8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"القطبة المخفية" لقمة ساركوزي ـ الأسد في الذكرى الثانية لحرب تموز سلخ دمشق عن طهران

رغبة الرئيس نيكولا ساركوزي الجمع بين مناسبتين واحدة وطنية عزيزة وغالية على قلوب الفرنسيين، هي ذكرى الثورة الفرنسية في 14 تموز وثانية مهمة جداً لشخص ساركوزي نفسه، وهي إعلان تأسيس مشروعه الذي بدأ تحت بند "الاتحاد المتوسطي" والمجهول الاسم والمضمون حتى الآن، هي التي فرضت أن يكون 12 تموز موعداً لوصول الرئيس بشار الأسد وانعقاد لقاء القمة المتوقع بين الرئيسين في اليوم نفسه.
دور فرنسي ناشط
الرئيس الفرنسي، يريد أن يكون هذا اللقاء بداية لعلاقات جديدة مع دمشق، إلى درجة أنه نقل عنه "بأنه يريد أن تبدأ هذه العلاقات مع سوريا من نقطة الصفر". طبعاً هذا الخيار الفرنسي يسعد دمشق كثيراً ويسهل عليها عودتها إلى المقدمة وبالتحديد من ساحة الكونكورد. لكن أيضاً مجرد انعقاد هذه القمة يوم 12 تموز، يؤكد ذلك مرة أخرى وبعيداً عن كل الإرادات، أن العلاقات بين الدول في عالم السياسة لا يمكن مطلقاً أن تبدأ من الصفر، والدليل أن 12 تموز هو يوم الذكرى الثانية لحرب تموز التي دفع لبنان ثمنها من دماء شعبه وأبطال مقاومته واستقراره ونجحت دمشق في استثمار نتائج هذه الحرب بقوة وفعالية ونجاح كما لا يمكن لأحد استثمار انتصارات وتضحيات الآخرين. والدليل، إن من أبرز هذه النتائج فتح أبواب باريس وساحة الكونكورد أمام الرئيس بشار الأسد.
طبعاً باريس وكما سرّبت مصادرها الرفيعة المستوى، "لم تستعجل التطبيع مع دمشق لأن دمشق في قلب جغرافيا حوض البحر الأبيض المتوسط". لكن الأساس في كل ذلك أن باريس استطاعت بسرعة إنجاز هذا التطبيع لأنها فضّلت بناء علاقاتها بشكل منفصل عن ملف العلاقات مع لبنان وسوريا، أساس هذه العلاقات الجديدة "التطابق في الأفكار".
الحقيقة أن قلب العلاقات الجديدة بين دمشق وباريس، هو العمل على دفع مسار المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية. ساركوزي حريص جداً على نجاح هذه المفاوضات وأن تصل إلى توقيع اتفاق سلام شامل لا يكون مجرد متفرّج فيه، فهو يريد لأسباب سياسية وعاطفية أن يكون شريكاً فيه إلى جانب واشنطن. الطريف أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم لا يرى منذ الآن "لفرنسا أكثر من تمثيلها لدور أوروبي ناشط".
التحوّل نحو الاعتدال
باريس لا يمكنها رغم كل التواضع الذي تبديه من أجل بدء علاقات جديدة مع دمشق، إلا الطلب من "صديقتها الجديدة" أن تبدأ بدورها "من الصفر"، أي التحوّل نحو "الاعتدال" في سياستها وأساس هذا "الاعتدال" أن "تدعم الأمن والاستقرار في لبنان والمنطقة". هذا الطلب الفرنسي يعني أن على دمشق دعم مسار الدوحة في لبنان والمصالحة بين "حماس" و"فتح" في فلسطين ودعم الحكومة العراقية والتنديد بالعنف بالفعل، وليس بالقول فقط.
تبقى "القطبة المخفية" في كل هذه المطالب الفرنسية من دمشق، وهي العلاقات السورية ـ الإيرانية. من الثابت أن باريس التي تعرف جيداً عمق هذه "العلاقة الزوجية" تريد وتسعى إلى حصول "افتراق.. فطلاق"، رغم صعوبة هذا الطلب إلى درجة الاستحالة في الظروف العادية. لكن يبدو أن باريس التي تعرف جيداً طبيعة "التاجر الدمشقي" تعمل على تسويق هذا الطلب من باب أن المواجهة وحتى الحرب واقعة بين واشنطن وطهران، عاجلاً أو آجلاً، لأن واشنطن والغرب كله وفي مقدمته باريس لن يقبلوا بإيران نووية. ولذلك فمن الأفضل لدمشق أن لا تبقى أو تكون "الخط الأمامي" لإيران. وأن القيام بهذا وأخذ الثمن مرتفعاً إلى درجة خيالية، أفضل الآن من الغد عندما يصبح "الطلاق" عملية خاسرة جداً لأن إيران ستعتبر ذلك "طعنة غدر لها في عزّ المعركة"، وأيضاً فإن الأميركيين والغرب كله سيرى في ذلك محاولة للنجاة المتأخرة، ولا مكافآت وهدايا في مثل هذه الحالة.
"الرسالة" الفرنسية وصلت واضحة جداً إلى دمشق، وبين الجنوح نحو الاعتدال لإنجاز مزيد من التطبيع مع فرنسا رئيسة الاتحاد الأوروبي اليوم والحليفة المتينة لواشنطن، والاستمرار في التفاوض مع إسرائيل عبر تركيا بانتظار المفاوضات المباشرة بمشاركة أميركية مباشرة، ودعم فرنسي ـ أوروبي قوي، فإن وزير الخارجية السوري وليد المعلم الممسك بلا شك بديبلوماسية محترفة جداً لعملية التفاوض على كل الجبهات، ترك الباب مفتوحاً أمام أي تغيير سياسي أساسي بانتظار التطورات التي ستحصل، وخصوصاً طبيعة ونوعية العروض والهدايا التي ستعرض عليها مستقبلاً.
وزير الخارجية السوري وليد المعلم ورداً على إلحاح بعض الحاضرين لمحاضرته في باريس حول ابتعاد دمشق عن طهران مستقبلاً قال: "لا يجب القفز فوق المراحل، لكن نحن نعلم أنه لو وصلت المفاوضات إلى نهايتها الطبيعية، فلا بد أن تطال المسائل الاقليمية". وفي شرح هذا، لزوم ما لا يلزم، لأن خلاصته أن التفاوض ممكن حتى حول "العلاقة الزوجية" والطلاق مع إيران. باريس متفائلة بالانقشاع الذي "يشهده لبنان والمنطقة وهو إلى اتساع متزايد".
"تفاءلوا بالخير تجدوه"، حتى ولو جاء متأخراً من دمشق عن طريق باريس.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00