هل ينجح الرئيس نيكولا ساركوزي في تحقيق ما لم يتحقق حتى الآن، وهو الجمع في باريس بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت، على طاولة واحدة، وفي صورة تذكارية يدخل بها ومعهما التاريخ؟
إذا حصل ونجح الرئيس الفرنسي في تنفيذ رهانه فذلك يعني الجمع بين سرعتي "الارنب" و"السلحفاة". ساركوزي المستعجل دوماً، يريد إنجازاً سريعاً يثبت قدرته على القفز فوق الوقت وتحقيق النجاح بالاعتماد على سياسة "حرق المراحل" بسرعة لم يألفها الشرق المعقد أولاً ومع الرئيس السوري الذي منذ سنوات يعمل على "شراء الوقت" حتى تنضج الظروف أمام الحل الذي يتضمن الحصول على أمن النظام واستقراره وبطبيعة الحال استرداد الجولان، واعتراف إقليمي بدور له معلق على شروط بعضها صعب وبعضها الآخر أصعب.
بداية معروفة ونهاية معلقة
مسار المفاوضات غير المباشرة بين الإسرائيليين والسوريين في انقرة، يجري "بجدية حقيقية" لكن يبقى السؤال قائماً متى وكيف سيصل هذا المسار إلى المحطة النهائية التي ستشهد التوقيع على الحل والسلام؟
المفاوضات مثل الحروب إلى حد كبير، يمكن تحديد ساعة انطلاقتها لكن يصعب جداً تحديد ساعة نهايتها.
مما يزيد صعوباتها أن "الوقت" يفرض معادلته في كل مرة تحصل متغيرات تنتج احياناً انقلاباً في موازين القوى، فيجعل ما كان مقبولاً اليوم مرفوضاً غداً والعكس صحيح.
القاهرة الخبيرة جداً بالتفاوض مع الإسرائيليين تؤشر دوماً إلى "صعوبة" التفاوض مع الإسرائيلي وتجربتها في التفاوض معه حول طابا اقتضت نحو ست سنوات، كل يوم فيها كان يشهد مماحكات لا تنتهي حول كل سنتم وكل حجر. ولذلك فإن سؤالاً كبيراً يبقى على طاولة المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية وهو كم يجب من الوقت للتوصل إلى اتفاق حول "الجولان"، الذي تتداخل فيه تعقيدات التكوين الجغرافي الاستراتيجي والحالة الاستيطانية والمياه؟
دمشق تعرف ذلك جيداً وتدرك ابعاد التجربة المصرية، وهي تضيف إلى ذلك أن المفاوضات مع إسرائيل التي ما زالت غير مباشرة، لم تبدأ اليوم تحت "العين" التركية. المفاوضات الجديدة في تركيا امتداد لمفاوضات طويلة بدأت قبل أكثر من عشر سنوات، وكانت "محطة" جنيف بين الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون والرئيس الراحل حافظ الأسد أبرزها، وخصوصاً ان "القطار" توقف فيها وهو على بعد "ثلاثمئة متر" على ضفة بحيرة طبريا.
"العرض والطلب"
أيضاً مثل كل المفاوضات، فإن منهج "العرض والطلب" هو الذي يتحكم بمعدل سرعتها وإنجازاتها، من ذلك واستناداً إلى مصادر عربية متقاطعة، فإن دمشق طلبت وإسرائيل قبلت الإعلان عن مبدأ إعادة الجولان. في حين أن إسرائيل طلبت ودمشق قبلت تقديم "مبادرة" تؤكد على "جديتها وقدرتها على تنفيذها". وهذه المبادرة هي "ثلاث في واحدة".
الأولى تعني "حزب الله" في لبنان، وتجمع المصادر على عدم معرفة تفاصيلها لانها تتعلق بعلاقة استراتيجية لا تريد دمشق وضعها تحت المجهر وليس من مصلحة إسرائيل الكشف عنها حاليا.
