8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية زرعت الشكوك لدى طهران خصوصاً أن مستقبل "حزب الله" في قلبها

لا يمكن أن تدور مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة حول قضية تعني الأمن القومي للبلدين المتفاوضين، دون أن يخفي كل طرف من الطرفين، أسراراً عديدة تطال حقيقة ما يجري من مطالب ومطالب مضادة وأهداف معلنة وأخرى خفية، عن قوى داخلية أولاً وعن حلفاء خارجيين مهما علت درجة تحالفاتهم وقوتها.
"أعلمونا نُعلمكم"
دمشق وتل أبيب تتفاوضان في تركيا. الجولة الرابعة مرت بانتظار الخامسة وصولاً إلى الجلسة المباشرة الأولى. من الطبيعي جداً أن تحتفظ كل عاصمة بأسرار لها لا تكشفها أمام الآخرين. من ذلك أن القمة في السلطة سواء في دمشق أو تل أبيب ورغم الاختلاف الكبير في طبيعة كل نظام وآلية التنفيذ، لا بد أن تبقي أسراراً من المفاوضات محصورة بين أيد قليلة. أصلاً في دمشق، لا تكشف القيادة سراً تملكه في قضايا قد لا تبدو للآخرين أساسية أو مصيرية، حتى لأقرب المقربين من الحلقة الأولى التي تمسك بالقرار، إلا إذا أرادت ذلك ورأت أن الوقت قد حان أو يتطلب هذا القرار ـ الإقرار، فكيف يكون الأمر مع الآخرين.
أما والأمر يتناول قضية مصيرية من حجم السلام الشامل واستعادة الجولان من إسرائيل، فإن مجرد السؤال في دمشق ممنوع على الآخرين في السلطة، أما ماذا وكيف ومتى يتم إبلاغ الحلفاء من نوع الجمهورية الإسلامية في إيران، فلا بد أن يخضع لمجريات كثيرة خصوصاً وأن لكل طرف نظرته وموقفه ومصالحه التي مهما بلغ عمق تقاطعها إلى درجة الوحدة أحياناً، فإنها في الملف الإسرائيلي لا بدّ أن يظهر التباين وصولاً إلى نقطة معينة وتوقيت معين حيث يتباعد الطرفان إلى حدّ الانفصال ومن يدري "الطلاق" رغم انه "ابغض الحلال"، وأصعب النتائج بما يفرض من تغيير للمصائر.
دمشق تخفي عن طهران أسراراً في مفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل، تماماً مثلما ان طهران تخفي أسرار مفاوضاتها غير المباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، فكيف بالمباشرة كما يحدث في اللجان الأمنية المتعلقة بالعراق. لهذا يحق لدمشق لدى مساءلتها من طهران، أن ترد: أعلمونا نعلمكم. وإذا كان الملف الإسرائيلي يعنيكم لأنه من صلب فكركم والأساس للوصول في حركتكم السياسية إلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط، فإن العراق مثلاً يعنينا كقضية قومية وأمنية قومية.
"السلة" و"الحزمة"
مهما حاول المتفاوضون حصر التفاوض في قضية مركزية، فإن ذلك ليس إلا نوعاً من إخفاء الغابة بشجرة واحدة. دمشق تتفاوض مع إسرائيل حول استعادة الأرض أو الجولان مقابل السلام الشامل. في الحقيقة والواقع أن المفاوضات تشمل حكماً "حزمة" كاملة من الملفات والقضايا تبدأ بمستقبل المياه وعملية تقاسمها بالتعاون مع تركيا وتموضع الجيوش والأراضي المنزوعة السلاح وصولاً إلى العلاقات مع "حزب الله" وتسليحه والعراق وأمنه وفلسطين وما في قلبها وحولها خصوصاً العلاقات مع المعارضة الفلسطينية المقيمة في دمشق والأهم مع حماس والجهاد، وأخيراً وهو الأهم بالنسبة للإيرانيين مستقبل العلاقات مع بلادهم وطبيعة الشراكة القائمة الآن وغداً. على هذه الإجابات السورية سيتم بناء العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، ذلك أن الفارق كبير جداً بين السلام البارد والتطبيع الرسمي، والسلام الحار والتطبيع الشعبي.
