8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

باريس: قيام العلاقات الديبلوماسية مهمّ لكنه يتطلب سرعة تسمية السفراء وضبط الحدود وحلّ مشكلة المفقودين

ربطت باريس فوراً بين الإعلان عن إقامة العلاقات الديبلوماسية بين سوريا ولبنان وبداية مرحلة مهمة لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. هذا الربط يؤكد مرة أخرى، أهمية موقع لبنان من خريطة الأزمات في المنطقة، فهو لم يعد مجرّد ساحة يلعب على طول وعرض مساحتها، كل الأفرقاء سواء لحسابهم المباشر أو لحساب الآخرين. تحوّل لبنان مع الوقت، إلى مركز لتصدير الأزمات وعدم الاستقرار إلى محيطه. حدود لبنان ليست صلبة، فعلاً هو الخاصرة الرخوة للجميع وليس فقط لسوريا. لذلك من مصلحة مختلف الأطراف والقوى وخصوصاً دمشق، العمل على التهدئة وتثبيت أوضاعه، لأن في أمنه واستقراره، يكون الأمن والاستقرار للآخرين.
القرار التاريخي والواقعية
طبعاً قرار التبادل الديبلوماسي تاريخي، ليس لأنه ينهي أكثر من خمسة عقود من اللامبالاة السورية من مطلب اللبنانيين بهذه الصيغة الرسمية للعلاقات، بل لأنه يضع العلاقات اللبنانية ـ السورية على مسار من الواقعية التي تفتح آفاقاً حقيقية لحالة أخرى من الأخوّة والتفاهم والتعاون على أسس أمتن وأصلب. هذا القرار لا يفك لبنان عن سوريا كما يتخيّل البعض، ولا يسقط طموحات الوحدة العربية، بالعكس إنه يفتح الأبواب نحو وضع مسار وإن كان طويلاً بسبب مفاعيل المرحلة السابقة، عنوانها إعادة بناء جسور الثقة والودّ والتفاهم والتراضي. الجغرافيا هي التي تصيغ سياسات الدول، ولا مفرّ ولا فكاك للبنان عن سوريا والعكس صحيح.
رغم أهمية هذا القرار، فإنه لا يكفي. الدليل، ان باريس وهي ترحّب به كما فعلت واشنطن وضعت خريطة طريق، يؤدي تنفيذها إلى اكتمال الهدف منه. باريس المتعلقة بالتطبيع مع دمشق تعرف أيضاً ان دمشق قادرة على إبقاء القرار يتيماً بل مجرّد عنوان معلّق على صفحة بيضاء لا تتضمن شيئاً. لذلك طالبتها:
المسارعة لتسمية السفراء بين بيروت ودمشق وفتح السفارتين لكي يكتمل الإعلان فعلياً.
تشجيع الفريقين اللبناني والسوري (المقصود هنا السوري مباشرة أكثر لأن التعطيل من جانبه أصلاً) في التقدّم في كافة الملفات المشتركة خصوصاً في تحديد وضبط الحدود المشتركة.
الإسراع في معالجة ملف المفقودين والسجناء اللبنانيين في دمشق.
الهمّ الأمني يبدو هو في مقدمة الهموم السورية في العلاقات مع لبنان. فالوزير وليد المعلم طالب بضرورة تعاون لبنان وسوريا في محاربة الإرهاب، متوقعاً تعزيز التعاون والتنسيق الأمني بين بلده ولبنان. طبعاً هذا ضروري ومن حق دمشق المطالبة به، خصوصاً وأنّ هذا الخطر أصبح يهدّدها مباشرة من جهة وأنه من جهة أخرى تشكل مواجهة هذا الإرهاب قوة دفع سياسية مهمة جداً لفتح مزيد من الأبواب الغربية في وجه دمشق للتطبيع وصولاً إلى باب الأبواب وهو الولايات المتحدة الأميركية.
مطالبة دمشق بالتعاون الأمني، هو شرعي جداً، لكن في تفاصيل هذا التعاون وهذه المواجهة يكمن الشيطان. كل شيء يبدأ صغيراً وينتهي كبيراً، كما يقول المثل الشعبي. التعاون يجرّ التعاون والطرف الأقوى وهو هنا سوريا التي تعرف نسيج لبنان واللبنانيين في أدق تفاصيله، تعرف أيضاً كيف تستثمره حيث يبدأ التعاون على نقطة متفق عليها ليتم القفز منها إلى كل شيء. الحفاظ على الأمن يتحوّل في حالات كثيرة، خصوصاً في حالة نظام دمشق وطبيعته، إلى غول لا يشبع قادر على إلتهام كل التحفظات والممنوعات.
