8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الفلسطينيون يعملون على إعادة ترتيب "البيت" الداخلي خلال مرحلة تقطيع الوقت التي تستمر سبعة أشهر

ما يجمع اللبنانيين والفلسطينيين كثير حاضراً ومستقبلاً، أي تطور متوقع أو مفاجئ لدى هؤلاء أو أولئك، مردوده مشترك، خصوصاً كل ما هو أمني. فالمعركة واضحة جداً، أي تهاون أو أي خلل لا يعالج بسرعة يفتح المجال أمام اللعب بالنار، في وقت لا يتحمّل أحد تجربة جديدة. مؤتمر فيينا الناجح نسبياً، لأنه جمع وقدم تقريباً ما كان متوقعاً منه، بانتظار المزيد من الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي ستقدم حوالى مئة مليون دولار أي ما يعادل تقريباً أربعة أخماس ما قدمته الدول الأجنبية المشاركة في فيينا، يؤشر بوضوح إلى أهمية التفاهم والتضامن بين اللبنانيين والفلسطينيين. اليد اللبنانية مع اليد الفلسطينية تصفقان، وهذا أكبر دليل على ذلك.
رغم كل الإشاعات "المغرضة والمدروسة"، فإن نجاح التجارب السابقة حتى الآن والتي من أبرز معالمها العمل على إعادة بناء مخيم "نهر البارد" وتطوير عملية ضبط الأمن والاستقرار في مخيم "عين الحلوة"، لا أحد يتكلم سوى "المغرضين" عن إعمار "نهر البارد" وكأنه "مستعمرة نهاريا الإسرائيلية"، ولا أحد يرى سوى ادعياء "عنزة ولو طارت" أن الهدف هو "التوطين" أو حتى "التهجير". المهم أن "قافلة التعاون اللبنانية ـ الفلسطينية" تسير بقوة واندفاع وتصميم. أيضاً وهو مهم جداً، بعد كل سنوات الشكوى والقلق المشروع في حالات كثيرة، يجمع الفلسطينيون من جميع الاتجاهات على أن "الجيش اللبناني يعالج المشاكل القديمة والطارئة بهدوء وفعالية". كما ان الفلسطينيين وبعد تشكيل "هيئة الطوارئ" تمسك بقوة الوضع في مخيم "عين الحلوة" وهي تضم مختلف الفصائل الموالية والمعارضة منها إذا صحّ التعبير، أبلغت الجميع: "ان الخطأ ممنوع لأن الشعب الفلسطيني الذي يعيش في "عين الحلوة" وفي المخيمات الأخرى لن يتحمّل عواقب أي مغامرة، ولذلك فإن أي مخطئ أو مغامر سيتم تسليمه فوراً إلى الجيش اللبناني، ولا غطاء على أحد".
هذه المشاركة اللبنانية ـ الفلسطينية المنتجة، تشكل الجزء الوردي من الصورة. أما الوجه الآخر حيث الشراكة في واقع الحال من انقسامات ومواجهات، فإن المسارات في مواجهة الواقع تبدو متباعدة جداً. فالفلسطينيون الذين تواجهوا بالسلاح منذ اللحظة الأولى وتعرّضوا لانقلاب حقيقي في السلطة، يعملون حالياً بطريقة متمايزة جداً عن اللبنانيين لصياغة مسار جديد ينهي الانقسامات، ويمهّد لحلول مستقبلية تخفف من التداخل الاستثنائي بين الداخل والخارج، بسبب خصوصية القضية الفلسطينية منذ قيامها.
اللبنانيون ذهبوا إلى الدوحة لوقف الانهيار، والفلسطينيون ذهبوا إلى الرياض ومن ثم إلى القاهرة. النجاحات هنا وهناك ما زالت محدودة، لكن الفارق ان الفلسطينيين يعملون حالياً وبجدية كبيرة من الداخل على "إعادة ترتيب البيت الفلسطيني". اللبنانيون على مختلف تكويناتهم السياسية سيبقى عملهم وجهدهم محدوداً لأنه ما زال محصوراً في عملية ترتيب "غرفة" السلطة في "البيت" كله مما يعني عدم إنهاء الأزمة وإبقاء الخلافات قائمة وعميقة ومفتوحة أمام أي "هزّة" مفاجئة.
