8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

حلّ الأزمة معلّق على عقدة "الثلث المعطل" العونية واستمرار ضباب الحرب والتفاوض في المنطقة

العماد ميشال عون هو "الثلث المعطل" في الداخل أمام تشكيل الوزارة. كما كان دائماً، يقتنع بمطلب له، فيجعله سقفاً ثابتاً لا يمكن الا اللعب تحته، مهما كان الأمر صعباً. أحياناً يكون هذا "السقف" وطنياً، وفي أكثر الأحيان طائفياً. حالياً يركز على مطالبه، وهو ينظر الى الانتخابات التشريعية المقبلة على أساس انها "أم المعارك" التي بها سيربح ليعود ويمسك بكل مفاصل الجمهورية ليعوض بذلك خسارته في معركة الرئاسة. العماد عون يريد ألا تكون خسارته للرئاسة معركة "واترلو" التي تكتب نهايته، بل أن تكون هذه الخسارة مجرد عبور لسياسي في "الصحراء" وصولاً الى "الواحة"، بدلاً من أن تكون "صحراء" أخرى بعدها.
"الضباب الخارجي"
هذا "الثلث المعطل" المتحرك في ظلال "عباءة" "حزب الله"، لا يفسر حقيقة تعطيل تنفيذ الجزء الثاني من "اتفاق الدوحة" بشكل كامل. لا شك ان المعارضة مجموعة وفرادى، تستثمر جيداً وبقوة هذا الوضع لتحسين مواقعها وتشريع مطالبها في الحقائب ونوعيتها بما تراه مناسباً لحضورها ولمستقبلها في الانتخابات النيابية.
لكن أيضاً وهو المهم، عدوة الضباب الى الوضع الاقليمي والتصعيد المعلن أو الصامت للتوتر في العلاقات الاقليمية، يبقى أساسياً في ما يحصل. هذا "الضباب" الخارجي يشكل الثلثين المكملين للثلث العوني المعطّل.
كذلك، فإن هذا التنقل للنار بين بؤر التوتر المعروفة والتاريخية منها والطارئة منها، لا يمكن مطلقاً حصره في ترجمتها بخلافات عائلية أو قروية أو بين حيّين، حيث كل واحد يعرف الآخر في جميع الحالات. تنقل هذه "النار" التي تهدد في كل لحظة بوقوع حرائق متصلة لا يمكن اطفاؤها، يحمل في طياته "رسائل" كبيرة من الخارج الى الداخل والعكس صحيح. لذا فإن تفكيك الأزمة اللبنانية يتطلب أكثر بكثير من النوايا الحسنة لهذا الطرف أو غيره. ومجرد قراءة هذا الخارج من هذه الأرضية، تعني مقاربة لواقع الحال ليس أكثر ولا أقل.
قراءة التضاريس الخارجية للأزمة لا تتطلب وضع الأدوار على سلم أولويات ومراتب لأنه كما جرت العادة في السابق فإن أصغر المواقع والأدوار قد تكون فاعلة ومؤثرة أكثر بكثير من الأدوار الكبرى.
"النمر الجريح" وخطر الحرب
ايران هي عقدة العقد في منطقة الشرق الأوسط، وصناعة مستقبل المنطقة لا يمكن الا ان يمر بها، لأن فيها ومنها يكون قرار الحرب أو السلام. فالمواجهة الحقيقية أميركية ـ ايرانية. ولذلك كل طرف، يعمل على تحسين مواقعه على أمل أن تعطيه النصر أو الصمود سواء في ساحة الحرب أو على طاولة المفاوضات، والطرفان الأميركي والايراني يتابعان "ساعة الرمل" وهي مستمرة في الحركة.
طهران لا يمكنها الاطمئنان الى ابتعاد شبح الحرب، لأن أيام جورج بوش في البيت الأبيض تتناقص. بالعكس "النمر الجريح" الأميركي لن يتردد في شن حرب محدودة أو شاملة لأسباب داخلية اميركية بحتة هذه المرة أكثر مما هو متعلق بالوضع الاقليمي وخصوصاً في العراق. اذا رأى بوش ومعه "المحافظون المتشددون" ان حظوظ جورج ماكين ستتحسن وستضمن له المزيد من النقاط ضد المرشح الديمقراطي أوباما، فإن ضربة عسكرية تصبح ممكنة. اذا لم يقدم أوباما ضمانات بأنه لن يفتح ملفات حرب العراق لضرب "المحافظين المتشددين" ضربة قاضية فإن الحرب تصبح محتملة بين أيلول وكانون الثاني 2009.