الثانية وتتعلق بالوضع الفلسطيني، وقد نجحت دمشق في دفع "حركة حماس" نحو إنجاح مفاوضات التهدئة مع إسرائيل الذي كما يبدو الجميع بحاجة لها سواء كان الفلسطينيون أو الإسرائيليون أو المصريون.
الثالثة وهي تعني الولايات المتحدة الأميركية أكثر مما تعني إسرائيل، لكن كما يبدو ان اولمرت كان بحاجة لضوء ولو أصفر من واشنطن للدخول في هذا المسار، ولذلك طلب ما يطمئن واشنطن وهو الخاص بالعراق حيث لعبة السيد مقتدى الصدر و"جيش المهدي" ورئيس الوزراء نوري المالكي أصبحت مقروءة بدون حاجة إلى أي "نظارات".
دمشق التي تظهر عدم العجلة في عملية التفاوض لأنها تريد اثبات قدراتها في التفاوض في مواجهة المفاوض الإسرائيلي الصعب والصبور والكثير المطالب والشروط. ولكن أيضاً لأنها تعرف جيداً ان اولمرت الذي يمرّ بمأزق قد ينهيه تريد أن تعرف قدرته على العطاء قبل أن يأخذ منها ما يساعده على مواجهة الداخل. كذلك فإن دمشق تعرف ان واشنطن بالكاد أضاءت "الضوء الأصفر" أمام اولمرت لمساعدته على مواجهة الحصار الداخلي عليه، ليبقى سياسياً "حياً" حتى إشعار آخر. دمشق تعمل للحصول على قرار أميركي بالتفاوض معها وهذا يمكن أن يحصل مع الرئيس بوش في اللحظة الأخيرة وعلى سلة واحدة ومتكاملة والأرجح على التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة التي سيكون لقرارها الوقت لتنفيذه.
رسائل سورية إلى اوباما
وفي اطار العلاقات السورية ـ الأميركية، فإن دمشق وفي اطار استعدادها للتعامل مع الإدارة الأميركية المقبلة عملت على الانفتاح بحذر شديد خوفاً من المفاجآت على المرشح الديموقراطي باراك اوباما. ومن ذلك توجيهها "رسائل" عديدة له ولمجموعته باستعدادها للتعاون معه في كل الملفات التي تعنيه في المنطقة وخصوصاً العراق، ويبدو ان دمشق التي "قرعت الباب" تعرف ان الجواب لم يحن بعد ولذلك تتعامل مع كل التطورات بما فيها المفاوضات بترقب شديد.
يبقى "تركيا الجدية" ترعى المفاوضات بعناية ودراية وسرية لأنها تعرف جيداً دقة الوضع فاستمرارية المفاوضات معلقة دوماً على خطوة ولو صغيرة غير محسوبة أو متوقعه. إلى جانب ذلك فإنها تحقق المكاسب مع كل جلسة تعقد عندها: وهي إذا كانت ترغب وتعمل لتحقيق نجاح حقيقي يتوّج بالحل الكامل فإنها تعمل على جمع "الأرباح" في استمرار مسار المفاوضات واستثمارها عند الأوروبي والأميركي معاً. فهي تقدم للأوروبي الذي يرفضها حتى الآن أهمية موقعها وللأميركي قدرتها على لعب دور مهم ومنتج لهما في المنطقة إلى جانب ذلك صناعة دور لها في منطقة الشرق الأوسط التي ابتعدت عنه زمناً يمنحها الحضور والقوة وحق استثماره سياسياً واقتصادياً.
حتى لو نجح الرئيس الفرنسي في رهانه وجمع الأسد واولمرت، فإن "الصورة" لن تكون أكثر من "هدية"، للحصول على لائحة مطالب طويلة وذلك على طريق طويل مليء بالألغام والمفاجآت والأحداث والمتغيرات.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.