8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الشيعة والسنّة والأكراد يتوافقون بأن مستقبلهم في عراق واحد يسوده القانون وحصر السلاح بيد الدولة

العراق ينهض، رغم الاحتلال الأميركي. قبول مختلف القوى العراقية السياسية منها والعرقية، بعد اقتناعها جدياً بأن الحل الوحيد للخروج من المستنقع الدموي والتخريبي الغارقين فيه هو في "اعادة قيام الدولة العراقية والقبول الفعلي بسيادة القانون". أنتج هذا المسار الواعد. لا يعني هذا، ان صفحة سوداء قلبت نهائياً في تاريخ العراق. لكن من الواضح انه جرى الانطلاق من نقطة بداية واضحة جداً.
موعد مع الموت
كان العراق على موعد مع الموت. انخراط كل القوى في صراعات دموية، بعضها ضد بعضها الآخر، وحتى داخل كل قوة، تحت أوهام كبيرة بأنها قادرة على اقتطاع جزء من هذه الدولة وتنفيذ مشروعها الخاص، دون الأخذ بحقائق الجغرافيا ومفاعيلها الى جانب حالة استثنائية مجسدة في الاحتلال الأميركي. هذا الانخراط عزز هذا الاقتراب من الموت، مع الوقت والدمار والدماء والدموع واستعادة قراءة واقعية للواقع يبدو كما تؤشر كل التطورات، ان مختلف القوى العراقية قد اكتشفت أو فهمت ان لا قيمة لأي واحد منها ولا مستقبل له خارج "الدولة العراقية الواحدة، حيث السلاح محصور بيدها".
"العودة عن الخطأ فضيلة"، فكيف اذا كانت "العودة" من اجل اعادة بناء الوطن عبر ردم الخنادق. وفي حالة العراق فإن مكوناته الثلاثة: الشيعة والسنة والأكراد، تتبادل حالياً نوعاً من "نقد الذات" سواء بصوت عال او محصور بين الجدران.
* الأكراد وخصوصاً من الذين يديرون الحياة السياسية والاقتصادية في كردستان العراق، يرون ان مشروع الدولة الكردية في العراق قد دخل "الثلاجة" حتى اشعار آخر قد يطول عقوداً كثيرة. فقد استوعب المسؤولون الأكراد، الواقع الجغرافي المعقد والذي بلا ريب مثل حدّ السكين مما يجعل اللعب عليه مغامرة قاتلة. فلا تركيا تتحمل ولا ايران تقبل بدولة كردية مستقلة في شمال العراق، ولا حتى بأن تكون جزءاً من "كونفدرالية" عراقية. والحل في تنفيذ نظام لامركزي واسع. وأيضاً ان الولايات المتحدة الأميركية لا يمكنها الدخول في "خصام" مع تركيا ولا حتى في اشكال جديد مع ايران يضيف الزيت على النار. ويبدو ان المواجهات العسكرية التي حصلت على شكل واسع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني وموافقة واشنطن على اقتحام الجيش التركي الحدود، اضافة الى القصف المدفعي الايراني اليومي وحتى بعض العمليات البرية المحدودة، قد أوصل "الرسالة" واضحة جداً. ولذلك خفّت كثيراً الحساسية العربية ­ الكردية خصوصاً ان جهوداً مشتركة كردية ­ عربية عراقية تبذل لقيام تفاهمات مشتركة عميقة. ويبدو ان وجود جلال الطالباني في الرئاسة وما عرف عنه من قدرات على الحوار يساهم في ذلك كثيراً.
الاعتراف بالأخطاء
* ان الشيعة بمختلف احزابهم يقرون علناً بمسؤوليتهم عن الأخطاء التي وقعت سواء في مواجهة "اخوانهم السنّة" أو لأنهم ساهموا في وقوع اخوانهم السنّة في الخطأ، ساهمت كلها في ذهابهم نحو التطرف. وما أنتجه من "عرقنة" والمثال الكبير على ذلك ان حالة عدنان الدليمي الذي لم يعطَ الفرصة فتطرّف. كان يجب ان يتمزق العراق نهائياً لولا خصوصية التركيبة الاجتماعية والمذهبية المختلطة للعشائر. ولذلك ايضاً يجري العمل على تبلور موقف شعبي يصب في "طاحونة" المصالحة.
