المراهنة على وقوع حرب اقليمية واسعة بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الاسلامية في ايران، أو حرب لبنانية ـ اسرائيلية لكسر الدائرة المقفلة بإحكام حول المنطقة ولبنان، لانتاج مسار لصياغة موازين قوى تقلب المعادلات والأحوال، فيها الكثير من الخفة والاتكالية السياسية المحبطة. هذا النوع من الرهان، خاسر في جميع الأحوال ومهما كانت النتائج.
لا أحد سيخرج رابحاً من هكذا رهان. المنتصر في الحرب ـ اذا وقعت ـ خاسر أيضاً إذ لا يكفي أن يربح طرف ما مثل هكذا حرب حتى يعلن منتصراً. يجب حساب حجم الأرباح والخسائر ومراقبة نتائجها على المدى القصير والأهم الطويل. ايران لن تزول من الخريطة. اسرائيل أيضاً لن تزول. الولايات المتحدة الأميركية لن تهزم، لأن ثمن الهزيمة ضخم جداً. كل ما سيحصل وقوع خسائر غير محدودة، ترفع درجة الأحقاد فوق المقاييس المعروفة، التي تؤسس لحروب أخرى أشرس وأعنف.
لكل أزمته
واشنطن، وتل ابيب وطهران و"حزب الله" ودمشق يعرفون هذه المعادلة بدقة. جميع هذه القوى تصعد خطابياً وتسأل عن الطريقة التي يمكن تلافي وقوع هذه الحرب أو تلك.
واشنطن تريد بلا شك اسقاط نظام آيات الله في طهران، بشرط عودة ايران تحت خيمتها عاجلاً أم آجلاً. والنظام الاسلامي يريد كسر ارادة واشنطن وهو يعلم أن هزيمتها مستحيلة. تل ابيب تريد ضرب القوة النووية الايرانية سواء كانت سلمية أو حربية لأنه بعد سقوط بغداد، لم يبقَ أمامها سوى طهران. لكن ليس بدء الحرب مثل انهائها. خصوصاً اذا لم تشارك فيها واشنطن جدياً وفعلياً ومباشرة. وهذا كله لا يبدو في يد اسرائيل لأن المستقبل يصنع اليوم وغداً في أفغانستان، والعسكر في أميركا يعرفون أكثر من غيرهم أنه لا يمكن مواجهة ثلاث حروب في وقت واحد، وأكثر من ذلك أن ربح الحرب في أفغانستان لا يمكن من دون تعاون مباشر من الايرانيين.
اسرائيل ايضاً تريد من كل قلبها وارادتها، الثأر من "حزب الله" بسب هزيمتها في حرب 2006 حتى لا تصبح تلك مثالاً للعرب في الغد ان لم يكن اليوم. لكن اسرائيل تريد تحقيق ذلك في حرب خاطفة وهذا مستحيل. زمن الحروب الخاطفة ولّى. "حزب الله" يريد الثأر لقائده الشهيد عماد مغنية، لكن دون الانزلاق نحو حرب مفتوحة مع اسرائيل. لكن الطموح والرغبة شيء والواقع شيء آخر.
دمشق حالياً لا تريد الحرب، خصوصاً اذا كان عليها أن تدفع من "كيسها"، وأن تكون أرضها مفتوحة أمام المواجهة. حالياً تخاف دمشق بعكس ما حصل في حرب تموز 2006 عندما شجعت وحرضت ودفعت "حزب الله" نحو الحرب واطالة مدتها بأقصى ما يمكنها. الخوف في دمشق من أن معادلات الحرب التي ستفرضها النتائج، ستكون على كاهلها. طالما ان الانتصار صعب، فستكون شريكة بالخسارة. اضعاف طهران وهي لا شك ستخرج من اي حرب ضعيفة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً خصوصاً في أي حرب مع الأميركيين، سيضعفها. أي ضعف يصيب "حزب الله" سيضعفها، المناورة بالحليف القوي دون خضوعه لعمادة النار أنجح وأسلم خصوصاً في زمن المفاوضات غير المباشرة وصولاً الى المفاوضات المباشرة.
