بعد سنوات سبع على الجريمة الكارثية التي وقعت في 11 أيلول 2001، التي دمرت مركز التجارة العالمي في نيويورك وأوقعت نحو ثلاثة آلاف قتيل، أين أصبحت "الحرب العالمية الثالثة ضد الارهاب"، التي أطلقها الرئيس جورج بوش غداة الكارثة؟.
واضح جداً، أن هذه "الحرب" هي اليوم أطول "الحروب العالمية"، فقد أنهت عامها السابع، وما زالت كما يبدو في بداياتها. لا الارهاب توقف أو قُضيَ عليه، ولا القرار بتوقف التحالف الدولي عن متابعة الحرب يبدو في الأفق. الهزيمة ممنوعة، والانتصار معلّق.
العراق "بيرل هاربر" الجديدة
أسامة بن لادن "الأب الروحي" لتنظيم "القاعدة"، والدكتور الظواهري "رجل التنفيذ والتوجيه"، ما زالا فارين بين جبال "تورا بورا" ومنطقة القبائل على الحدود المشتركة الأفغانية ـ الباكستانية. أما "الطالبان"، فإنهم نجحوا في اعادة تنظيم صفوفهم رغم انتشار سبعين ألف جندي من الحلف الأطلسي والتحالف الدولي تحت القيادة الأميركية. الأسوأ من ذلك أن "الطالبان" بعد أن نجحوا في تصعيد عملياتهم طوال الصيف الحالي، يستعدون باعتراف الأميركيين لشنّ هجمات "مذهلة" في الشتاء القادم داخل أفغانستان وفي منطقة القبائل الباكستانية.
الآن يصف الخبراء وحتى بعض عواصم "التحالف"، الوضع في أفغانستان بأنه "مستنقع" لا يمكن الخروج منه بسلام ولا بسرعة، خصوصاً أن هذا "المستنقع" له تاريخ طويل في مقاومة الأجنبي من الاسكندر الى الانكليز وصولاً الى السوفيات وحالياً الأميركيين ومعهم التحالف. المشكلة الكبرى في كل ما يحصل أن الحرب ضد الارهاب تحولت الى مواجهة دامية مع الأفغان. كان يقال يجب الحذر دائماً من الخلط بين المقاومة والارهاب. ما حصل ويحصل حالياً، هو خلط الحلفاء والأطلسي في حربهم الواسعة بين الارهاب والمدنيين، حيث كل مدني يقتل، يدفع عائلات بكاملها للانضمام الى "الطالبان".
أيضاً، وهو جزء أساسي من مسلسل الكوارث لهذه الحرب، ان استقرار باكستان الهشّ أصلاً، يزداد يوماً بعد يوم تعرضا لمزيد من الضربات والامتحانات. 1200 قتيل مدني سقطوا خلال عام واحد، ونظام الرئيس مشرف. أخطر ما يتعرض له السلام العالمي الى جانب انتشار "الطالبان" و"القاعدة"، أن باكستان دولة نووية لا يمكن مجرد التصور إمساك مجموعات متطرفة بمفاتيحها.
الحل سياسي وعسكري معاً
الولايات المتحدة الأميركية نجحت في هذه الحرب في ابعاد الارهاب عن داخلها. منذ 11 أيلول 2001 لم تقع جريمة ارهابية على أراضيها، هذا انتصار يسجل لأجهزة الأمن الأميركية، لكن ماذا عن تنقل الارهاب في ارجاء العالم وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. الأميركيون لم يصدروا ارهاب "القاعدة" الى العالم العربي، لكن فشل "الحرب العالمية" حتى الآن ساهم في دفع "كرة النار" للارهاب بسرعة وقوة الى مجتمعاتنا الهشة فأحرقت النفوس قبل أن تحرق الأرض وتقتل الأبرياء.
واشنطن ـ بوش فشلت في ربح "الحرب العالمية الثالثة" ضد الارهاب، لأنها وضعت استراتيجية فاشلة. بدلاً من أن تركز هذه الحرب على مصدرها وهو أفغانستان، اخترعت حرباً في العراق.
كان يجب أن يسقط نظام الرئيس صدام حسين، لكن ليس عبر الغزو الأميركي وتحت حجج ثبت نهائياً كذبها وانها حيكت عن سابق تصور وتصميم. الحرب ضد العراق حرفت الأنظار والقدرات القتالية عن الهدف الأساسي. واشنطن الثنائي بوش ـ تشيني، أرادا نفط العراق، فارتكبا باسمه كل الخطايا والأخطاء القاتلة.
