8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"حزب الله" اطمأنّ الى الاعتراف به لاعباً ثابتاً واستراتيجيته متحركة على وقع التقديرات الاقليمية

استمرار التهدئة في لبنان، عنوان أساسي لمسار الديبلوماسية الفرنسية. باريس تراقب بانتباه شديد تطورات الوضع اللبناني، حتى لا يحصل أي انزلاق يؤدي الى تعريض التهدئة لخضّة قاسية قد لا يمكن ضبط ارتداداتها على المدى المنظور، خصوصاً في ظل التطورات الاقليمية والدولية. لذلك ترحب باريس بأجواء المصالحات الجارية واللاحقة، لأنها تشكل "الاسمنت" المطلوب للتهدئة والهدوء.
صلابة الحريري وتماسك الاعتدال
الأوساط الفرنسية المطلعة ترى، أن صلابة النائب سعد الحريري ونجاحه في تحقيق الإجماع حوله خصوصاً داخل السنّة أهم ما حصل في إطار ذلك، وأن 7 أيار لم يضرب زعامة الحريري المعتدلة، بالعكس لقد نجح في تصويب بعض المسارات والتوجهات وعادت للالتفاف حوله. لذلك يُلاحظ اليوم أن هامش المعارضة داخل الطائفة السنية وخصوصاً بعض زعاماتها التي لها علاقات مع دمشق قد ضاق. كل هذا ساهم كثيراً في دفع "قطار" التهدئة، بانتظار الاستحقاق الكبير والحاسم أي الانتخابات التشريعية.
ما يساهم أيضاً في اندفاع "قطار" التهدئة، أن "حزب الله" يريد ذلك بقوة، لأسباب تتعلق به وبالمنطقة. "حزب الله" أصبح مطمئناً باعتراف مختلف الأطراف به "لاعباً ثابتاً وأساسياً في لبنان"، ولذلك يريد الاستمرار في "اللعب على مساحة الخريطة السياسية اللبنانية بإطمئنان"، وفي الوقت نفسه الاستعداد دائماً للتأقلم في حركته مع الخارج، فحزب الله "حزب لبناني له امتدادات اقليمية"، لذلك كل التطورات الاقليمية تنعكس فوراً عليه وعلى حركته وحتى على استراتيجيته.
فالحزب وهو يلاحق الوضع الداخلي ويؤثر في حركته، يعلم جيداً أنه في لحظة معينة قد يجد نفسه مضطراً للذهاب نحو وضع استراتيجية جديدة، سواء لحمايته أو لتثبيت وجوده. بهذا فإن أولويات الحزب قابلة للتغيير، فما هو اليوم ضرورة ملحة يجب العمل للمحافظة عليه، يمكن أن يصبح غير مهم وغير أولوي والعكس صحيح بما يتعلق بوضع أو ملف آخر لم يكن أولوياً.
حالياً ليس همّ "حزب الله" أن يأخذ السلطة في لبنان كما ترى أوساط مطلعة في لبنان. وهو يفضل التأثير في السلطة، سواء في تشكيلها أو قراراتها الاستراتيجية وخطها العام. و"الحزب" يعلم جيداً أنه لا يستطيع أخذ السلطة حتى ولو أراد ذلك، لأنه ليس من صالحه أن يأخذ السلطة، مثل هذه العملية تسهّل ضربه. سهولة عزله مذهبياً، قائمة، وهي تشكل "خاصرته الضعيفة"، ليس لبنانياً وإنما عربياً، خصوصاً في هذه الفترة.
أكثر من ذلك، لا يستطيع حزب الله استراتيجياً الاندفاع نحو أخذ السلطة ولو كان متسلحاً بنتائج الانتخابات التشريعية المقبلة إذا ما فاز بها فوزاً ظاهراً ومؤكداً، لأن أي محاولة قد تؤدي الى كسر التزامه بالكيان اللبناني، في وقت اضطرت فيه حليفته سوريا الى طي صفحة تاريخية والاعتراف بلبنان كياناً مستقلاً، وتستعد لإقامة علاقات ديبلوماسية معه.