الايرانيون يعملون وكأن "الحرب واقعة غداً". وهم حين يعلنون الاستعداد لتوجيه ضربات مؤلمة لإسرائيل وواشنطن، فإنهم أيضاً لا يجعلون من "حبة" المقاطعة "قبة". وهم أيضاً يرضون خصمهم الأميركي بالقدر الذي يهدئه سواء في العراق حيث قبلوا باستقواء رئيس الوزراء نوري المالكي على السيد مقتدى الصدر، أو في غزة حيث وافقوا على اتفاق التهدئة بين حركة حماس واسرائيل، وبرز هذا الموقف من خلال الاستقبال الذي خصّ به "مرشد الثورة" آية الله علي خامنئي رئيس الحركة خالد مشعل في طهران قبل أسبوعين من الاتفاق، كذلك ما جرى في لبنان بعد 7 أيار حيث شارك "حزب الله" في اتفاق الدوحة.
لكن يبدو أن واشنطن لم تبادل "هدايا" ايران "بهدايا" اخرى. الدليل التصعيد المفاجئ في الحديث عن الحرب سواء بسلاح أميركي أو اسرائيلي، والدفع باتجاه تصعيد أوروبي للعقوبات خصوصاً الاقتصادية والمالية منها. باستطاعة طهران ان تصبر أكثر، وأن تعيد "ساعة الرمل" الى الوراء بانتظار وضوح الرؤيا، فلا مواقف نهائية وثابتة قبل ذلك.
هدية "ساركوزي" مبكرة
دمشق اخذت الكثير حتى الآن مقابل تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، ما لم ينتبه اليه الرئيس نيكولا ساركوزي ان اتفاق الدوحة ثلاثة اجزاء متكاملة وأن تشكيل الحكومة اساسي جداً لحل الأزمة. الآن على الرئيس الفرنسي أن يقدم "هدية" للرئيس الأسد للمشاركة في تنفيذ هذا الجزء الحساس فوراً. أكثر من ذلك سيجد ساركوزي نفسه وهو يطلب من الأسد المشاركة في تحسين الوضع الأمني، خصوصاً في الشمال وطرابلس، حيث "الرسائل الملغومة" واضحة العنوان والأهداف، مهما قيل عن خصوصية حالة بعل محسن وباب التبانة، فالحدود مفتوحة لألف سبب وسبب هناك.
ما يزيد من هذا التصعيد وهذا التعقيد في تشكيل الوزارة، ان شرخ الخلافات العربية ـ العربية ما زال أكثر عمقاً واتساعاً من قبل، المصالحة العربية ـ العربية لم تقع رغم جهود مهمة بذلت اخيراً من جانب أكثر من عاصمة. كيف يمكن أن تقع مثل هذه المصالحة ومسارات التحرك متوازية ومن الصعب جداً أن تتقاطع في المستقبل القريب.
ما لم تقع معجزة حقيقية، فإن تشكيل الحكومة سيبقى معلقاً على استحقاقات مستقبلية، أول تلك الاستحقاقات 14 تموز حيث سيعرف نهائياً ماذا سيعطي الرئيس السوري بشار الأسد لنظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، وماذا سيقدم له الأخير مقابل ذلك.
أي خيبة أمل تقع نتيجة لسوء في التقدير سترفع درجة الأزمة في لبنان درجات، الاستحقاق الثاني يتعلق بإسرائيل لأن الاستعداد لانتخابات نيابية مقبلة يعني تأجيل كل شيء حتى أيلول المقبل على الأقل. في هذه الأثناء يكون كل شيء على طريق انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية.
أخيراً كل الأزمات في المنطقة ومعها الهدنات المعلنة ستبقى معلقة على القرار الأميركي الأخير حول مستقبل العلاقة مع طهران سلماً كان أم حرباً.
أقل ما يمكن أن يعمل له اللبنانيون اذا كانوا ما زالوا لبنانيين ومصرين على بقاء لبنان، ان يوقفوا تنقل النار بين البؤر القديمة والمستحدثة منها، حتى تدق ساعة حل الأزمة. فهل
يفعلون؟!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00