8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

اعتراف أوباما بالتضحيات اللبنانية ووجوب قيام مفاوضات مباشرة بين دمشق وتل أبيب يؤسسان لحل متوازن نحو "فجر جديد" بعد نهاية المحافظين المتشدّدين

"شلالات" الخطابات والتصريحات اليومية التي تصدر وستصدر عن المرشحين الأميركيين للرئاسة، باراك أوباما وجون ماكين، يجب ألا تتحول فوراً إلى أهداف ثابتة ومتحركة لإطلاق النار عليهما في الوطن العربي. كل مرشح ومهما كانت طبيعية أفكاره الحقيقية، عليه أن يربح تأييد الأميركيين ومعهم مراكز القوى المؤثرة خصوصاً اللوبي اليهودي. طبعاً هذا الموقف لا يعني عدم التفاعل مع المواقف، وإنما دعوة للتعامل مع واقع مختلف بعقل بارد.
انتخابات رئاسية استثنائية
الانتخابات الرئاسية الأميركية مهمّة دائماً لأنها تضع نقاطاً عديدة وأساسية على حروف الثوابت والتحولات في العالم. استثنائية الانتخابات الحالية، انها تحمل رياح تغيير أساسية في الولايات المتحدة أولاً وتجاه قضايا العالم ثانياً. سواء فاز ماكين أو أوباما، فإن ذلك يعني نهاية "المحافظين المتشدّدين"، ما يعني أن تأطير السياسة الأميركية أيدولوجياً قد فشل. "المحافظون المتشدّدون" كانوا يعدون أنفسهم لحكم واشنطن وقيادة العالم لعقود طويلة، "رُبّ ضارة نافعة". الحرب ضد العراق وداخله إلى جانب قرارات "بوشية" كارثية أخرى وأدت هذا التوجه ووضعت نهاية لهذا المسار.
الأهم أيضاً، أن فوز باراك أوباما إذا تحقق يحمل معه تغييراً عميقاً داخل أميركا نفسها. منذ الآن يقولون ان أوباما هو جون كينيدي أسود، على أمل ألا يكون مصيره من مصير الرئيس الكاثوليكي الذي اغتيل، لأن أميركا والعالم بحاجة قصوى لهذا التغيير المأمول. العالم كله بحاجة إلى جرعة كبيرة من الأوكسجين.
خطابان لباراك أوباما يدعوان لاتخاذ الحيطة والحذر قبل اتخاذ الموقف الحاسم منه سواء كان سلباً أو إيجاباً. الأولى في القدس والثاني في برلين. من الواضح جداً أن الأول هو تقديم عرض حال لكسب تأييد اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، الثاني هو خطاب رجل دولة يقدم جانباً من رؤيته لعالم متغيّر. هذا الفارق الكبير بين خطابين لا يفصل بينهما أكثر من ليلة واحدة، يؤكد على ضرورة التعامل بعقل بارد مع مواقف المرشح. الحكم يجب ألا يكون على الأقوال وإنما على الأفعال، والموعد مع الأفعال يبدأ في مطلع العام 2009. العالم من البيت الأبيض، ليس العالم أمام "حائط البراق" في القدس أو أمام "بوابة براندنبرغ".
"الاوبامانيا" حشدت 200 ألف برليني لسماع باراك أوباما. هذه الظاهرة تؤكد مدى رغبة العالم بالتغيير، وقد أحسن أوباما فعلاً في مخاطبة العالم الذي ينتظره بشعار صاغه على وزن شعارات مارتن لوثر كينغ وجون كينيدي: "يا شعوب العالم...انظروا إلى برلين.. لا يمكن أن تستمر الجدران بين الأعراق والقبائل والمهاجرين، بين المسيحيين والمسلمين واليهود".
"جدار الفصل والعنصرية"
صحيح انه لم يدع إلى تهديم "جدار الفصل والعنصرية" الذي إقامته إسرائيل، وصحيح أيضاً انه طالب بالقدس موحدة، لكنه وفي مقابلة مع صحيفة معاريف الإسرائيلية علق دعوته على شرط مستقبلي بعيد الأمد وهو ترك المسألة للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وفي "إطار مواضيع الحل النهائي". وهذا يعني انه لا يجب قراءة المواقف في العناوين لأن لها تتمة قد تحمل في أحيان كثيرة إشارات مختلفة.
العراق مسألة أميركية داخلية. كل ما يقال حوله يبقى جزءاً من المواجهة الداخلية مع هذا "المستنقع" الذي دفع الرئيس جورج بوش بلاده للسقوط فيه، ومن ثمّ العثور على طرق للخروج منه ولو بكلفة عالية، وأن المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية في قلب خطاب المرشح أوباما.
"ان الخيار العسكري ليس المفضل لحل الملف النووي الإيراني"، وهذا التوجه يعني التفاوض من موقع القوة.
إن أوباما مرشح التغيير استخدم في حديثه عن لبنان "صيغة بوشية"، ما يعني أن الموقف من مستقبل لبنان أميركياً، ما زال واحداً. فقد قال أوباما: "ندعم اللبنانيين الذين مشوا ونزفوا من أجل الديموقراطية". الهدف واحد. المهم انتظار تفاصيل صيغة الآلية لتنفيذ ذلك.
المفاوضات بين إسرائيل وسوريا يجب ان تجري وتتقدم، وهذه المفاوضات ستكون بينها مباشرة. اما النتيجة التي يتوقعها فهي أن التوصل إلى سلام احتمال كبير. وكل هذا يعني ان واشنطن "الاوبامية" إذا قامت فستلعب دور "الراعي" للمفاوضات المباشرة مما يجعلها أكثر جدية ومصيرية.
لو لم يقل أوباما ما قاله عن لبنان، وعن ضرورة الاستجابة إلى "فجر جديد في منطقة الشرق الأوسط"، فإن الخوف من أن يكون لبنان جزءاً من ثمن الحل للتوصل إلى السلام بين دمشق وتل أبيب، حقيقي.
رغم ان التسرّع مرفوض، والأحكام النهائية مرجأة حتى يصبح المرشح الحالي رئيساً يرى شؤون وشجون العالم من داخل البيت الأبيض، لكن يبدو أن مسألة بقاء لبنان "رمزاً للديموقراطية" يطمئن على حذر.
لا يمكن "بناء عالم جديد بلا جدران"، وقيام "جدران جديدة"!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00