8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ارتفاع تكلفة المواجهات والمنافسات "صاروخياً" مع مردود سياسي متواضع يفرض الهدنة الحذرة

"الهدنة" التي طال الإعلان عنها وانتظرها الجميع بقلق وتلهّف تحققت أخيراً في لبنان وغزة والعراق. مرة أخرى تثبت التطورات والاتفاقات مدى عمق الترابط والتكامل بين هذه الملفات الساخنة. ما يحدث في ملف من تصعيد أو تهدئة، ينعكس حكماً على حالة الملف، الساحة الآخر. أفضل تطبيق لنظرية "الأوعية المستطرقة" قائم دائماً على طول "قوس الأزمات" الممتد من ايران إلى تركيا.
الرئيس وأزمة التشكيل
"اتفاق الدوحة" أنتج خروج لبنان من أزمة الفراغ، فعادت الحياة إلى قصر بعبدا مع دخول الرئيس المنتخب التوافقي العماد ميشال سليمان إليه. حالياً مضى أربعة أسابيع كاملة على تكليف الرئيس فؤاد السنيورة تشكيل الحكومة التي تشكل الخطوة التالية في تنفيذ ما اتفق عليه، قد تكون المماحكات والمزاحمات على بعض الوزارات سبباً في تأخير تشكيل الحكومة، لكن واقع الأمر ان الحل لم ينضج في الخارج، ولذلك يتأخر الحل في الداخل.
ترجمة هذا التأخير أيضاً في المناوشات المتنقلة ان كانت على صعيد افرادي أو جماعي ضمن دائرة جغرافية محددة يشكل كسرها تهديداً حقيقياً للسلم الأهلي وانزلاقاً سريعاً نحو الحرب الأهلية كما حصل حتى الآن في سعدنايل وتعلبايا.
لكن الأهم من ذلك، ان كل طرف لم يأخذ الثمن الذي يريده في وقت لم تنضج فيه الظروف الاقليمية والدولية، لأن هذه "الطبخة" موجودة فوق "نار أميركية" تخبو يوماً بعد يوم مع اقتراب رحيل الرئيس جورج بوش وإدارته.
بدورهما فإن طهران ودمشق وان كانتا دائماً تعملان على قاعدة الحلف المتين بينهما، الا انهما دخلتا في حالة جمع الأوراق والنقاط المشتركة والمنفصلة تحسباً للمستقبل، خصوصاً وان محاولة "سلخ" دمشق عن طهران مستمرة، ولذلك طهران مضطرة مع "حزب الله" إلى تأكيد حضورهما لضمان استمرارية وجودهما وقوتهما مجتمعتين ومنفصلتين. جزء من المواجهة سواء كان حرباً أو سلاماً يمس وجودهما وليس مصالحهما فقط.
أما دمشق فإنها كانت وما زالت "ملكة" المقايضة بلا شك. الرئيس بشار الأسد الذي سيلتقي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في 13 تموز ويقف معه على منصة واحدة في ساحة "الكونكورد" ولو لم يكن ضيف الشرف، لمشاهدة العرض العسكري الذي ستشارك فيه رمزياً دبابات اسرائيلية من نوع ميركافا، يستطيع الانتظار قليلاً تحت شعار "ان الأزمة الوزارية مشكلة لبنانية داخلية". يجب أن يعرف الأسد ماذا ستعطيه باريس مقابل مساهمته بالحل، بعد ان أعطى في الدوحة فتخلى عن ابقاء الفراغ حتى ربيع العام 2009 وأخذ مقابل ذلك التطبيع. والمشاركة في أكبر مناسبة فرنسية وطنية.
لا شك ان "المقايض الدمشقي" لم يعد يخفي ما يضمره، فقد تحول إلى المطالبة علناً، إذ لا داعي للتستر. اللعبة أصبحت بفعل طول الزمن مكشوفة بوضوح. ماذا يوجد أكثر من هذه الشفافية، عندما يقول مسؤول سوري: ماذا سنأخذ مقابل حل مشكلة مزارع شبعا وترسيم الحدود؟. لا يوجد شيء مجاناً، مبدأ "خذ وطالب" تحوّل إلى "أطلب وخذ ثم أعط".