* ان السنّة ادركوا ان "غضبهم" قد دفعهم الى الانزلاق نحو احضان التطرّف الذي استثمرته قوى الارهاب وخصوصاً "القاعدة" مما ألحق الضرر الشديد بالمقاومة وشرعيتها اضافة الى تعميق الحساسيات المذهبية. ولذلك عمل الكثيرون من القيادات السنيّة على الفصل بين المقاومة و"القاعدة" أولاً، والعودة الى الحوار والانخراط جدياً ونهائياً في المشاركة ببناء الدولة العراقية، خصوصاً وان "لكادراتهم" الخبرة الضرورية والمطلوبة القديمة لتحقيق هذا الانجاز.
في قلب هذا التحول توجد ايران. لا يوجد اي طرف سواء كان كردياً أو شيعياً أو سنياً، الا ويعترف بثقل الوجود الايراني في العراق وفي أزمته. وكيفية بناء علاقات جديدة مع ايران خارجة من صلب هذا الاعتراف. جرى تحول بارز سيساهم كثيراً في عملية اعادة البناء. أساس ذلك ان "ايران صاحبة دور وليس نفوذ في العراق"، فالنفوذ يقيد شروط الادارة ويقلص دور العراقيين. أيضاً انه يجب التوصل الى اتفاق حول المصالح النفطية للعراق مع ايران، والأهم تقديم ضمانات للايرانيين بأن العراق لن يكون يوماً مقراً ولا ممراً للاعتداء عليهم. بذلك تقوم علاقات مميزة وصحية وثابتة ومتحللة من العقد والضغائن والترسبات التي تخلق الأحقاد.
في عودة العرب
ما يشجع العراقيين على هذا الموقف، ان أي معاهدة مع الأميركيين لن تكون في حال التوافق الداخلي والتفاهم مع ايران من نوعية ما طرحته واشنطن عليهم. ولذلك فإن النقاش سيزداد حدة وربما يتم العمل على اطالته حتى مجيء ادارة أميركية جديدة يمكن عقد اتفاقات معها تكون ايجابية للطرفين لأن لا العراق قادر على تجاهل الأميركيين حاضراً ومستقبلاً ولا اي ادارة اميركية يمكنها تجاهل السيادة العراقية وفرض ما تريد لأنها تعرف الآن انه ليس باستطاعتها انجاز ذلك بالقوة والقوة لم تنتج شيئاً بعد سنوات خمس من الحرب والمواجهات.
اليد العراقية وحدها لا يمكنها أن "تصفق" لأن العراق ايضاً ضعيف. لذلك فإن شرط النجاح هو في "عودة الحضور العربي الى العراق". الغياب العربي هو الذي سمح بشكل أو بآخر "لتمدد النفوذ الايراني"، ولتأكيد الوجود الأميركي. الوقت الآن مناسباً لذلك اكثر من اي وقت مضى. فتح السفارات العربية في بغداد خطوة أولى وأساسية. المشاركة في اعادة اعمار العراق خطوة ثانية وضرورية. ولذلك كله تعمل بعض الدول ومنها الامارات العربية المتحدة على تشجيع "المترددين" للعودة. كلما قوي الحضور العربي، ازدادت قوة العراقيين على التماسك والوحدة والصلابة في وجه الآخرين سواء كانت واشنطن او طهران وحتى العدو المشترك ممثلاً "بالقاعدة" واخواتها.
تأكيداً لترحيب العراق بالعرب العائدين وبعودته اليهم فإنه وهو يفتح ذراعيه لدور عربي فاعل ومؤثر في عملية اعادة الاعمار، فإنه يقوي اعادة تصدير النفط عبر الأردن وسوريا وربما يؤدي هذا الى اعادة بناء مصفاة النفط في طرابلس بلبنان. ويكون بذلك قد ضمن الى جانب تنويع مصادر التوزيع تخفيف الثقل عن البصرة على الحدود مع ايران، وما لذلك من أهمية كبرى على صياغة سياسة متوازنة مستقبلياً.
العراق مركز الصراعات والتجاذبات في منطقة الشرق الأوسط منذ الغزو الأميركي. ولذلك فإن أي تحول داخله ومنه حرباً أم سلماً، يمتد سلباً أو ايجاباً على باقي الملفات ولبنان في قلب هذه الدروس والتحولات.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00