أما بالنسبة إلى طهران، فإن "السلة" أكبر بكثير، ولا بد للمفاوضات مع الولايات المتحدة الاميركية من ان تطال ما فيها "حزمة" بعد "حزمة"، وذلك متى دق جرس التفاوض الحقيقي والشامل. فالملف النووي وإن كان قمة "جبل الجليد"، فإن الجزء الغارق بين المياه ضخم جداً. ومن الطبيعي جداً ان تكون طبيعة العلاقات العدائية مع اسرائيل إلى درجة الايحاء احياناً بالرغبة بمحوها عن الوجود، في صلب هذه المفاوضات وكذلك مستقبل العلاقات مع دمشق و"حزب الله" وحركة "حماس".
لا شك ان الحلقة الأكثر حساسية في كل ذلك هي لبنان و"حزب الله"، لأنها تعني مباشرة وإلى درجة ما مصيرية، الأطراف الثلاثة دمشق وطهران وتل أبيب. فالشراكة السورية ـ الايرانية التي بدأت مع مطلع الثورة في ايران على يد الامام الخميني والرئيس حافظ الأسد، قويت وتوسعت ووجدت في لبنان حلقة مركزية لها، خصوصا وأن دمشق أرادت دائماً ارضاً ورجالاً تواجه عليها وبهم اسرائيل من دون ان تطال المواجهة ارضها وبشرها، وطهران كانت تريد ترجمة موقفها الفكري في مواجهة تكون من خلالها وهي البعيدة قريبة وحاضرة دائماً.
"حرب الورود"
الحضور الايراني المباشر تمثل في ولادة "حزب الله" الابن الشرعي والوحيد للثورة الاسلامية في ايران. ولا شك ان التحول العميق حصل مع المقاومة وما حققته من انجازات في مواجهة اسرائيل، لكن هذا الحضور الايراني عبر "حزب الله" فرض بعد الانسحاب الاسرائيلي عام 2000 ومن ثم بعد نصر حرب تموز 2006، سؤالاً مركزياً، مهما حاول الطرفان الايراني والسوري إخفاءه لا يمكنهما النجاح فيه: من هو صاحب القرار الأول في لبنان طهران ام دمشق؟. وما العمل اذا نجحت المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية، ذلك اذا كانت دمشق ما زالت تملك القرار، فإن عملية ضبط "حزب الله" وحتى التضحية به عبر تحويله إلى حزب سياسي شيعي (لا بد ان يضم وجوده عبر الزمن والتحولات) تصبح عملية سورية يمكن التحكم بآلية تنفيذها. اما اذا كانت طهران صاحبة القرار، فإن الأمر سيختلف كثيراً لأن مستقبل "حزب الله" ومصيره مرتبط بنهاية مسار المفاوضات الايرانية ـ الاميركية وليس بالسورية ـ الاسرائيلية.
امام كثرة الأسئلة وندرة الإجابات، فإن ما يجري يؤشر إلى عامل اساسي بدأ بزرع بذوره في البيت المشترك الدمشقي ـ الطهراني، وهو الثقة. ولا شك انه متى دخل الشك "البيت" فإن الخوف كما يقول الغربيون من اشتعال "حرب الورود" يصبح ممكناً جداً إلى درجة تقتضي الكثير من الجهود والشجاعة لإبعاد النار عن الداخل.
حقيقة المفاوضات ما زالت بعيدة عن المعرفة وحتى التدقيق ويمكن لدمشق ان تقول لطهران: ما نريده فك الحصار عنا، وقد نجحنا في ذلك. اما الباقي فإن كل نقطة من كل تفصيل من التفاصيل الكثيرة تتطلب وقتاً طويلاً يتجاوز الحاضر إلى المستقبل، فلماذا العجلة والشكوك؟. والايرانيون يمكنهم ان يقولوا: ونحن نريد الحصول على قوتنا النووية بأقل ما يمكن من الحصار والعقوبات، اما الباقي فإنه ما زال بعيداً.
رغم كل الحجج المتبادلة، فإن المشكلة الحقيقية أنه حتى الآن كان لدمشق وطهران مسار واحد في العمل والتفاوض، الآن اصبح لكل منهما مسار منفصل ويريد كل طرف توظيف مسار الآخر لمصلحة مساره. اللعبة صعبة جداً بانتظار جلاء الوضع كله مع دخول رئيس اميركي جديد إلى البيت الابيض في واشنطن لتتضح كل المسارات.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00