القرار وسوء النيّة
العديد من العواصم ومنها باريس تطالب اللبنانيين بألا يتسرّعوا ويروا في كل موقف سوري عملية لسنّ السكين في الخفاء والعلن، حتى يأتي الموعد الموعود. التعامل مع دمشق منذ الآن على قاعدة سوء النيّة، لا يبني علاقات قائمة على الثقة.
تستعين هذه العواصم ومنها باريس، مطالبة اللبنانيين، بالتركيز على ان دمشق تنوي تسمية ديبلوماسي محترف لمنصب السفير في لبنان، وهذا يشكّل تأكيداً إضافياً لما تقول دمشق بأنها تريد علاقات يميّزها الاخاء والتعاون. ومن ذلك ان الاتجاه العام لدمشق هو تسمية ديبلوماسي معروف، وأبرز المرشحين هو فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية الحالي، سفيراً لها في لبنان، وهذا ما يؤكد على حجم اهتمام دمشق بلبنان. وإذا ما صدق هذا التوجّه وهو صعب وإن كان ليس مستحيلاً، فإن فيصل المقداد كما هو معروف من الذين واكبوا حياته السياسية والديبلوماسية ديبلوماسي محترف يتميّز بشدة تهذيبه ودماثة خلقه وثقته بنفسه، وهو بدأ حياته العملية من الجامعة في دمشق حيث كان عضواً في قيادة الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، وقد انتدب ممثلاً للاتحاد في قيادة الاتحاد العالمي للطلاب في براغ حيث أنهى دراسته وحصل على الدكتوراه في الأدب الانكليزي، ومن براغ انتقل إلى نيويورك حيث عمل في ممثلية سوريا في الأمم المتحدة حيث تدرّج فيها حتى أصبح رئيساً للبعثة ومنها انتقل إلى دمشق ليعيّن نائباً لوزير الخارجية.
طبعاً فيصل المقداد لن يكون وحده في السفارة، ولذلك فإن السؤال الطبيعي مَنْ هو الفريق الذي سيعمل معه؟ هل سيكون له حق القرار، ليقيم علاقات سياسية قائمة على التفاهم في مختلف الميادين، وخصوصاً الثقافية والسياسية والاقتصادية، أم يكون للآخرين من ضباط الأجهزة، الأمر والنهي فتتكرّر كارثة مرحلة النظام الأمني والسياسي السابق بطريقة أو بأخرى، فلا تكون العلاقات مع لبنان واللبنانيين وإنما مع الحلفاء والمأمورين العاملين في كل شيء إلا في صياغة وتثبيت علاقات أخوية متوازنة ومثمرة.
من الظلم تحميل دمشق وغداً سفارتها في لبنان عملية استعادة الماضي بأساليب مختلفة خارجة من نشوء ظروف جديدة. للبنانيين دور اساسي ومكمل في كل ما يحصل أو سيحصل، وهذا طبيعي وأساسي في مفاعيل الزواج ونتاجاته، إرادة دمشق لاستعادة الماضي عبر سفارتها، ليست قدراً. اللبنانيون هم الطرف الآخر، وهم قادرون بقرارهم وإرادتهم الفاعلة في دفع العلاقات باتجاه إيجابي. مهما كابر اللبنانيون وأسقطوا المسؤولية عنهم في مجريات النظام الأمني والسياسي السابق، فإنهم يتحمّلون مسؤولية أساسية عندما قبلوا بأن يكون أصغر ضابط مخابرات سوري سيداً يتدخل في كل شيء حتى في شؤون حياتهم الخاصة. الآن مهمتهم أسهل لأنه لن توجد عنجر ولا غيرها من المقارّ والأقبية، ليخافوا على أنفسهم ويبنوا مواقفهم على هذا الخوف.
مرة واحدة، ليقل اللبنانيون لضباط المخابرات في السفارة التي ستقوم في بيروت: لا. بعدها يصبح للعلاقات ربيع يحمل معه نسيم علاقات متوازنة مليئة بالعروبة والاخوة والوحدة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00