أمام هذا الواقع، يقدم "حزب الله" نفسه على أساس أنه يحمل "مشروعاً وطنياً"، وليس مشروعاً خاصاً به.
ولذلك إصراره على التحالف مع الجنرال ميشال عون. فالجنرال شكل في الفترة السابقة "ورقة التوت" له، فلم يُحاصر في الخانة المذهبية. وفي هذا الإطار يرغب الحزب بأن يستمر التوافق في آليته الحالية أي حكومة توافقية تضم مختلف القوى السياسية لأنها بقدر ما تؤكد على الاستمرار في متابعة تنفيذ اتفاق الدوحة، بقدر ما تخفف عنه أعباء اتفاق الطائف.
الدولة "المتوازنة"
"سقف" مشروع "حزب الله" الدائم غير المعلن رسمياً تعديل اتفاق الطائف، أو تغييره. الهدف من ذلك الوصول الى القبول بالمثالثة بدلاً من المناصفة. عندما يشدد الحزب على مطالبته بأن تكون الدولة اللبنانية "دولة عادلة وقادرة ومتوازنة" إنما يؤشر الى هذا "السقف"، "العدالة والتوازن" تعني المثالثة لأن المناصفة غير عادلة ولم تعد تنتج التوازن. لكن هذا الهدف وإن كان مرغوباً إنما حالياً غير ممكن. فالمعادلات الداخلية والخارجية تحدد في اللحظة المناسبة الدخول في هذا المسار التغييري.
ما يساهم في تحلي "حزب الله" حالياً بالهدوء والعمل على نشره، أن الملفين اللذين يعنيان حركته المتأثرة بالخارج، وهما الملف النووي الإيراني والمفاوضات غير المباشرة بين دمشق وإسرائيل، لم ينضجا بعد. فلا الملف النووي الإيراني موضوع على سكة دفع المنطقة نحو الحرب، ولذلك فإن طهران ترغب بإبقاء الجبهات التي تعنيها وخصوصاً لبنان هادئة، ولا المفاوضات وصلت الى نقطة تتطلب أقدام دمشق على التخلي عنه، خصوصاً وأن "ثمنه" هو الأعلى بين كل الملفات المطروحة على المقايضة.
أخيراً، فإن الواقع والتطورات الجارية في لبنان في إطار مسار الانتخابات التشريعية تطمئن أوساط فرنسية مهتمة بلبنان. لا تخاف باريس من حصول نتائج انتخابية انقلابية، بمعنى حصول المعارضة على أغلبية مطلقة تؤدي الى انفراد المعارضة بالسلطة وتشكيلتها، ما يعني عملياً وضع "حزب الله" يده عبر المعارضة على الدولة اللبنانية، في هذا الإطار تبدو باريس مرتاحة جداً "لمفاجأة" الرئيس ميشال سليمان.
"المفاجأة"، تحول الرئيس سليمان الى "لاعب أساسي" على الخريطة السياسية اللبنانية وليس مجرد "شاهد" كما كان يظن البعض. حالياً يتحرك سليمان بقوة خصوصاً وأنه يملك أوراقاً عديدة منها الجيش، والحوار، والتعاون والتحالف مع المر الأب والابن، والرئيس أمين الجميّل خصوصاً وأن حزب الكتائب كان دائماً "حزب الدولة"، وأيضاً بما عُرف عن لبنان بأن الأرمن كانوا دائماً مع الرئاسة اللبنانية بشكل أو بآخر. لذلك فإن الجنرال عون وقد شعر بهذه القوة الصاعدة مسيحياً، قد توجه الى "الأطراف" لعله يكسب موقعاً وعملياً نائباً يعوّض به خسارته في "المركز" علماً أن ربحه لأي نائب في الأطراف سيبقى ملتبساً لأنه يُطالب به من "كيس" "حزب الله" مباشرة.
أمام هذه الخطوط الواضحة للوضع في لبنان، تبدو باريس مطمئنة لاستمرار الهدوء وتطوره، هذه المرة نحو تأكيد تثبيت الاستقرار من دون أي ضمانة لحجم انعكاسات الوضع الهش والمتقلب في منطقة الشرق الأوسط.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00