8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"الحرب الدولية الرابعة" لإنقاذ الاقتصاد الدولي تلغي اشتعال الحروب الصغيرة المكلفة وتفرض سياسة التهدئة والمصالحات

أمام اللبنانيين، تبدو باريس منذ انفتاحها على دمشق في موقع الدفاع. مثل باريس التي طالما اعتادت وعوّدت نفسها على الترحيب بكل قرار فرنسي من غالبية اللبنانيين في السابق، يصعب عليها سياسة الدفاع عن مواقعها ومواقفها، خصوصاً أن اللبنانيين اعتادوا "الدلال" و"التدليل" طوال المرحلة الشيراكية بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
كلما اقتربت باريس خطوة من دمشق، وجدت نفسها في مواجهة "هطول" آلاف الأسئلة والتساؤلات اللبنانية عليها، قاعدتها الاساسية: هل قايضتمونا؟ وما هو الثمن؟ ولماذا طالما أنكم تؤكدون يومياً بديمومة العلاقات التاريخية السياسية والثقافية؟
"خط ماجينو"
"خط ماجينو" دفاعاً عن الموقف الفرنسي حول لبنان الذي جرى بناؤه على عجل، والذي تأمل باريس عدم اختراقه بعملية مفاجئة أو حتى بعملية التفافية، يقوم على قاعدة واضحة وهي: نحن وضعنا لأنفسنا "خريطة طريق" واضحة المعالم وثابتة المسارات مع دمشق. نحن لم نضع أو نطالب بتعهدات يمكن نقضها بشكل مفاجئ فتقع الخسارة. ما قمنا به هو التأكيد لدمشق منذ البداية ومع أول خطوة على الطريق، هو أن العلاقات تتطور بقدر تطور سير دمشق تبعاً لخريطة الطريق. نحن لم نعط لدمشق شيكاً على بياض، تضع عليه الرقم الذي تريده وتعطينا ما تريده. كل شيء بثمنه. المصالح دائماً تترجم بالأرقام والأفعال وليس بالكلمات الطيبة.
على أساس هذه "الخريطة" يتم التقدم أو التراجع مع نقطة مضيئة دائماً ان الحوار الفرنسي مع دمشق يبقى متحركاً على أساس تحقيق مصلحة لبنان ومصلحته هي في استمرار استقلاله وحريته وسيادته. تأكيداً لذلك فإن ديبلوماسي فرنسي يقول بوضوح "سيادة لبنان كاملة، لا يمكن لسوريا في أي حالة من الحالات أن تخترق الحدود اللبنانية، تحت اي حجّة بما فيها ملاحقة أو متابعة عناصر إسلامية متطرّفة في شمال لبنان، أو غيره من المناطق اللبنانية. أكثر من ذلك، محاولة "غزو" لبنان تحت أي حجّة يسقط كل شيء من الاتفاقات إلى المسارات، والعودة إلى ما تحت الصفر زائد خيبة شخصية للرئيس نيكولا ساركوزي لا بد أن يكون لها مفاعيلها السلبية جداً.
تشدّد الديبلوماسية الفرنسية، ان تطوير العلاقات مع دمشق، لا يعني مطلقاً أنه بلا كوابح تضبط سرعته بحيث يمكن في لحظة معينة أو مطلوبة التوقف بسرعة عند إشارة حمراء ظهرت عند تقاطع طريق معين. وقد سبق للديبلوماسية الفرنسية أن أشارت بوضوح لدمشق أنه منذ الإعلان عن إقامة العلاقات الديبلوماسية اللبنانية ـ السورية لوحظ وجود بطء سوري في تنفيذ عمل لجان ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وحلّ مشكلة السجناء والمفقودين اللبنانيين لدى دمشق وفي السجون السورية وعملية إعادة النظر في الاتفاقات التي تم توقيعها في السابق بين بيروت ودمشق. ومن الطبيعي انه عندما يؤشَّر ديبلوماسياً لدمشق هذا البطء، فمعنى ذلك المطالبة بالخروج من حالة التباطؤ وعودة السير بالسرعة المعروفة لإنجاح هذه المهمة، لأن لا أحد سيبقى في "المحطة" المطلوبة ينتظر إلى ما لا نهاية.
