8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"الموساد" أو "العسكر" في زعامة إسرائيل لن يغير المسارات، والمذابح الفلسطينية ـ الفلسطينية تفصل غزة عن الضفة

بدأت مرحلة ما بعد ايهود اولمرت في إسرائيل. هذا التغيير يعني العرب ايضاً، وتحديداً دول الحدود المشتركة، أو ما كان يطلق عليها دول المواجهة. بين اتفاقات السلام الموقعة، والتفاهمات الضمنية، انحصرت المواجهة بلبنان. دفع لبنان الثمن غالياً من دماء أبنائه واقتصاده، فإذا بالأوضاع تؤشر إلى انه زرع، والآخرون يحصدون، وقد يكون التفاهم على وضعه مستقبلاً من بين هذا الحصيد.
نهاية الأحلام
غداً ستكون حكومة إسرائيلية برئاسة تسيبي ليفني (على الأرجح) أو شاوول موفاز. يبدو ان أي تغيير حقيقي لن يحصل. المتوقع أن تمر إسرائيل بمرحلة انتقالية، قد تمهّد الطريق لزعامة بنيامين نتنياهو. الإسرائيليون ليسوا متفائلين من هذا التغيير. يرون ان حزب "كاديما" هو "حزب بلا ايديولوجيا ولا مواقف ولا مبادئ ولا جدول أعمال مشترك"، ما يؤلم الإسرائيليين خصوصاً الخبراء منهم "ان إسرائيل لم يعد لديها زعماء يقودونها لديها سياسيون يديرون شؤونها". وهذا خطير جداً على مصير الدول ومستقبلها. بعض الأقلام القاسية، تقول أصبح الهم مشتركاً بين العرب وإسرائيل. الزعماء يستشرفون المستقبل ويبنون على ذلك استراتيجيتهم. السياسيون يديرون السياسة يوماً فيوم، مع ان للغد أمراً آخر ومفاجآت غير محسوبة.
يهودا اولمرت استفاق وهو يستعد لمغادرة السلطة فأقر بأن حلم إسرائيل الكبرى قد انتهى، وانه يجب تقديم تنازلات مؤلمة لاقامة السلام. الجميع يتكلم منذ سنوات عن هذه التنازلات، لكن لا أحد لديه الجرأة كما يعترف إسرائيليون، ما هي طبيعة هذه التنازلات وأهمها إعادة الجولان إلى السوريين وإقامة الدولة الفلسطينية. أما أسطورة إسرائيل الكبرى، فقد سقطت منذ سنوات طويلة، خصوصاً منذ اوسلو يوم ذاك تنازل الإسرائيليون في نهاية المفاوضات وتوقيع الاتفاقات عن هذا الحلم لأنهم قبلوا بقيام دولة فلسطينية، والفلسطينيون تنازلوا عملياً عن حلم التحرير من "النهر إلى البحر" وعودة كل اللاجئين الفلسطينيين. عندما اعترفوابوجود دولة اسرائيل. أكثر من ذلك عندما اقامت إسرائيل "جدار العار" بحجة حماية سكانها من الفلسطينيين خطّت على الأرض حدوداً لها سواء كانت صحيحة أو مرفوضة، المهم أن خطاً قد رسم بالجدران المسلحة على الأرض. تعديل هذه الخطوط، متروك للمفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والفلسطينيين الذين تساءلت غولدا مائير في مطلع السبعينات بسخرية: "دلوني أين هو هذا الشعب الذي تتحدثون عنه".
هذا الشعب الفلسطيني، موجود الآن. تسيبي ليفني الطموحة جداً لكي تصبح غولدا مائير ثانية مضطرة للتعامل مع هذا الشعب وللتفاوض معه يومياً وربما تنتج تلك المفاوضات على يدها أو على يد خليفتها "الدولة الفلسطينية".
