لماذا هذه العجلة غير المسبوقة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لتطبيع علاقات فرنسا مع الرئيس السوري بشار الأسد؟.
سؤال كبير وجهته مختلف الأوساط الفرنسية بعيداً عن الصمت العربي الرسمي والشعبي. لم يحصل أمر كبير غيّر المعادلات القائمة حتى يصل الرئيس الفرنسي إلى حد القفز من المقاطعة إلى الانفلاش إلى درجة دعوة الرئيس السوري لحضور احتفالات 14 تموز مما يتضمن جلوس الرئيس الضيف على المنصة الرئيسية المشرفة على العرض العسكري، بكلّ ما في ذلك من رمزية لا تُمنح إلا للرؤساء والزعماء الذين تربطهم علاقات مميزة مع فرنسا ومع العالم.
"حقول الألغام"
لم يقدم الأسد حسب الإعلان الفرنسي الرسمي، أكثر من "مساهمة إيجابية" للتوصل إلى "اتفاق الدوحة" الذي سمح بانتخاب رئيس للجمهورية هو العماد ميشال سليمان. رغم ذلك اعتبر ساركوزي ان دمشق قامت بواجبها الكامل الذي يستحق الفصل بين ملفي العلاقات مع لبنان وسوريا، والمضي في تطبيع وبناء العلاقات الفرنسية ـ السورية مع العلم ان الأزمة اللبنانية ما زالت عالقة، وبالكاد بدأت الخطوة الأولى من الحل في رحلة الألف ميل.
ما زال أمام لبنان واللبنانيين الكثير من "حقول الألغام" التي عليهم اجتيازها أو تجاوزها في أحسن الأحوال، من تشكيل الحكومة الجديدة إلى التعيينات في مختلف المؤسسات الحكومية والإدارية والأهم في قيادة المؤسسة العسكرية سواء في الجيش أو الأمن الداخلي وخصوصاً الأجهزة الأمنية الحساسة. فماذا سيفعل ساركوزي لاقناع نظيره السوري بالمساهمة في الحل، وماذا سيقدم له مقابل دوره بعد أن قدم له ما قدمه في 14 تموز!.
دمشق حاضرة في كل ذلك وهي تملك في مختلف حقول الألغام عدداً من صمامات الأمان. الرئيس بشار الأسد كان صريحاً جداً عندما قال "ما تقرره حكومة الوحدة الوطنية لا نعارضه"، وترجمة هذا التعريف لما تريده دمشق هو جزء من القاعدة العامة "ما يقرره اللبنانيون نقبل به". حالياً حق دمشق محفوظ في "الثلث المعطل" الذي يجعل من أي مرسوم اختباراً حقيقياً لهذه الوحدة الوطنية.
خيارات متعارضة
أكثر من ذلك، لا شيء يجمع على الأرض بين خيارات فرنسا السياسية ودمشق. باريس وقفت حتى الآن وربما هي مستمرة في خطابها العلني مع قوى 14 آذار، وهي محكومة بأن تكون مع استقلال وسيادة لبنان، في حين ان دمشق متحالفة ومتضامنة مع المعارضة وعمودها الفقري "حزب الله". وباريس تدعم السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس وتشارك وتدعم الحصار على غزة وحركة "حماس" التي ما زالت على اللائحة الأوروبية للمنظمات الارهابية، في حين ان دمشق متحالفة وداعمة لحركة "حماس"، أما مصير ومستقبل السلطة الوطنية فإنه يعنيها بقدر ما يفيد سياستها وتوجهها الخارجي. وأخيراً وليس آخراً، فإن باريس تتابع تصعيدها في مواجهة طهران وتؤكد على تشديد العقوبات ضدها، فيما تتابع دمشق تنفيذ واجباتها تجاه "الزواج الكاثوليكي" المعقود مع طهران منذ الثورة وقيام الجمهورية الاسلامية في ايران.
عزلة دمشق ومقاطعتها انتهت بخطوة من رحلة الألف ميل والباقي متروك للبنان وللبنانيين. أيضاً مرة أخرى لماذا هذا الاندفاع الساركوزي الذي حتى وزير خارجيته برنار كوشنير أبدى معارضته وأسفه من هذه الصورة التذكارية التي سيحصل عليها الرئيس بشار الأسد. طبعاً كوشنير سيبلع أسفه وسيشارك في كل الاستقبالات وفي الصورة التذكارية، كما حصل في مناسبات أخرى منه أو من وزراء آخرين. ما يريده الرئيس سينفذ لا فرق بين باريس وآخر دولة في العالم الثالث. التخلي عن المنصب للمحافظة على المبادئ أصبح عملة نادرة في عالم السياسة اليوم.
نيكولا ساركوزي لديه نهج ومشروع في تعامله مع العالم العربي، ليس لديه كسلفائه سياسة متكاملة. النهج الساركوزي يقوم على الصداقة إلى درجة الالتزام مع إسرائيل، واستثمار الصداقات القديمة والمتجددة مع الدول العربية للتقريب بينها وبين إسرائيل تحت شعار تحقيق السلام من جهة، والحصول على أكبر عدد من الصفقات المالية بالمليارات لدعم الاقتصاد الفرنسي الذي يعيش زمناً سيئاً من جهة أخرى.
مشروع بلا استراتيجية
المشروع الساركوزي هو إقامة "الاتحاد المتوسطي" الذي يعتبره ساركوزي مشروع العصر، به يحقق قيام أكبر سوق اقتصادية لفرنسا، وبه أيضاً يعمل على حل مشكلة الهجرة غير الشرعية من الضفة الجنوبية العربية إلى الضفة الشمالية الأوروبية، والتوصل إلى صياغة سياسة مشتركة لمواجهة التطرف والإرهاب. الأهم من كل ذلك هو العمل على الدخول إلى التاريخ وهو العمل على تطبيع العلاقات العربية ـ الإسرائيلية على طريق التوصل إلى حل شامل للنزاع العربي ـ الإسرائيلي.
مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في المؤتمر التأسيس "للاتحاد المتوسطي" مهم جداً. بدون مشاركته سيبقى "الجناح الأيسر" لهذا "الاتحاد" فارغاً لا يمكن ملؤه، فتقع بذلك الكارثة برأي ساركوزي ويولد "الاتحاد" مع التحفظات العربية "ميتاً". إلى جانب ذلك، فإن أي صورة مشتركة للزعماء العرب المشاركين مع ايهود اولمرت خصوصاً إذا كان الأسد واقفاً فيها، ستحدث دوياً ضخماً في العالم ليستحق على ذلك تقديراً لدوره وزيادة لأهمية رئاسته للاتحاد الأوروبي.
الهدف الأخير ضخم جديد قد يكون من حق ساركوزي "اصطياده"، المشكلة ان الرئيس الفرنسي المستعجل جداً يريد اصطياد "فيل" بالمقلاع بدلاً من أن يكون على مستوى عصره، الغني جداً بكل أنواع الأسلحة والخبرات. السؤال الأخير، ماذا لو أكل الرئيس الأسد "الطعم الساركوزي" وتخلص من "الصنارة"؟، بمعنى آخر ماذا لو أعطى الرئيس الأسد نظيره ساركوزي "الصورة" وتحلل من الباقي لأن القرار النهائي سيبقى برأي دمشق بيد واشنطن ولذلك من الأفضل والطبيعي انتظار نهج الإدارة الأميركية الجديدة؟.
ماذا سيقول عندها الرئيس الفرنسي المستعجل نيكولا ساركوزي لنفسه قبل مواطنيه الفرنسيين؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.