في الشكل، تغيرت العلاقات اللبنانية ـ السورية ـ وزير الخارجية السوري "المعلم" وليد المعلم، زار قصر بعبدا، وقدم رسالة رسمية من الرئيس بشار الأسد الى نظيره اللبناني الرئيس ميشال سليمان. وعقد مؤتمراً صحافياً، وضع ما يكفي من "زيت" الديبلوماسية، لتمرير اجاباته الخارجة من الماضي. مؤكد بذلك، ان المضمون لم يتغير. دمشق ما زالت تحلم وهي الآن متأكدة بأن عودتها الى بيروت أصبحت على طريق معبد، وان هذه العودة وان لن تكون كما في الماضي، عندما كانت طريق بيروت تمر اجبارياً أمام كل اللبنانيين "بالعاصمة المركزية عنجر".
علاقات ديبلوماسية معلنة
أبزر ما في هذه الزيارة، انها تؤكد على اقامة علاقات ديبلوماسية أي اعتراف سوريا بلبنان، دولة مستقلة وليس كياناً موقتاً. هذا الاعتراف، هو "الجائزة الكبرى" التي قدمها الرئيس السوري لنظيره الفرنسي، لقد وعد الأسد ووفى، لأنه يريد استعادة موقعه وحماية نظامه من المساءلة والعزلة، وقد نجح في ذلك، لأن الرئيس الفرنسي يستعجل التطبيع طلباً لأخذ موقع له على طاولة الشرق الأوسط، في هذه المرحلة التي يتم فيها تقطيع الوقت حتى انتخاب رئيس للولايات المتحدة الأميركية، عندما يدخل الرئيس الأميركي المنتخب البيت الأبيض، سيجد نفسه أمام الأمر الواقع، والأميركيون أبرع من تعامل مع الواقع لأنهم براغماتيون.
السؤال الكبير متى سيتم هذا الاعتراف أولاً واستكماله بتصفية كل الملفات العالقة التي الكثير منها سممت وتسمم العلاقات بين "أبناء الشعب الواحد" الى درجة انها حوّلته الى "شعبين"؟.
دمشق يمكنها الآن، أن تأخذ وقتها حتى تبدأ بالتنفيذ أما الانتهاء من ذلك فإنه سيبقى أمراً معلقاً الى ما شاء الله، وانقلاب المعادلات والوقائع. هذه الخلاصة ليست فعل تشاؤم ولا نتاج شعور بالعجز، انه مسار بدأت فيه دمشق منذ سنوات ثلاث وهي تتابع تنفيذه بدقة وبراعة على مختلف الجبهات. أبرع ما في ذلك كله عدم اهتمام دمشق بخسائر الآخرين حتى ولو كانت مصيرية وأحياناً دموية.
كل مشكلة عرضها وليد المعلم لدى انتهاء زيارته لقصر بعبدا، حولها الى جملة مشكلات يقتضي حلها ألف مباحثات ومباحثات.
* تسليم مزارع شبعا للقوات الدولية لا يعني انهاء الاحتلال.
اذن لن يكون أي ترسيم للحدود اذا ما وصلت اليها بعد ان تبدأ من الشمال الى الجنوب حيث التداخل السكاني سيفرض تدمير العلاقات والمصالح.
* "مزارع شبعا ليست الأرض بل المياه أيضاً. سوريا حريصة جداً على مياهها علماً أنها تخلت سابقاً عن مياه الاسكندرون، وهي تتفاوض على مياه الجولان، المهم في ذلك ان على لبنان تحضير ملفاته منذ الآن حول المياه الكامنة بعد التحرير، هذا اذا اعترفت سوريا رسمياً بلبنانيتها، على اللبنانيين المقاومة والشهادة ولسوريا الباقي.
المفقودون من الطرفين اللبناني والسوري والمطلوب البحث والتحري رغم ان انكار وجود ملف المفقودين اللبنانيين استمر ثلاثين عاماً.
