8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الكارثة المالية الدولية تنذر بمرحلة طويلة من الركود والكساد الاقتصادي وتسريع نشوء نظام عالمي جديد

الكارثة المالية التي يعيشها العالم حالياً، ذكّرت الجميع حتى الدول التي قامت بعد ذلك التاريخ بعقود، بكارثة العام 1929 في الولايات المتحدة الأميركية. الجميع يسأل هل تنتج كارثة العام 2008 حرباً عالمية بحجم الحرب العالمية الثانية وتغييراً أنتج نظاماً دولياً تجسد في نشوء القطبين الرأسمالي الأميركي والشيوعي السوفياتي ومعهما الحرب الباردة التي اوقعت اكثر من مئة حرب وحرب على مساحة العالم؟.
لا توجد اجابة حاسمة، سواء كانت ايجابية أو سلبية. الخبراء يضعون الاحتمالات، معظم هذه الاحتمالات تقول ان حرباً عظمى لن تقع لأنه يوجد توازن الرعب النووي. أي حرب في هذا الزمن، بين القوى الموجودة تعني نهاية العالم، ولا أحد يريد هذه النهاية له قبل الآخرين.
أي حرب لن تكون فيها قوة تفرض ارادتها على الآخرين، المنتصر فيها مهزوم. الفارق بين المنتصر والمهزوم ثوان قليلة في السباق الى موت الحضارات.
توازن الرعب النووي
الاطمئنان لغياب الحرب العظمى، لا يعني مطلقاً ان كل شيء بخير. ارتدادات هذه الكارثة ستكون قوية ومؤلمة وحتى كارثية في بعض الأحيان، خصوصاً بالنسبة لدول كثيرة يبدو من بعيد ان الكارثة لا تعنيها. ربما بعض الدول قد تشهد ارتدادات سلبية أقلّ وربما ستعيش بعض النمو، وذلك مثل لبنان اذا حافظ على حالة الهدوء والتهدئة التي يعيشها.
انخفاض سعر برميل النفط إلى حوالي النصف تقريباً حتى الآن بعد أن كاد يكسر سقف المئة والخمسين دولاراً يريح لبنان واللبنانيين ودولاً كثيرة لا تنتج هذه المادة الأولية الضرورية الى درجة أن عجلة الحياة العصرية اليوم لا تدور بدونها. دول مثل لبنان ستنخفض كلفة انتاج الكهرباء فيها حوالي اربعين بالمئة يفرح أي مواطن ـ علماً ان ذلك لا يعني انخفاض الهدر وغير ذلك بالنسبة نفسها ـ.
انخفاض تكلفة النقل الى النصف أيضاً يريح كل مواطن ـ علماً ان ذلك لم يؤثر على النقل العام ـ. كلفة التدفئة في الشتاء القادم تريح اي مواطن ـ علماً أن لا شيء يضمن عدم الاعتداء على البيئة خصوصاً الغابات منها والأشجار.
في الدول الكبرى المستهلكة والتي لا تنتج النفط مثل الصين وأوروبا ستكون هذه الدول سعيدة بحصول الانقلاب واكتماله بعودة سعر برميل النفط الى خمسين دولار مثلاً. لكن الأزمة اكبر بكثير من هذا الانقلاب. الأيام العشرة التي مرت على السوق المالي في البورصات هزت العالم كله وأقل ما يمكن قوله ان العالم سيعيش لفترة طويلة على وقع ما حصل في هذه الأيام العشرة.
العالم كله وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية دخل في مرحلة ركود اقتصادي باتفاق الخبراء. الخلاف هو حول فترة مرحلة الركود وهي تراوح بين سنتين وخمس سنوات. منذ الآن نسبة النمو في ألمانيا لن تتجاوز الصفر خلال العام 2009. الألمان سيخسرون أربعمائة ألف وظيفة. البريطانيون سيخسرون مليوني وظيفة، فرنسا ستعيش على وقع ارتفاع نسبة البطالة الى 8,5 بالمئة.
