8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

دمشق توجّه "الرسائل" طلباً لثقة واشنطن وباريس وتل أبيب و"إخافة" اللبنانيين قبل الانتخابات التشريعية

لا يمكن في هذه المرحلة الضبابية والانتقالية، سوى متابعة طرح الأسئلة سواء كانت بسيطة أو معقدة أو بريئة، حتى لو جاءت بعض الإجابات غير واضحة وتزيد الغموض غموضاً. أكبر هذه الأسئلة الملحة والتي تتصدر يوميات المنطقة كلها، ماذا تريد دمشق في هذه المرحلة ومستقبلاً؟
حتى ولو كانت الإجابة أو بالأصح الإجابات عن هذا السؤال لن تكون وافية لكي يتم البناء على مقتضاها، فإن قراءة الوضع الضرورية والملحة تتطلب المحاولة، على أمل الحصول على أكبر عدد من قطع الفسيفساء حتى إذا جاء الوقت المناسب، ظهرت الصورة بكل قياساتها وخطوطها وألوانها وحتى الكثير من ظلال خلفياتها.
القول بأن دمشق التي نجحت في فك العزلة التي ضربتها قبل ثلاث سنوات مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يدل على مقدرتها على رسم وتنفيذ استراتيجية صلبة، واعتماد تكتيك فعال، إنما يؤكد بأن دمشق تعرف ماذا تريد وما هي إمكاناتها لتحقيق النجاح تلو النجاح، هو مثل الايمان الكامل بمطلقية القيادة وصواب اختياراتها في كل زمان ومكان، و"كفى الله الناس شر القتال" والسؤال، علماً أن التطورات والتغييرات أكدت سقوط هذه "المطلقية" خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط في أخطاء وخطايا أنتجت انزلاقات قاتلة لأممها.
"المطبخ السياسي" القديم ـ الجديد
الواضح جداً، أن دمشق مربكة في هذه المرحلة وأنها تقوم من وقت الى آخر بالاستعانة بموجودات ومحفوظات "مطبخها السياسي" القديم، وتعمل على إعادة تسخينها وتقديمها لمن امتهن تصديقها في السابق على أساس أنها "طازجة" ومقدمة من "المطبخ" فوراً.
مهما كابرت دمشق وساعدتها طهران علناً (لا أحد يعرف بالضبط ماذا يجري من مماحكات واحتكاكات بين العاصمتين حالياً) أن المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل هي مجرد حركة لتقطيع الوقت حتى تنتهي الإدارة "الأميركية البوشية"، ويتم فتح مسار جديد في العلاقات، هذا الإنكار شيء والواقع شيء آخر.
دمشق لا ولن تستطيع الانفكاك ببساطة من المسار الذي وضعت نفسها بنفسها عليه وهو المفاوضات مع إسرائيل. وإذا كانت دمشق تأمل بأن تبقى تركيا حليفة لها، وأن تستمر باريس بالانفتاح عليها والعمل على انفتاح واشنطن عليها، وأن تفتح الإدارة الأميركية المنتخبة أبوابها لها، فإنها تعلم أيضاً وبالممارسة عدم قدرتها على توقيت انفكاكها عن هذا المسار بدون خسائر فادحة. فالإدارة الأميركية المنتخبة خصوصاً إذا كانت ديموقراطية، تريد فتح مسار المفاوضات غير المباشرة على مسار عريض بعده خطوط لمفاوضات مباشرة.
الوصول الى نقطة الفصل حيث لا عودة، هو الذي يربك دمشق. في تلك اللحظة لا يعود النفي قابلاً للتصديق سيكون سقوطه مدوياً، فإخفاء الأثمان التي ستستحق "نقداً" وفوراً وليس كما جرت العادة بسندات مؤجلة سيكون مستحيلاً، فماذا ستفعل دمشق مع طهران "خصوصاً وأن الثمن الحقيقي سيكون موقع "حزب الله" ومستقبله".
حالياً تتابع دمشق شراء الوقت في مواضع أخرى لعل ذلك يبني جسوراً للثقة مع واشنطن وباريس، فالثقة ضرورية في المفاوضات وفي تحديد الأثمان في مرحلة المقايضات. دمشق التي كانت طوال السنوات خمس عاصمة "الممانعة والمقاومة"، تحولت بقدرة قادر الى عاصمة قلقة جداً من الإرهاب وهي "تبيع" يومياً قلقها هذا على أساس أنه عابر لكل الحدود وبكل الاتجاهات.