الأخطار المشتركة
كل هذه الأطراف والقوى مأزومة، وأزمتها حقيقية وعميقة. ماذا يعني أن تتبع اسرائيل استراتيجية "السجادة الخضراء" ضد لبنان، اسرائيل تقول أن خيار حالوتس أصبح خيارها. اي القصف الجوي المستمر على مساحة لبنان لا تبقي ولا تذر من البنى التحتية بشكل شامل على أي من المطار الى الكهرباء والمياه مروراً بالطرقات والجسور. لكن كل ذلك لن يصنع انتصاراً. اسرائيل تراهن على انفجار الجبهة الداخلية اللبنانية في وجه حزب الله. اذا حصل هذا الدمار ماذا يبقى أمام اللبنانيين من خيار آخر غير المواجهة.
ما حصل عام 1982 لن يتكرر لأن الحرب ليست ضد المقاومة الفلسطينية والفلسطينيين، انها ضد لبنانيين. أمام هذا كله يقال أن اسرائيل تبحث عن سيناريو القيام بعملية محدودة تماثل عملية فكفكة الرادار في مصر أثناء حرب الاستنزاف تثير ضجة وجرحاً معنوياً. ومن ذلك محاولة خطف أي مسؤول سياسي أو عسكري مهم وضرب موقع مميز مثل مخازن لسلاح الصواريخ.
"حزب الله" ايضاً لا يريد المواجهة الكبيرة. وهو مدرك أن عامين قد مضيا ولم يتم اعادة بناء ما تهدم وهو محدود جداً بقياس الدمار الذي سيحصل اذا ما وقعت هذه المواجهة. ولذلك يفكر ويعمل اذا ما صدقنا الاسرائيليين، على خطف اسرائيليين في الخارج لكن مثل هذه العملية ستستغلها اسرائيل لدمج المقاومة بالارهاب وهي قادرة على ذلك، ومن ثم لا أحد يضمن شيئا بعد ذلك. فتح مثل هذه الجبهة الخارجية خطير جداً على موقع المقاومة أولاً في العالم، وثانياً على الجاليات اللبنانية في الخارج وأخيراً ان اسرائيل تملك قرار التعاون الأمني الدولي في مثل هذه الحالة.
وضع كل هذه الدول شيء، ووضع "حزب الله" شيء آخر. أزمة الحزب أعمق لأنه بمواجهة خيارات كل واحد منها أصعب من الآخر. الحرب خطرة والصمت خطر. انتظار نتائج المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية خطر. انتظار نهاية الطريق بين واشنطن وطهران، خطر. أمام هذه الأخطار، لا يعود أمام الحزب سوى اعادة رسم دقيقة لموقعه في الجبهة الداخلية. الحل في بناء خطوط دفاعية له عبر الانفتاح على القوى التي تحارب معها. الخنادق والتخندق لا يحميه. حتى الامساك بشرايين السلطة في لبنان، بالتحول من خلال تحالفه مع العماد ميشال عون الى أكثرية غير مقبول دولياً. باريس خصوصاً التي تقود الانفتاح على دمشق وتفتح أمامها أبواب أوروبا حالياً وواشنطن غداً، لن تقبل بمثل هذا الانقلاب حتى ولو كان ظاهره شرعياً.
باريس لن تدعو الى مقاطعة مثل هذا النظام كما يحصل في غزة ضد حركة حماس بسبب خصوصية علاقتها مع لبنان والقوى اللبنانية، لكنها لا تخفي ابداً أنها ستستخدم قواها ونفوذها لمنع حصول مثل هذا الانقلاب. ربما المقصود بذلك افهام دمشق أنه غير مقبول الجمع بين الانفتاح وتحقيق انقلاب في الداخل اللبناني. ايضاً على "حزب الله" أن يجيد صياغة معادلة تحفظ له حضوره وقوته وتمنع عنه وقوع مثل هذه الحرب المفتوحة عليه.
لا شك ان الانتظار يتم على حافة الهاوية والسير يجري فوق حقول من الألغام. اي خطأ في الحسابات أو التقديرات، قاتل هذه المرة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.