"سلة" التعيينات الأمنية
قد تقع مفاجأة غير متوقعة أو محسومة. وتتقدم الهدنة في لبنان خطوة إلى الأمام فتتشكل الحكومة العتيدة. بعدها أو معها توجد "سلة" خطيرة ومصيرية للبعض وهي تضم اختيار قائد الجيش الجديد ومدير المخابرات وباقي الأجهزة. هذه ايضاً مشكلة معقدة. لأنها مستقبلية تعني قيام الدولة وما يعتبره "حزب الله" أمنه المباشر. وبعدها قانون الانتخابات وقبلها وبعدها عملية إبعاد "بؤر" النار المعروفة والكامنة والمجهولة، عن الانفجار خصوصاً وأن طرفاً ثالثاً دخل على إشعال المواجهات. المشكلة ان انزلاق أي طرف في هذه المواجهات عن قصد أو عن غير قصد، عن اندفاع لحماية نفسه أو عن تأجيج مذهبي، يعني فتح الباب على مصراعيه نحو عودة سوريا إلى لبنان بصيغة أو أخرى.
ليس من الضروري ان يعود النظام الأمني ـ السياسي القديم إلى بيروت. تكفي العودة إلى وحدة المسارين كبداية لمعرفة ما سيحصل لاحقاً.
غزّة أتعبت الجميع
هدنة الأشهر الستة في غزّة، أيضاً ستعيش على وقع خاص من الحذر الشديد. كل الأطراف كانت بحاجة إليها، أيهود أولمرت بحاجة للتهدئة وإنجاز تعويم نفسه والعمل على التخفيف من حدة انزلاقه إلى الهاوية، حركة "حماس" بحاجة للتهدئة لأن تكلفة المواجهات اليومية ارتفعت "صاروخياً" مع مردود سياسي متواضع جداً. "الغزيّون" أصبحوا فعلاً بحاجة لأي اتفاق يخرجهم من بركة الدماء ومستنقع الحاجة المعيشية. وأخيراً فإن "فشل الانقلاب العسكري" في غزة، له ـ قصة أخرى ـ إضافة إلى الأسباب السابقة، سبب أساسي.
مصر كذلك، بحاجة إلى هذه الهدنة بقوة بعد أن تحولت غزة إلى مشكلة تعني الأمن القومي المصري مباشرة.
لا هي قادرة على مواجهة مكشوفة مع حركة "حماس" المندفعة إليها احياناً بحكم الحاجة لكسر الحصار أو أحياناً بحكم قواعد الاشتباك الداخلية مع الخارجية في وقت واحد. فعملت مصر على الحصول على هذه التهدئة التي يمكن البناء عليها، أو التحضير لمرحلة جديدة بعد أن يزول ضباب الوضع الإقليمي والدولي معاً.
يبقى العراق، فما يحصل فيه خارج برك الدماء ومستنقعات العنف الأسود، يثير الانتباه الشديد. الهدوء الحذر الشديد يؤشر أيضاً نحو تحول مهم جداً على وضع العراق.
يزداد العراقيون يوماً بعد يوم التعلق بدولتهم، وهم شيعة وسنّة وأكراد ويبحثون فعلاً فرادى أو مجتمعين على طريقة لإعادة إحياء الدولة العراقية.
العراقيون استوعبوا اخيرا أن البعض من محيطهم لا يريد أن يعود العراق دولة حقيقية، يجب أن يبقى مساحة لصراعات مذهبية وقبلية وعرقية. والبعض الآخر لا يريد أن يكون العراق أكثر من دولة ضعيفة يجري يومياً ابتزازها أو استثمارها.
والأميركيون يريدونه "حاملة طائرات" ثابتة ومصدراً للنفط يضمن لهم القوة والسيطرة. من أجل هذا تكاد تنجح الهدنة على الطريقة العراقية، ليس قليلاً أن يحصل هذا التحول في البصرة ومدينة الصدر لو لم تكن توجد نية حقيقية للهدنة.
هدنة الأشهر الستة الموقعة في غزّة تشمل أيضاً لبنان والعراق. حساب بسيط يعني أن البحث عن الحل سيبدأ في مطلع 2009 مع يوم القسم للرئيس الأميركي الجديد.
فليأخذ المتصارعون والمتحاربون والمتنافسون بهذه الهدنة جدياً بانتظار ما سيحمله العام 2009.
على الأقل دعوا اللبنانيين والغزّاويين والعراقيين يتنفّسون!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00