معاناة اللبنانيين من الارتفاع "الصاروخي" لسعر المحروقات لا علاقة بها للحكومة الحالية أو المشكلة غداً. المشكلة عالمية وهي الى ارتفاع في الأسعار والمعاناة. واستناداً الى الصفقات الآجلة التي بلغت قيمتها 260 مليار دولار، فإن سعر برميل النفط سيراوح في الأشهر القليلة المقبلة بين مائتين ومائتين وخمسة وسبعين دولار.
الترجمة المباشرة بالأرقام لهذه التوقعات ان سعر ليتر البنزين الذي سعره في السوق اللبنانية أكثر من دولار واحد، سيصل سعره قبل نهاية العام الحالي إلى حوالي دولارين أو أقل بقليل من ذلك. وبهذا فإن معاناة اللبنانيين التي هي جزء من معاناة كونية، ستتضاعف على جميع المستويات والحالات.
"رصاص قاتل"
هذا الارتفاع "الصاروخي" للأسعار يكاد يتحول الى "رصاص قاتل" موجّه الى صدور الناس والدول ومختلف جوانب الاقتصاد العالمي من الزراعة الى الصناعة، مع ما يعني ذلك من ضغوط ستؤدي الى توترات وانفجارات اجتماعية لا يمكن تحديد احجامها وأبعادها وآثارها سواء على مستوى كل دولة على حدة وخصوصية اوضاعها، أو على صعيد العلاقات بين الدول المتجاورة وحتى بين الشمال والجنوب في العالم، وأخيراً وليس آخراً بين الدول المنتجة من جهة والمستهلكة من جهة أخرى.
الخبراء في قطاع النفط وهم كثيرون، يحاولون تفسير هذا الوضع الغريب خصوصاً وأن العرض يوازي الطلب في السوق، بالقول "ان تدفقات كبيرة للأموال المضاربة لعبت وتلعب دوراً مهماً في ذلك، وأيضاً يعيدون ما يحصل الى ضعف سعر الدولار والتطورات السياسية ووقوع كوارث طبيعية مهمة، ومخاوف من نفاد الوقود الاحفوري (أي النفط المخزون في الحقول المستثمرة)، ونمو الاستهلاك العالمي من النفط بسبب تحولات اقتصادية وانمائية غير مسبوقة في دول مثل الصين والهند. فالأولى مثلاً ضاعفت من حجم استهلاكها من ثلاثة ملايين ونصف مليون برميل الى سبعة ملايين برميل يومياً، في حين ان استهلاك الولايات المتحدة الأميركية وصل الى عشرين مليون برميل يومياً. والمؤكد ان هذا المسار يتجه نحو التزايد وليس النقصان.
كل ذلك صحيح ولكن السؤال الأهم هو ما العمل لوقف هذا الخطر اليومي، المهدد للدول والمجتمعات على غرار انتشار الأوبئة في الماضي التي أبادت شعوباً وقلبت موازين القوى؟!.
أيضاً، يرى الخبراء الماليون المطلعون على حركة سوق النفط دولياً، والذي التقت "المستقبل" واحداً منهم، "انه لايقاف صعود أسعار النفط يجب العمل بسرعة على وقف الولايات المتحدة الأميركية سياسة التهديدات بالحرب ضد ايران، لأن كل تهديد عسكري يرفع مؤشر سعر برميل النفط. ومن الواضح ان سياسة التهديدات، وان كانت محصورة بإيران، الا انها تتمدد الى كل المنطقة بحقولها وممراتها النفطية. والمعروف ان ايران وحدها تنتج أربعة ملايين برميل يومياً لا يمكن تعويضها في حالة التوقف عن الانتاج. وكان اجتماع جدة الأخير قد وضع يده على هذه المشكلة فأكد انها ليست في العرض وانما في التهديدات وضعف الدولار.
* على الولايات المتحدة الأميركية القيام بخطوات سريعة لاعادة الاعتبار للدولار. وهذا يتطلب تغيير سياستها النقدية وهذا يمكن ان يحصل بالعمل على:
1 رفع معدلات الفوائد بسرعة.