الآن يقال في الغرب، ان الحرب ضد العراق كانت تنتظر حجة لتشريعها أمام الرأي العام الأميركي، فجاءت جريمة نيويورك لتقيم الحجة. أخطر من ذلك، أن بعض الخبراء يتهمون الادارة الأميركية بأنها استخدمت الكارثة لشن الحرب ضد العراق، أما أفغانستان فلم تكن أكثر من ستار لهذه الحرب. آخر ما قيل صدر في كتاب لدايفيد راي غريفين بعنوان "بيرل هاربر الجديدة". والكتاب يقرأ من عنوانه، كما شرع هجوم اليابان على بيرل هابر اندفاع العملاق الأميركي الى الحرب ضد النازية واليابانيين، فإن كارثة 11 أيلول فعلت فعلها في الحرب ضد العراق.
حالياً، وفي عز حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، يشدد المرشح الديموقراطي باراك أوباما القول: "أحد أكبر الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبناها بعد الحادي عشر من أيلول هو عدم الانتهاء من عملنا في أفغانستان". السؤال الآن ولفترة طويلة قادمة كيف يخرج الأميركيون من المستنقع العراقي باتجاه أفغانستان للعمل جدياً على تجفيف مستنقع الارهاب في أفغانستان، حيث النجاح في هذه المهمة ينقذ العالم كله وليس الولايات المتحدة الأميركية؟.
العالم العربي خصوصاً، رابح كبير من الانسحاب الأميركي من العراق. عودة العراق الى مكانه الطبيعي مهم جداً وتاريخي. وتجفيف مستنقع الارهاب في أفغانستان، يساهم بقوة في ضرب قوى الظلام والارهاب المنتشرة من الجزائر الى غزة ولبنان تحت أسماء مختلفة.
واجبات الشراكة
الانتصار في "الحرب العالمية ضد الارهاب" وخصوصاً "القاعدة" ممكن جداً. لا تكفي القوة العسكرية لتحقيق هذا الانتصار. الحل العسكري وحده عاجز. يجب المزاوجة بين الأمني والسياسي والاقتصادي. ضرب "القاعدة" ضروري لكن يجب تجنب ضرب المجتمع الأفغاني في بشره وتقاليده وعقائده.
مسألة تغيير المجتمع الأفغاني مهمة معقدة وطويلة. التنمية الاقتصادية تساهم أيضاً في ذلك. مثلما ان اقتلاع زراعة الأفيون مع ايجاد البديل عنها تؤمن تجفيف مصادر التمويل لـ"الطالبان"،فإن تركهم يندفعون في هذه الزراعة لكسبهم، فذلك مثل "لحس المبرد"، يدمي أكثر مما ينفع.
تنظيم "القاعدة"، هو "عقيدة وليس جيشاً"، لكن "نسيج" هذه العقيدة مزروع بالعقد القاتلة. هذا التنظيم لم يقدم شيئاً لخدمة القضية الفلسطينية، بالعكس وجه اليها الطعنة تلو الطعنة في ظهرها. وهو أيضاً دفع باتجاه احداث شرخ زلزالي بين السنة والشيعة خصوصاً في العراق. وهذا التنظيم يدفع الى خلخلة المجتمعات العربية المختلفة بين المسلمين والمسيحيين باسم الحرب ضد "الصليبية الجديدة". كلما عادت الوحدة الى هذه المجتمعات العربية، وتوحد المسيحيون مع المسلمين، والسنة مع الشيعة كلما ساهم العرب بقوة في هذه الحرب ضد الارهاب.
مهما كانت دوافع ادارة بوش لشن الحرب على العراق وهمية أو كاذبة فإن المساهمة في هذه الحرب مطلوبة عربياً وهي أكثر من ضرورية من أجل البقاء أولاً ومن ثم البناء ثانياً، خصوصاً في العراق وفلسطين ولبنان. المصالحة والوحدة في داخل مجتمعاتنا واجب. في هذا الانتصار تكمن هزيمة "عقيدة" "القاعدة"، التي هي "عقدة أخيل" القاتلة.
أن يشارك العرب في الحرب ضد الارهاب بالعمل على ضربه في "عقدة أخيل" وهي عقيدته مصيري، لكن أيضاً من باب واجبات الشراكة وحقوقها أن يقوم الشريك الآخر، وهو أساساً الولايات المتحدة الأميركية بتحريك مسارات حل النزاعات داخل العالم العربي وأولها النزاع العربي ـ الاسرائيلي، هذه المشاركة ضرورية واساسية ايضاً في تجفيف خزانات اليأس والحقد، التي تنتج يومياً أنواعاً جديدة من العنف الأسود.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.