مجزرة صبرا وشاتيلا
الفلسطينيون عاشوا في اليوم الذي خضع حزب "كاديما" لاستحقاق انتخاب رئيس له، ذكرى مخيم صبرا وشاتيلا. في مثل هذا اليوم، كان الجنرال ارييل شارون يتفرج بمنظاره على مجزرة رهيبة في أزقة المخيم. الجريمة وقعت بأيدي لبنانية مجرمة وبأمر إسرائيلي. الفلسطينيون وهم من أكبر وأهم الشعوب المناضلة الصابرة، لم يتعلموا للأسف من تاريخهم. الآن يقيمون المذابح ضد بعضهم البعض، وهم تحت سكين الاحتلال الإسرائيلي.
مجزرة صبرا وشاتيلا لم تنجح رغم خسائرها الفادحة، لأن الفلسطينيين صمدوا ولم يتهجروا أو يهجروا. تضامن جزء كبير من اللبنانيين والعالم معهم، ساعدهم في ذلك. الآن ما يجري يحقق طموحات إسرائيل أي فصل غزة عن الضفة الغربية، والأخطر تحقق لإسرائيل هدفاً أهم وهو تغييب الطرف الفلسطيني المفاوض. العنف في غزة يولد اشكالاً أكثر عنفاً ودموية. بعد حركتي "حماس" و"الجهاد"، ها هي "القاعدة" تحت أسماء لا تعني شيئاً طالما ان خطها واحد. حتى "الجهاد" التي كانت على يسار "حماس"، ولد منها تنظيم جديد لا يمتنع عن خرق الهدنة في "رمضان" لاعلان وجوده. معاناة الشعب الفلسطيني في غزة لا تعنيه شيئاً، لو كانت تعنيه لما أقدم على ما امتنعت "حماس" عن القيام به ولو موقتاً. السؤال الآن كيف ستتصرف "حماس" في مواجهة هذا العنف، وهل سيبقى ردها محصوراً في ضرب "العائلات" وخلخلة البنى الاجتماعية العشائرية المعروفة في غزة؟
مربعات ومصالحات
لبنان يعنيه أيضاً التغيير في إسرائيل، سواء انتخبت تسيبي ليفني القادمة من "الموساد" أو الجنرال شاوول موفاز الآتي من "العسكر"، لبنان سيبقى في "عين الاعصار". الحوار والمصالحات اثرهما محدود جداً. المشكلة ان كل دعوة للحوار في منطقة، يقابلها انفجار مفاجئ في منطقة أخرى. كان المقصود تحويل لبنان إلى مربعات تتحكم بها زعامات محلية سواء كانت ضمن مشروع كبير أو محلي. بدل أن يكون لبنان مساحة مفتوحة على بعضها البعض يشكل الاتصال والتواصل بين المربعات مساحة مفتوحة على نشوء نظام جديد على قياس اللبنانيين لا هو فيدرالي ولا هو لا مركزي واسع، بانتظار المستقبل.
أمام اللبنانيين رغم كل ذلك فرصة للتعويض عن خسارتهم لفورة أسعار النفط التي كما يبدو انتهت مع عودة سعر برميل النفط إلى ما دون المئة دولار وصولاً كما يقال إلى السبعين دولاراً، وهو سعر معتدل وحقيقي وعادل، كما يقول الخبراء. هذه الفرصة تبدو في امكانية توجه بعض رؤوس الأموال العربية من المضاربات في الأسواق العالمية وخصوصاً الأميركي، منها إلى أسواق هادئة حيث الوعود بأرباح خارقة مستبعدة، لكن ايضاً امكانية وقوع خسائر كارثية مستحيلة.
مطلوب فقط مزيد من التهدئة والمصالحات والحوار الهادف باتجاه صياغة حلول موقتة جدية ولو لمدى متوسط. فهل يقدم اللبنانيون على ذلك، أم ان لعبة "الحارات" ستبقى لعبتهم المفضلة؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00