة التي عُقدت في ليبيا. مبارك معني مباشرة بانعقاد القمة ومناقشاتها وقراراتها، خصوصاً وأنه المرشح لمشاركة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رئاسة "الاتحاد المتوسطي" متى تشكّل.
غزة "الخاصرة القاتلة"
المشكلة بين القاهرة ودمشق أبعد من لبنان. الأمن القومي المصري وسلامته هو في صلب هذه المشكلة. عندما يقول أحمد أبو الغيط وزير خارجية مصر بصراحة كاملة: يريدون منّا الانضمام إلى أجندة إيران". يعني ان القاهرة لا تتحمّل استراتيجية دمشق ولا نهجها ومسارها في التعامل مع الملفات الساخنة في العالم العربي، وتحديداً في غزة ولبنان والعراق. القاهرة التي طالما اعتمدت الصمت ـ الناطق في حركتها السياسية باتجاه دمشق لم تعد تتحمّل تطورات الأزمة الفلسطينية التي تضعها أمام امتحان كل يوم أصعب من اليوم الذي سبقه.
غزة كانت "الخاصرة الضعيفة" لمصر. حالياً أصبحت "الخاصرة القاتلة". حركة "حماس" رغم خصوصيتها، خارجة من رحم حركة "الاخوان المسلمين". مجرّد هذه العلاقة العضوية كانت وما زالت تثير حذر القاهرة. حالياً "التزاوج" الميداني القائم بين الحركتين في ظل تصاعد المواجهة الإسرائيلية ـ الفلسطينية في غزة، وسقوط الضحايا يومياً، وتصاعد مواز ـ لأسباب مصرية بحتة ـ للأزمة الاجتماعية والاقتصادية داخل مصر على وقع الدور النامي للاخوان المسلمين، يثير أكثر من الحذر. إنه الغضب والقلق. التداخل الوحدوي بين الفكر والايديولوجيا من جهة وصولاً إلى الشراكة في قضية واحدة هي المواجهة مع إسرائيل، يعني وجود كوكتيل ملتهب.
القاهرة تعتقد ان دمشق لم تأخذ بعين الاعتبار أهمية وخطورة هذا التطور على مصر وأمنها القومي، وهي تلعب في غزة على وقع حركة "حماس". ما يهم دمشق كما كانت دائماً تسجيل النقاط في خانتها لاستثمارها في تفاوض قادم أو مقايضتها في حالة معينة. أخطر من ذلك ان دمشق تركت طهران تتمدد بحرية كاملة لتصل إلى صلب القرار في الداخل الفلسطيني، وتمارس "حياكة" موقع لها على الحدود مع مصر. والمعروف ان "الحائك الإيراني"، وهو يحيك موقعه ويصيغ دوره لن يسلم أسراره "للتاجر الدمشقي". مما يضيف مشاكل مصر ومخاوفها وحذرها.
مستقبل لبنان يعني مصر أيضاً، رؤية لبنان يعيش على وقع "لعبة الكراسي الموسيقية" لطهران ودمشق دون الأخذ بالاعتبار سوى "الأجندة المشتركة" لهما أحياناً ولحركة التنافس والتزاحم أحياناً، يزيد من غضب مصر، لأنه لا يجوز بقاء لبنان في "عين الإعصار"، خصوصاً وأن استمرار هذه الحالة يشكل انفجاره في أي لحظة تهديداً للأمن القومي العربي كله، ولأن هذه "اللعبة" كما تأكد حتى الآن تدفع نحو مزيد من التمدّد الإيراني باتجاه البحر المتوسط مروراً بأعماق العالم العربي. لهذا تفهم مطالبة أبو الغيط "بسحب سلاح الميليشيات من لبنان" اتهاماً مباشراً لطهران ودمشق، وليس تعلقاً بسيادة الدولة اللبنانية فقط.
الموقف المصري الضاغط مهم، لكن السؤال الطبيعي: ما هي فعالية هذا الضغط في وقت تشعر فيه دمشق بالقوة والقدرة على التصعيد في الرفض والمواجهة؟ وما هي قدرة القاهرة على التصعيد في وقت لا تستطيع المخاطرة كثيراً، في حين ان دمشق المستندة إلى شراكتها مع طهران تحقق تعزيزاً لوضعها دولياً إلى درجة أن التعامل والتعاون معها أصبح مطلوباً من الآخرين وليس منها؟.