أيضاً، فإنّ باريس لا تنسى أبداً من التذكير قبل أن تسأل، بأن المحكمة الدولية ليست للمقايضة، لأنها قامت أولاً، وأنها هي التي شاركت في إقامتها وساهمت في دفع ميزانيتها وفي عملية بنائها. وأن الرئيس نيكولا ساركوزي تعمّد خلال مؤتمره الصحافي المشترك مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق في الرابع من أيلول الماضي الحديث باستفاضة عن المحكمة للتأكيد على فصل موقف فرنسا من المحكمة الدولية وعملية التطبيع القائمة مع دمشق، حتى لا يؤدي تفسير الصمت بأنه يعني طيّ صفحة المحكمة في عملية مقايضة مفتوحة على المجهول.
تدافع فرنسا بقوّة عن تطبيع علاقاتها مع دمشق لأنها مصمّمة على ثبات علاقاتها مع لبنان، وفي الوقت نفسه ان فرنسا دولة متوسطة لها مصالحها وهي ليست مضطرة لاستشارة أحد قبل تنفيذ السياسة التي تخدم هذه المصالح. ختام هذه المرافعة الفرنسية الطويلة: إقامة علاقات طبيعية وطيبة مع دمشق تخدم لبنان واللبنانيين.
لا شيكات على بياض
الدليل على نجاح هذه السياسة "الساركوزية" كما تقول باريس، انّ العلاقات الودّية والوثيقة الحالية لفرنسا مع إسرائيل والعلاقات الحارة مع الولايات المتحدة الأميركية ومع العرب، تسمح لفرنسا بلعب دور إيجابي في المساهمة في حل مشكلة الشرق الأوسط وفي دفع عملية المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وإسرائيل عبر تركيا على أمل أن تتحوّل قريباً وبعد الانتخابات الأميركية إلى مفاوضات مباشرة.
وإذا لم يتقبل بعض اللبنانيين الشاكين كل لائحة الدفاع الفرنسية، فإنّ الديبلوماسية الفرنسية تحتج بأن لديها ملفات كثيرة في هذا العالم لمتابعتها، خصوصاً الأزمة المالية الكارثية التي تكاد تتحول إلى 11 أيلول مالي واقتصادي، وأن "حرباً دولية" جديدة يجب ان تعلن بسرعة ضد الجمود الاقتصادي العالمي، وأن يكون هدفها دفع عملية الخروج من هذه الأزمة بعد وقف الانهيارات نحو تماسك "الجبهة المالية" على طريق النمو من جديد. وهذه العملية يجب أن تكون بمشاركة كل الدول المالية العظمى وبمساندة الدول الأخرى القادرة، لأن استمرار الأزمة وعدم الخروج منها بسرعة، سيكون أخطر بكثير من أي أزمة بما فيها عام 1929، فالعولمة أزالت الحدود في كل المجالات والقطاعات، ولا أحد يمكنه أن يحيد نفسه، فالجميع في "مركب" واحد إما يغرق من على متنه وإما ينجو الجميع وإن بتكلفة مختلفة تبعاً لأحجام "الركاب".
أمام اندلاع هذه "الحرب الدولية الرابعة"، وهذا التعبير ليس مزاجياً وإنما حقيقياً، فإنه كلما خفت "الحروب" العسكرية خصوصاً المكلفة جداً منها مثل العراق وافغانستان، كلما كان ذلك أفضل، لأنه إذا كانت الحروب الدولية السابقة ساهمت في دفع العجلة الاقتصادية للدول العظمى، فإن هذه "الحروب الصغيرة" أصبحت "عُصياً" في دواليب العجلات الاقتصادية لدول عملاقة مثل الولايات المتحدة الأميركية.
أمام العالم أشهر صعبة قد تمتد حتى ربيع العام 2009 حين تتوقف مفاعيل الكارثة المالية وارتداداتها. معنى ذلك انتظار الإدارة الأميركية الجديدة لتقدير ما سيحصل. من المضحك المبكي، ان العالم كله كان دائماً مرتبطاً لعقود طويلة بمسارات وتوجهات السياسة الأميركية يقبل بها أو يرفضها فيحاربها. الآن والعالم يستعد للدخول في حالة تعددية الأقطاب، اصبح مضطراً لضبط حركته على وقع نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية.
يبقى أن باريس وفي عودة إلى لبنان تريد استمرار الهدنة الحالية وتقويتها حتى لو تم اختراقها بعمليات إرهابية من تفجيرات أو اغتيالات حتى تجري الانتخابات التشريعية بشفافية تنتج توازناً واضحاً، ويكون قد عُرف الخيط الأبيض من الخيط الأسود أميركياً، مما قد يزيل مخاوف القوى السياسية اللبنانية من بعضها البعض.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00