هذا الركود سيستتبع كساداً اقتصادياً مؤلماً جداً. الإنسان المتوسط الدخل سيعاني كثيراً من ذلك قبل الفقير. لا شيء أخطر من البطالة وانخفاض نسبة فرص العمل. من الطبيعي أن يتحوّل كل إنسان نحو التقوقع، فالقاعدة العالمية حافظ على قرشك الأبيض ليومك الأسود ستكون السائدة لأن فترة الركود والكساد لن تكون أقل من عامين، فإن قطاعات واسعة ستصاب بالجمود منها استهلاك المواد الاستهلاكية الضخمة وحتى الغذائية منها والتنقل والسياحة. لذلك كله ستدخل هذه المرحلة كل بيت في أربع رياح العالم.
نحو تعددية قطبية
الدول المنتجة للنفط ومنها إيران ودول الخليج ستلحقها الأزمة، ليس فقط على صعيد الخسائر المباشرة التي وضعت في الأيام الأخيرة وهي في جميع التقديرات بعدة مئات من مليارات الدولارات. مداخيل دول الخليج سقطت حتى الآن من حوالى 650 مليار دولار سنوياً إلى أربعمائة مليار دولار تقريباً كذلك إيران من حوالى 120 مليار دولار إلى حوالى 70 مليار دولار، هذا الانخفاض لا بد أن ينعكس بقوة على سياسات هذه الدول داخلياً وخارجياً، خصوصاً في حالة إيران التي عليها حكماً الاختيار بين متابعة انفاقاتها الضخمة على القطاع النووي من جهة والاتفاقات الخارجية في دعم القوى والأحزاب الناشطة في فلكها، وإنفاقاتها على النمو الداخلي من جهة أخرى، ولذلك من المهم متابعة حركة كل هذه الدول وخصوصاً إيران، في وقت دخل فيه العالم كله مسار مرحلة انتقالية صعبة.
هذه المرحلة الانتقالية كانت قد بدأت باعتراف الكثير من السياسيين والخبراء ومنهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قبل الأزمة. الأيام العشرة الأخيرة ستسرّع برأي الخبراء هذه المرحلة الانتقالية التي سيكون في نهايتها العالم متعدّد الأقطاب بدلاً من عالم الاحادية الأميركية. بذلك فإن نظاماً دولياً جديداً سيقوم. حتى الآن لا يمكن تحديد طبيعته وتطوراته واشكالات العلاقات التي سينتجها.
هذه الأزمة التي هي بحجم الكارثة، لن تفكك العالم الرأسمالي كما تفكك العالم الشيوعي، كما انها لن تلغي الرأسمالية، لكن من الواضح ان الرأسمالية المتوحشة قد سقطت، وأن التوجّه نحو مزيد من أنسنة هذه الرأسمالية سيحصل، كذلك فإنه سيكون هناك مزيد من التوجه نحو الاقتصاد المنتج بعد أن طغى نظام البورصة والأسهم حيث شكل عالماً جديداً لا يعرف معظم المليارات في هذا العالم طبيعته وأسراره حتى إذا وقعت الكارثة صدم بما حصل لكنه حتى الآن لا يعرف كيف حصل هذا وخسر العالم ما يقارب خمسة وعشرين تريليون دولار.
كلفة العلاج ستكون اسطورية حالياً، المهم ان ثورة جديدة بدأت وأن الولايات المتحدة الأميركية ملزمة بقيادة هذه الثورة، لأن مستقبلها كله معلق على نجاح أو فشل هذه الثورة.
عودة إلى لبنان، نسبة التضخم في العالم ستنخفض، من الطبيعي أن يلحق ذلك لبنان لكن أكثر من دول كثيرة، لأنه بلد مستورد أكثر مما هو منتج، أيضاً ان لبنان الذي خرج من هذه الكارثة سليماً مالياً، قادر على جذب أموال عربية استثمارية إليه.
القرار بيد اللبنانيين. لقد خسروا فورة سعر النفط طوال الفترة الماضية، بإمكانهم الآن التقاط فرصة جديدة لن تكون ضخمة لكن واعدة. فهل يفعلون ويحوّلون التهدئة الحالية إلى حالة من الاستقرار الطويل؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00