* المصالحة الكاملة يجب أن تتم على أساس "ان قلب سوريا يستوعب الجميع"، اللبنانيون عليهم طلب الغفران، دائماً على اللبنانيين واجبات ولسوريا الحقوق.
* مشكلة مهمة أيضاً ان الرئيس الأسد يمكنه البت فوراً بأي قرار. أما لبنان (لأنه دولة مؤسسات) فإن القرار يتطلب أيضاً موافقة السلطتين التشريعية والتنفيذة. ببراعة غير معهودة حوّل المعلم النظام الديمقراطي في لبنان الى "مشكلة" أولاً و"صانع مشاكل ثانياً، لأنه يتطلب التوافق بين المعارضة والأكثرية.
زيارة واشنطن عبر "ايباك"
حقيقة الأمر، ان دمشق ليست مستعجلة مطلقاً بانتظار ظهور نتائج ثلاث استحقاقات مصيرية لوضعها على خريطة المنطقة. ولذلك ستعمل على "شراء الوقت" كما فعلت في الماضي. الفارق أنها نجحت سابقاً رغم العزلة والمقاطعة. الآن تقوم بما تقوم به وهي تصيغ علاقاتها مع باريس على أسس استراتيجية، وتدخل واشنطن من باب موارب مؤسسة بذلك لمستقبل واعد بعد أشهر قليلة.
زيارة "الوفد الأكاديمي السوري" الى واشنطن، كشفت أيضاً انه لا يوجد اي ممنوعات أمام دمشق. فقد سبق لها وأن اتهمت قوى 14 آذار بأنها "منتج اسرائيلي"، أما هي فمن أجل فتح ابواب واشنطن لم تمتنع عن تشكيل مجموعة عمل من 16 عضواً مناصفة بينها وبين أميركيين أبرزهم توماس داين الرئيس السابق لمنظمة الادارة التنفيذية لـ"ايباك" من العام 1980 الى العام 1993. للتذكير ان هذا المركز هو أهم المؤسسات في اللوبي اليهودي ـ الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية.
دمشق تعمل حالياً على استثمار عودتها وهي تتابع ذلك، لأنها على موعد مع ثلاث استحقاقات حاسمة:
* الانتخابات الرئاسية الاميركية حيث التعامل مع الرئيس جورج بوش أصبح تعاملاً مع رئيس راحل لم يعد أمامه الوقت للبناء بينما الرئيس القادم خلال أشهر لديه أربع سنوات كاملة يمكن التفاوض على "سلة" كاملة.
* الانتخابات التشريعية في لبنان في الربيع من العام 2009، التي نتائجها ستحسم الوضع. واذا كانت المعارضة بقيادة "حزب الله" قد نجحت في فرض مواقفها، فكيف اذا ما تحولت الى أغلبية تحكم من دون أي ثلث معطل للمعارضة المنتخبة. وبذلك فإن دمشق تأمل وهي قادرة على ذلك على تغيير كل المعادلات وتحويل معظم المطالب الحالية حول السيادة والحرية الى خبر كان.
* نتائج الصراع الداخلي في اسرائيل، الذي سيحدد قريباً مصير ايهود أولمرت أولاً ومن ثم وضع ايهود باراك وبالتالي مستقبل المفاوضات وما اذا كانت تستحق الدخول في مغامرة توقيع الاتفاقات النهائية.
ماذا عن لبنان واللبنانيين؟
حرية الخلافات والتناحر متروكة للبنانيين زائد تحملهم مسؤولية ما يحصل، لأن دمشق أصبحت بفعل عودتها الى الشرعية الدولية "بريئة". أما لبنان فإنه سيبقى "الجائزة الكبرى" التي تريدها دمشق، مهما كان الشكل المقرر لها. وما على اللبنانيين سوى ان يتعودوا من جديد على قول: صباح الخير.. يا دمشق!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.