2 احتواء العجز في الميزانية الفيدرالية ويشكل الانفاق العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان أحد الأسباب الرئيسية للاحتلال وارتفاع العجز وقد تجاوز هذا الانفاق أرقاماً خيالية تراوح بين ألف مليون دولار وثلاثة آلاف مليون دولار.
* طمأنة الأسواق المالية العالمية لجدية قراراتها.
مواقف سياسية ملحة
هذه القرارات الملحة تتطلب اساساً مواقف سياسية واضحة ومقنعة بثباتها. واشنطن لا تستطيع حالياً القيام بذلك، مهما بلغت درجة التفاؤل. ادارة الرئيس جورج بوش لا تستطيع ببساطة الانقلاب على ذاتها لأن رفع سيف التهديد بالعمل العسكري ضد ايران يعني الانطلاق بالمفاوضات الى نهايتها. وطالما ان البداية متعارضة حيث تريد واشنطن ضمانات بوقف طهران لتخصيب اليورانيوم، في حين ان الايرانيين لا يريدون السماع بهذا الطلب بعد ان اصبح خياراً قومياً التخلي عنه يعرض النظام كله لهزة ضخمة لا يمكن لأحد تقدير ابعادها. الارجح ان تستمر هذه المواجهة الى ربيع العام القادم حيث يمكن للادارة الأميركية الجديدة اختيار النهج الذي ستتعامل به مع النظام الايراني، وبطبيعة الحال، فإن النظام الايراني سيقرر طبيعة ومضمون "السلة" التي يريد التفاوض عليها وحولها.
ترجمة هذا الوقع تؤكد ان ازمة النفط مستمرة وإلى تصاعد طوال الاشهر الستة القادمة وهذا ما يفسر تزايد المضاربات ووصول سعر برميل النفط في العقود الاجلة الى 275 دولاراً. فالعالم خائف جداً، وهذا الخوف مشروع، طالما ان كلا من واشنطن وتل ابيب وطهران لم تعد تقيد تهديداتها بأي خط احمر. الايرانيون الذين حيدوا مضيق هرمز عن المواجهات العسكرية قبل اشهر عادوا وأدخلوه في "مزاد" التهديدات. كذلك، فإن الاسرائيليين وبموافقة الاميركيين ودعمهم جعلوا من مناوراتهم العسكرية الاخيرة التي ضمت عشرات الطائرات، "عود ثقاب" اشعل سعر النفط.
البقاء في دائرة التهديدات المتبادلة يمكن تحمله حتى الآن، اما اذا انفجرت المواجهة عسكرياً، فإن كل شيء يؤشر الى سقوط سقف ارتفاع سعر النفط ومعه باقي الاسعار لكل الحاجات الغذائية في العالم عدا ارتفاع كلفة التنقل بين الدول.
مطلوب الكثير من الولايات المتحدة الاميركية لوقف هذا التدهور، لكن ايضاً مطلوب من الجمهورية الاسلامية في ايران عمل شيء للمساهمة في ذلك لأنه من الواضح ايضاً ان النظام الايراني الذي يعرف ان بين يديه أثمن "رهينة" في تاريخ البشرية لا يقدم اي تنازل ولو موقت، لا بل انه يتلاعب يومياً بأعصاب الاميركيين والعالم معه. وبهذا فإنه رغم مشروعية حقه بالحصول على تصنيع الطاقة النووية السلمية، يضع نفسه بشكل او بآخر في قفص الاتهام، مما يسهل عملية مساءلته حول دوره في كل هذه الازمة التي تسبب معاناة يومية للفقراء وللدول الفقيرة قبل الدول الغنية.
سؤال بسيط يطاول مختلف الاوساط العالمية وهو: من كان يتصور في البداية ان يقع هذا التشابك الحاصل اليوم بين تعقيدات الملف النووي الايراني والموقف من صدقية النظام الايراني والسلم الاقتصادي والاجتماعي العالمي والانتخابات الرئاسية الاميركية؟.
على الارجح، لا احد، ولذلك لا يوجد حتى الآن ضوء في هذا النفق المظلم، بانتظار ان يقع التغيير في ربيع العام المقبل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.