حدثان. كل حدث من الحدثين، يحمل بنفسه "رسالة" رمزية ومستقبلية. الأول، انعقاد مؤتمر الدول المانحة في فيينا لإعادة اعمار مخيم "نهر البارد" وجواره. الثاني، اصابة عماد ياسين مسؤول "جند الشام" بجروح خطيرة في انفجار عبوة ناسفة في حي الطوارئ في مخيم "عين الحلوة".
مؤتمر فيينا، مهم جداً للبنان وللبنانيين ولفلسطين والفلسطينيين، ليس جمع المال وحده هو المهم، رغم ان المال هو عصب الاعمار، الأهم أن يوجه "رسالة" للداخل وللخارج معاً، بأن التهجير ممنوع، والتوطين مرفوض. أيضاً، ان تدمير مخيم "نهر البارد"، وقع بسبب الارهاب وهجمته التي بدأت بعملية ذبح الجنود اللبنانيين وهم في مضاجعهم. واضح جداً ان الارهاب يدمر، وان الدولة تبني وتعمر.
المعاناة المشتركة
لم تكن معركة "نهر البارد"، معركة ضد الفلسطينيين. كانت المعركة وما زالت ضد الارهاب، تحديد الهدف، ووضوح الرؤيا، أنتجا عدم وقوع شرخ فلسطيني لبناني. الفلسطينيون عانوا كثيراً من النزوح ومتابعة تدمير منازلهم وذكرياتهم. اللبنانيون في الشمال عانوا من القصف العشوائي والتهديد اليومي بامتداد النار الى حقولهم ومنازلهم. والجيش اللبناني قدم مجموعات يومية للشهادة دون التراجع خطوة واحدة عن هدفه. وحدة الفلسطينيين ومعارضتهم للارهاب ساهمتا في الحد من الخسائر وفي تسهيل المهمة أمام الجيش اللبناني. مجرد أن "ظهر" الجيش اللبناني تم تحصينه، أنتج قدرته على متابعة المعركة حتى النهاية.
الذين أشعلوا "نهر البارد"، كان مخططهم أكبر بكثير من أن يكتفوا بهذا المخيم القابع في أقصى شمال لبنان. مخطط الارهاب كان أكبر وأشمل على مساحة لبنان. مخيم "عين الحلوة" أكبر مخيمات الشتات في لبنان كان وما زال هدفاً مرصوداً للارهاب، اشعاله، خطير جداً فلسطينياً ولبنانياً. من الصعب جداً ضبط نيرانه لأنه وسط دائرة جغرافية تضم عاصمة الجنوب صيدا، ويمسك بمفاصل الدخول والخروج الى الجنوب. الوعي الفلسطيني كامل، ومعرفة اللبنانيين وخصوصاً المؤسسة العسكرية بجميع فروعها واضح وواع.
محاولة اغتيال مسؤول "جند الشام" عماد ياسين ورفيقه، اشعار بالوصول، بأن النار ما زالت كامنة في مخيم "عين الحلوة"، رغم كل الجهود الفلسطينية واللبنانية لقطع الطريق على أي محاولة للتخريب. جميع الفصائل الفلسطينية من "حركة فتح" وصولاً الى "حركة حماس" مروراً "بعصبة الأنصار"، تعمل بالتكافل والتضامن لوأد أي محاولة للتخريب. كل منظمة وكل حركة تعمل وتنشط على وضع نبض المصلحة الوطنية الفلسطينية ليس من مصلحتها تحويل "عين الحلوة" الى "نهر بارد" بالاسم لأنه "نهر حمم مشتعلة".
أمام هذه الخصوصية في العلاقة والمصلحة الوطنية، جرى توحيد العمل الفلسطيني في لبنان. أولى أهداف هذه الوحدة "التحريم على كل فلسطيني التورط أو الانزلاق في أي عمل يضرب الأمن الفلسطيني. ولذلك أيضاً يجري تنسيق العمل الفلسطيني مع الجهات اللبنانية العسكرية والأمنية. هذا التنسيق أكثر من ضرورة، في مثل الحالة التي يعيشها لبنان يصبح واجباً لحماية المصالح الوطنية المشتركة.