توحيد المسارين
دمشق "باعت" إسرائيل وأوروبا وخصوصاً باريس ـ الساركوزية، قرارها بالتفاوض مع إسرائيل على اساس انه خيار "استراتيجي". هذا الالتزام مهم جداً لأنه يقلب المعادلات. أن ينتج هذا الاختيار معاهدة سلام اليوم أو غداً أو بعد سنوات مهم. يبقى الأهم الدخول في هذا المسار الذي يتطلب واجبات ويفرض الحقوق. واجبات دمشق أن تبرز نواياها الحسنة باتجاه إسرائيل وأن تقدم أوراق اعتماد جديدة مغايرة للماضي إلى الأوروبيين اليوم، وإلى الإدارة الأميركية الجديدة غداً.
الرئيس السوري بشار الأسد ذهب بعيداً في ملاقاة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بما يتعلق بمشروعه "الاتحاد المتوسطي". من جهة أرضى ساركوزي بقبول دعوته للمشاركة في قمة تأسيس "الاتحاد" في 13 و14 حزيران في باريس. هذا التلاعب بمشاعر ساركوزي شكّل أفضل "أوراق اعتماد" له. من جهة أخرى شارك في القمة المصغرة، تاركاً للرئيس الليبي معمر القذافي مهمة نسف هذا "الاتحاد"، باسم العروبة والأفرقة وعدم الجنوح السريع نحو التطبيع مع إسرائيل رغم انه يتفاوض معها.
بالنسبة إلى إسرائيل، أبلغها الأسد مباشرة أو مداورة لا فرق بان من مصلحة لبنان أن يدخل في محادثات مع إسرائيل في حال تقدمت المباحثات السورية ـ الإسرائيلية، بهذا دغدغ المشاعر الاسرائيلية. وعاد الأسد إلى توحيد المسارين اللبناني والسوري في مسار واحد. بهذه "الهدية" طالب إسرائيل بالعمل لإنجاح مسارهما المشترك، ثم رفع حظر التفاوض عن لبنان مع إسرائيل وهو يعلم جيداً ان لبنان آخر مَن سيفاوض بين العرب، إضافة إلى ان مثل هذه الدعوة تشكل "قنبلة موقوتة" على الصعيد اللبناني البحت، لأن ما هو مسموح ومقبول لدمشق خيانة كبرى لبيروت.
اللبنانيون ليس لديهم ما يقدمونه لإسرائيل كما يمكن لدمشق تقديمه. ثم ان الخيار اللبناني باستعادة مزارع شبعا والأسرى، محسوم وغير قابل لمبادلته بأكثر من الأسيرين الإسرائيليين سواء كانا حيّين أو جثتين. رغم ذلك دعوة الأسد للبنان، تشكل لإسرائيل خدمة تندرج في تثبيت الخيار الاستراتيجي الجديد لدمشق.
إنهاء الفرقة بين الفلسطينيين في الضفة وغزة، ضروري وملح جداً. الحوار هو النهج الصحي والضروري لإعادة الوحدة. القاهرة تعمل بقوة وإلحاح للتوصل إلى تفاهم فلسطيني ـ فلسطيني. المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية تكمل هذا الدور المصري. ليس من مصلحة الأطراف الثلاثة الانحدار نحو مواجهة مفتوحة. كلما ارتفع لهيب المواجهة كلما استثمرت دمشق عائداتها وكلما تمدّدت طهران خطوة إضافية باتجاه الإمساك بمفصل القرار.
أيضاً في لبنان استمرار الأزمة السياسية يترجم بتدهور أمني والعكس صحيح، لبنان لم يصل إلى الشاطئ. الجهود يجب أن تتكثف لانجاح تسوية الدوحة. خصوصاً وان مساري الحل السياسي والامني متلازمان وان استمرار الأزمة يساعد دمشق على استثمارها أمام الآخرين وخصوصاً باريس، التي ترى بالتقدم أمتاراً باتجاه دمشق كلما تقدمت ولو شبراً واحداً.
رغبة كل الأطراف بما فيها دمشق باللعب على نار هادئة حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية قد يساهم في إنجاح الهدنة. لكن هذه الهدنة تبقى معلقة على شرط قائم وهو طبيعة نهج الإدارة الأميركية باتجاه ملفات منطقة الشرق الأوسط الساخنة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00