القرار 1701
تذكرت دمشق فجأة القرار 1701 واصبحت "أمه وأبوه". نشر الجيش السوري على الحدود من الشمال الى البقاع الغربي، جزء من ذلك. دمشق بهذه العملية توجه بادرة حسن نيّة لواشنطن وباريس لإثبات رغبتها بمواجهة الإرهاب ومنع تمدده عبر شمال لبنان اليها والى العالم الغربي عبر أوروبا. وإذا ما "اشترت" "واشنطن" وباريس ذلك فهذا عظيم ومنتج.
في الوقت نفسه، رمت القلق والخشية وحتى الخوف في قلوب اللبنانيين بقرب عودة قواتها الى لبنان بحجة منع حصول "إمارة إسلامية"، فيكون الرئيس بشار الأسد قد استعاد "درة" ارث والده الرئيس الراحل حافظ الأسد. وإذا ما تعذر ذلك لألف سبب وسبب، فإن اطلالة الجيش السوري (أين كان في المرحلة الماضية خصوصاً أثناء معركةً "نهر البارد؟") عبر التلفزيونات على اللبنانيين خصوصاً في الأطراف الحساسة من الشمال والبقاع الشمالي والأوسط، يمكن استثماره بلا شك في الانتخابات التشريعية المقبلة. فالايحاءات واضحة عبر الشاشة الصغيرة أولاً، وعبر المسؤولين الأمنيين السوريين السابقين الذين استعادوا حضورهم في المواقع المتاخمة لمراكزهم السابقة في القرى والمدن اللبنانية بالحضوع لاختياراتها.. بهذا تربح دمشق معركة الانتخابات التشريعية المقبلة، فيحصل الانقلاب، وتصبح إدارة لبنان أقل كلفة ومردود أضخم لها.
اللعب على الاحتمالات، هو الذي يتحكم حالياً في مسار الحركة السورية في لبنان. عملية "اختفاء" الصحافيان الأميركيان، تشكل مثالاً كبيراً على الغرف من "المطبخ" القديم. أمام ما جرى توجد احتمالات عديدة لكن لأن "من جرب المجرّب كان عقله مخرّب" كما يقول المثل الشعبي، فالشك هو الأكثر حضوراً.
ألم يسبق للبنانيين والسوريين والفرنسيين قبل أقل من عقدين أن وقعوا في مصيدة ظهور دمشق في موقع "المخلص" و"المنقذ"، وكانت دائماً تقايض كل عملية تسلم وتسليم "بهدية" كبيرة أو صغيرة؟.
السؤال الكبير في هذه القضية، أين أمضى الصحافيان ثمانية أيام منذ اختفائهما حتى ظهورهما؟ ولماذا لم تعلن دمشق عن إلقاء القبض عليهما فوراً؟ هل مقتضيات التحقيق معهما تقتضي مثل هذه السرية؟ ولماذا تم تسليمها مباشرة للسفارة الأميركية؟.
أيضاً مثل هذه العمليات يمكن قول ما يقوله الفرنسيون عادة "uV ajeD" أي "سبقت رؤيته". بهذا المشهد القديم الجديد تأخذ دمشق شهادة إضافية في حسن السلوك" من واشنطن، على طريق التقدم بطلب توكيلها لاحقاً بالأمن في لبنان، إما مباشرة وإما بطرق أخرى تكون فعالة ومنتجة.
الإمساك بالنظام السياسي والأمني والاقتصادي اللبناني مصيري لدمشق، خصوصاً في زمن المفاوضات. العودة الى وحدة المسار والمصير، يدعمها في المفاوضات المباشرة. أيضاً وهو مهم جداً يمكّنها من مواجهة طهران بالقول لها "هذه إرادة اللبنانيين، وليست إرادتي، فاحترموها.
دمشق المرتبكة، تقوم حالياً بتوجيه "الرسائل" بكل الاتجاهات خصوصاً الى بيروت وواشنطن وباريس وتل أبيب وطهران، في قلب هذه "الرسائل": الاستعداد للمفاوضات مع معرفة حقيقية بالأثمان المطلوبة، وفي الوقت نفسه الاستعداد لقلب الطاولة إذا فرض عليها ما ليس بقدرتها مقايضته!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00