"هدنة" الداخل
التطورات الحاصلة حالياً في الداخل الفلسطيني أيضاً توجب هذا العمل الفلسطيني الموحّد. الهدنة المحددة بستة أشهر في غزة فتحت الباب نحو التواصل الفلسطيني الداخلي بين حركتي "فتح" و"حماس"، لا يمكن ولا يجوز أن تقع الهدنة مع الإسرائيليين ولا يفتح الحوار بين الأخوة. مجرّد استمرار التقاتل يكمل عملية إطلاق مرفوضة بين غزة والضفة الغربية. ما يعني تحقيق هدف إسرائيلي بامتياز على أيدي القوى الفلسطينية نفسها. أي نار تشعل "عين الحلوة"، تعني امتدادها بشكل أو بآخر إلى الداخل الفلسطيني. لذلك فإن الحرب ضد أي طرف يريد إحراق "عين الحلوة" هي حرب ضد الإرهاب ايضاً.
"قيادة الطوارئ الفلسطينية الموحدة" نزلت إلى المخيمات وتباحثت مع الجميع. وعملت على "مسح المخيم حيّاً، حيّاً، ما عدا "حي الطوارئ" كما يبدو لأن تنظيم "جند الشام" المتحصن فيه حال دون ذلك حتى الآن. عملية المسح هذه تحصن المخيم ضد "الغرباء" الذين يريدون تحويله إلى قنبلة تنفجر بقرار خارجي لا علاقة له بالمصلحة الوطنية المشتركة للشعبين الفلسطيني واللبناني، والمهمة لم تتوقف بعد.
الدولة اللبنانية عملت وستعمل على استكمال ما بدأته في إصلاح الحالة الاجتماعية والوضع الاقتصادي والتعليمي والصحي في المخيمات الفلسطينية كلها وليس مخيم عين الحلوة وحده. هذه المهمة أكثر من ضرورة. انه واجب يقع على لبنان الرسمي والشعبي لأن في تنفيذه يتم تحصين لبنان أيضاً إلى جانب بناء علاقات قائمة على الثقة المتبادلة.
الرئيس فؤاد السنيورة يريد من مؤتمر فيينا "إلقاء الضوء على المشكلات التي يواجهها لبنان والشعب الفلسطيني منذ العام 1948"، هذا الموقف يدل على التزام سياسي واضح وعميق بالقضية الفلسطينية من جهة، وتأكيد على قوة العلاقة المشتركة بين الشعبين الفلسطيني واللبناني.
لبنان يعيش مرحلة حرجة وخطيرة تمسّ مستقبله، أن يبقى لبنان أو لا يبقى هذه المسألة. هذا هو الامتحان الفعلي. تكافل وتعاون المنظمات والحركات الفلسطينية مع نفسها ومع لبنان يحميها مثلما يحمي لبنان.
"عرقنة" لبنان، ما زالت هدفاً لبعض القوى الداخلية والخارحية معاً. السؤال مَن ينجح أولاً "الغزاة" و"البرابرة" تحت أي اسم كانوا، أم الآمنون من الشعبين اللبناني والفلسطيني الذين لا يريدون ان يقتحم الرعب بعد القلق إلى داخلهم وعائلاتهم، لكي "لا يتحول الوطن إلى حقيبة"، لأن أي حرب أهلية مهما كانت أسبابها وأهدافها، لن يبقى بعدها لبنان. حتى السؤال الكبير "أي لبنان نريد"، لن يعود مطروحا لأن السؤال الحقيقي الذي سيحل محله أي قوة ستأتي إليه وتمسك به لتلغيه باسم تحقيق الأمن وإطفاء نار "العرقنة"؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.