8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تنفيذ اتفاق الدوحة يفرض نزع "ألغام" مزروعة بالاعتماد على "خريطة طريق" دقيقة

توزير علي قانصو، "لغم"، لا يشكل ظهوره أي مفاجأة بوجه تشكيل الحكومة. الجميع كان يتوقع منذ البداية ظهور "ألغام" سواء كانت كبيرة أو صغيرة على مسار تطبيق اتفاق الدوحة وتنفيذه. من المهم رسم المسارات والأهم تحديد آليات التنفيذ. طالما منذ البداية اتفق الجميع على أن هذا المسار هو إعلان لأكبر من هدنة وأصغر من حل، لا بد من حصول احتكاكات يخرج فيها كل طرف ما يخفيه لتحسين شروط وضعه ومواقعه.
مسارعة "حزب الله" ومعه المعارضة إلى التأكيد بأن بديل علي قانصو هو علي قانصو ليس إصراراً على التزام بالمبدأ. تدوير الزوايا تحقق مثل هذه الالتزامات. تأكيد مثل هذا الخيار حتى ولو تأخر إعلان تشكيل الحكومة أياماً وأسابيع أخرى إضافية، يعني توجيه "رسالة" قوية ومتصلبة المضمون للأكثرية، لا يمكن تجاهلها وبالتالي العمل على صياغة رد مناسب أو إحداث اختراق ما أو العثور على نفق يشكل ممراً يتم من خلاله عزل "اللغم" المستحدث ولو إلى إشعار آخر.
"القمم الثلاث"
المعارضة و"حزب الله" عمودها الفقري، يعملان بجدية حقيقية على تنفيذ خطة تعتمد التصميم استراتيجياً والمناورة الذكية تكتيكياً. لذلك أي حركة ولو غير مفاجأة تتحول إلى مفاجأة.
منذ الآن وحتى لا تحصل مفاجآت لا يجب أن تكون مفاجآت، يجب الاستعداد وبالتالي رسم "خريطة طريق" مدروسة جيداً، لكل أزمة، تنتج التعثر وحتى السقوط أو الانزلاق الخطير النتائج أحياناً.
حتى ولو تشكلت الحكومة، صباح سفر الرئيس ميشال سليمان إلى باريس، أو بعد انتهاء القمم الثلاث التي ستضمه الأولى مع نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، والثانية مع نظيره السوري بشار الأسد وهي الأولى من نوعها، والثالثة مع مختلف الرؤساء والمسؤولين المشاركين في قمة "الاتحاد المتوسطي". فإن ذلك لن يمنع مطلقاً من ظهور ألغام أخرى أصعب وأخطر بكثير من هذه "الألغام" قد يكون البيان الوزاري، علماً أن سقفاً لهذا البيان يبدو حتى الآن معروفاً خصوصاً وأنه يتعلق بسلاح المقاومة. حتى أكثر الأطراف تشدّداً في السابق يقبلون اليوم تأجيل البحث بمستقبله بعد ذلك تأتي سلة التعيينات، في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية. طالما أن التسميات تعني "مستقبل لبنان وعلاقته بالمقاومة وأيضاً مع سوريا" فإن البحث سيطول كما يبدو. ما يزيد من صعوبة الاختيار أن قائد الجيش العتيد المقبل سيكون المستقبل أمامه مفتوحاً للانتقال بعد ست سنوات من اليرزة إلى بعبدا، خصوصاً إذا أمسك بنجاح بمفاصل الحركة السياسية نتيجة لاستيعابه بدقة شروط المرحلة السياسية التي سيعيشها.
"سلات" و"ألغام"
أيضاً فإن "سلة" التعيينات الإدارية وخصوصاً في الفئة الأولى حيث الكثير من المراكز شاغرة منذ فترة طويلة، فإن التنافس سيكون حاداً وشرساً بين القوى الموجودة إما لأن بعض هذه القوى جديد على هذا القطاع مثل "التيار الوطني الحر" أو "حزب الله" الذي سيجد نفسه لأول مرة وجهاً لوجه مع "حركة أمل"، التي احتكرت تسمية المرشحين الشيعة طوال العقود الثلاثة الماضية. حتى وضع الاسم المطلوب في المديرية المناسبة صعب أحياناً خصوصاً إذا ما كان الموقع متداخلاً بشكل أو بآخر مع علاقات إقليمية ودولية قديمة ومعروفة.
كل هذا "غيض من فيض" لأن سلاّت المواقع وحُزَم المطالب عديدة وهي موضوعة على طاولة العرض والطلب في وقت بدأ فيه الجميع التحرك على أساسه وهو الانتخابات التشريعية. من مصلحة كل طرف تحصيل المزيد من النقاط السياسية والخدماتية للمساعدة على تحسين مواقعه تمهيداً لكسب المزيد من المقاعد في وقت تبدو فيه نتائج "أم المعارك" معلقة "على المنخار".
لو بقيت "الألغام" الموجودة أو المزروعة في "الحقل اللبناني" لبنانية فقط لهان الأمر. كل "لغم" يتضمن "رسالة" واضحة العنوان. مَن يستطيع إنكار أن طرح تسمية علي قانصو الرئيس السابق للحزب القومي السوري، لا يشكل "رسالة" واضحة المضمون ومضمونة العنوان. خلاصة هذه "الرسالة" توجيه التحية من المعارضة إلى دمشق عبر أخلص حلفائها ورجالها، والتأكيد على أن مرحلة خروج دمشق من لبنان قد انتهت.
حتى انفجار المواجهة بين جبل محسن وباب التبانة بهذا التوقيت وهذا الشكل حيث انتشر "القنّاصون" وعملوا على تقطيع أوصال الحركة بين طرابلس وباقي الشمال بعد أن كانت الاشتباكات الماضية قد بقيت محصورة بين "الجبل" و"الباب" الشريكان بالفقر والإهمال والبطالة. هذه الاشتباكات قد تتمدد إذا ما بقيت الأزمة مفتوحة. وستكون بذلك حاضرة بقوة على طاولة مباحثات القمة في باريس بين الرئيسين الفرنسي والسوري، ساركوزي سيطلب من "صديقه" وهو الذي يحب "الصداقة"، العمل على تهدئة الأمور مما سيضطره للتدخل مع أنه لا يريد ذلك أبداً. وبذلك "يربح" الاثنان أمام اللبنانيين الذين يخافون من تمدد التطرف تحت داعي الحاجة الأمنية وليس التدين.
النجاح في التهدئة سيكون له ثمنه أبرز ما فيه توسيع "المظلة السياسية" الفرنسية ـ الأوروبية التي ترغب دمشق بتشكلها عندما تدق ساعة التعاون الأميركي ـ السوري، أما الباقي فسيكون من نوع تحصيل الحاصل، خصوصاً وأن دمشق ترى اليوم أن وقت "الحصاد" قد حان أخيراً بعد أن صبرت سنوات ثلاث عجاف.
ألا يدعو بعض هذا، لمن لا يريدون أن تكون "رؤوسهم" ضمن هذا "الحصاد"، أن يتحركوا متضامنين متكافلين أن يضعوا "خريطة طريق" يضمن تنفيذها، ببراغماتية محسوبة ودقة حتى لا يقع الانزلاق نحو اليأس، لأنه أخطر من الهزيمة نفسها. الهزيمة يمكن تجاوزها، أما اليأس فإنه "سرطان" لا نجاة منه.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00