"تقطيع الوقت"
يعترف الفلسطينيون وإن بكلمات مختلفة حادة كانت أو هادئة، "ان الأشهر السبعة المقبلة هي مرحلة تقطيع للوقت لا حلول دولية ولا اقليمية، لذلك فإن كل الكلام عن مفاوضات حقيقية ليست سوى توصيفاً لرغبات أو عملية تكثيف للدخان عن حالات وأحداث مختلفة. ومن الأفضل عملياً بدل الوقوف متفرّجين على هذه المرحلة وهي تمر سواء بسرعة للبعض أو ببطء للبعض الآخر، الانخراط في عملية أخرى عنوانها ترتيب "البيت" الداخلي، بحيث إذا دخلت المنطقة بعد هذه الأشهر السبعة التي نهايتها انتخاب رئيس للولايات المتحدة الأميركية في مواجهة اقليمية أو انخرطت في عملية مفاوضات جدّية مفتوحة على اتفاقات حقيقية، تكون مستعدة لا تخسر فيها الحرب قبل أن تبدأ ولا تمر فرحة التفاوض دون أن تحضرها كطرف فاعل وليس كطرف يملى عليه ليطيع وينفذ".
مهما اختلفت "فتح" و"حماس" في تقييم اتفاق الهدنة المحدودة زمنياً، فإن الاتفاق قائم على أن الشعب الفلسطيني في غزة كان بحاجة لمثل هذا الاتفاق لأنه يجب رفع الحصار عنه. فقد لحق بالفلسطينيين من التعب والتفقير ما يفيض عن عشرة شعوب. طبعاً، حركة "حماس" تجد في الاتفاق نوعاً من الإنجاز السياسي بعكس "فتح"، وحركة "حماس" تشدّد على ان الاتفاق هو الأول من نوعه لأن إسرائيل طلبته من مصر وأن صيغة التهدئة من أجل التهدئة كانت وما زالت مرفوضة وأن البحث حول رفع الحصار نهائياً مستمر، وأخيراً ان "التهدئة جاءت في سياق وطني عام".
الخلاف حول تقييم اتفاق التهدئة طبيعي جداً لأنه نابع من طبيعة الخلافات بين حركتي "فتح" و"حماس" حول السلطة. المهم الآن وما يجب التركيز عليه هو على إعادة صياغة السلطة بما يخدم وحدة الشعب الفلسطيني ومستقبله، والمنطلق هو في ضرورة اتفاق كل الفصائل على ذلك.
الرؤيا المشتركة لهذا المسار وإن لم تكتمل، إلا ان اتفاقاً على خطوطها العامة قائم، ومن ذلك "إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية والمعروف ان حركة "حماس" ليست عضواً في المنظمة لأسباب تتعلق بالمرحلة الزمنية أولاً، ولذلك فإن القول بأن المجلس الوطني الحالي قد انتهى متفق عليه، ويجب التحضير لإعادة تشكيله وانتخاب اللجنة التنفيذية، ومن المشاريع المطروحة ان يضم المجلس الوطني الجديد كل الفصائل الفلسطينية القديمة والجديدة وبصرف النظر عن حجمها وأهميتها علماً ان عددها 18 منظمة وحركة ـ يؤشر البعض إلى حجم التشابه اللبناني ـ الفلسطيني بالإشارة إلى وجود 18 طائفة في لبنان تشكل نسيج الشعب اللبناني.
استكمالاً لكلّ ذلك، فإن التمثيل النسبي في انتخابات شعبية مباشرة هو أفضل الحلول، فمن ينجح يأخذ حصته ومن لا ينجح يكون تمثيله في العشرة بالمئة المخصصة للأمناء العامين للفصائل ومن يتم اختيارهم كمستقلين وكادرات لها مكانتها ودورها.. وأما السلطة فإنها يجب أن تجسد "أذرعها" المهنية العالية والرؤيا الوطنية النابعة من البرنامج الموحّد، وذلك بهدف حمل الهم العام". وبالنسبة للمشاركة في الانتخابات التي لا يمكن أحد التشكيك في شرعيتها ولا نتائجها، فإنها يجب أن تشمل كل الفلسطينيين في الداخل والشتات خصوصاً وأن فلسطينيي 1948 أثبتوا أنهم أوعى من فلسطينيي الداخل، وفلسطينيي الداخل أوعى من الخارج. ويبدو ان موافقة لبنانية على مشاركة فلسطينيي المخيمات مضمونة لإنجاز هذا الاختيار الديموقراطي.
هذا العمل الفلسطيني يجب أن ينجح استعداداً للاستحقاقات المقبلة من جهة وأيضاً لأن كل الأطراف وفي مقدمتها دمشق "تعمل على حفظ مواقعها في حالتي الحرب والمفاوضات".
فهل يعمل اللبنانيون مثل اخوانهم الفلسطينيين على إعادة ترتيب "البيت اللبناني" خصوصاً وأن الحرب ستكون على حسابهم وأن المفاوضات ستجري حولهم، على الأقل ليحموا ظهرهم بحيث لا يربح الآخرون ويكونون هم الخاسر الوحيد.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00