أحمدي نجاد قال نصفَ الحقيقة، وهي: ان الولايات المتحدة الأميركية تريد العراق ضعيفاً لكي تنهيه. الوجه الآخر للحقيقة، وهو فعلاً نصفها الآخر، أن إيران تريد أيضاً العراق ضعيفاً، لكي يبقى نفوذها ويتعمق فتديره بما يحقق لها معه وحدة المسار والمصير، فتنفرد في حضورها الاقليمي القوي.
ليس أمام الولايات الأميركية المتحدة،من خيار سوى اتفاقية مع الحكومة العراقية المركزية، تمنحها وجوداً شرعياً لعقود طويلة، يكون فيها النفط العراقي تحت تصرفها، إنتاجاً واستثماراً الى جانب تحويل العراق الى جزء من حضورها العسكري الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وامتداداً منه الى الخط الأخير من الأراضي وفضاء الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفياتي سابقاً.
حالياً التفاوض بالنار قائم بزخم لا سابق له بين واشنطن وطهران. كل طرف يسعى بما يملك من إمكانات وملفات ونفوذ على القوى العراقية، لتحقيق هدفه. طهران تعمل ما في وسعها لإضعاف الإرادة الأميركية، من أجل إجبارها على خفض سقف مطالبها من جهة، ومن جهة أخرى رفع مستوى المعارضة العراقية على المعاهدة التي تريد واشنطن من الحكومة العراقية توقيعها.
الولايات المتحدة ترد الان بكل الوسائل التي تستطيع استخدامها، لذا تزيد حجم تحذيراتها للعراقيين مشددة على أن امتناع حكومتهم من التوقيع يرفع درجة الأخطار درجات تتجاوز كل ما حصل سابقاً، وأن مغادرة قواتها فجأة من العراق وخصوصاً إذا لم يتم تأمين ما يلزم لأي مواطن أميركي وهو الحماية القضائية، يعني اشتعال الحرب الأهلية التي ستكون نيرانها والدماء التي ستسيل نتيجتها ما لم يره أحد حتى في أسوأ الأيام السابقة من العرقنة.
الغارة الأميركية رسالة بالنار
زيادة في تأكيد تصميم القيادة الأميركية العسكرية التي ستبقى بطريقة أو بأخرى بعد ذَهاب الرئيس جورج بوش على حدة تصميمها على المواجهة والاقناع ولو بالنار، جاءت الغارة على الحدود السورية في منطقة أبو كمال لتقدم مثالاً ميدانياً على هذا التصميم والإصرار. فما مارسته طوال خمس سنوات من تمنع عن تجاوز الحدود العراقية لملاحقة إرهابيي القاعدة وقياداتهم، لم يعد قائماً. واشنطن كسرت وهي مستعدة لكسر هذه القاعدة. ونقطة على السطر.
طهران هي ايضا تعمل لإبراز إمكاناتها في العراق. واشنطن اعترفت بطريقة أو بأخرى بأن طهران نجحت حتى الآن في تعطيل توقيع القيادات العراقية على الاتفاقية معها. ولا شك في أن طهران ضغطت ونجحت حتى الآن في تعطيل الهدف الأميركي. الإيرانيون موجودون بقوة في العراق. هم خبراء وقد عمقوا خبرتهم ومعرفتهم بالعراق والعراقيين في السنوات الأخيرة، معرفة الإيرانيين بالنسيج العراقي سمحت لهم بحرية التحرك، هذه المعرفة قديمة جداً لأنها تاريخية وجغرافية واجتماعية، وهذه العلاقة استمرت حتى في عزّ الحرب مع الرئيس الراحل صدام حسين ربما ساهمت هذه الحرب في التدقيق بطبيعة النسيج العراقي، خيوطاً وألواناً بسبب هذه الحرب. حتى إذا سقط صدام حسين، دخلت العراق من بابه الواسع. وعملت على التمدد في الجنوب الشيعي الذي تعرف أدق تفاصيله، وخصوصاً أن مختلف قواه وأحزابه (الدعوة وآل الحكيم وغيرهما) عاشوا في إيران ومارسوا المعارضة تحت رعاية وإشراف الإيرانيين. وهم موحدون الان في كل مفاصل العراق الأساسية عند السنة وكذلك الأكراد، حيث لا ينفع المال يوجد السلاح وحيث لا أثر فعال للمال والسلاح، ثمة رسائل ضغط سياسية وميدانية لها صداها على القرار الحساس الذي تهتم به طهران.
الشراكة في الضعف
بقاء العراق ضعيفاً جزء من معادلة مؤلمة ترجمها استمرار الوجود الأميركي وتعمق النفوذ الإيراني. التناقض يخدم دوماً الضد. لذا من الممكن في النهاية الوصول الى تفاهم أميركي ـ إيراني عاجلاً أو آجلاً، وخصوصاً أن المفاوضات لا بد من أن تحصل حول سلة متكاملة من الملفات المشتركة.
ومصير العراق يعني لبنان واللبنانيين مباشرة. الكلام عن العراق، يعني بطريقة أو بأخرى لبنان حاضراً ومستقبلاً. مأساة لبنان تكاد تشبه مأساة العراق ولو مع بعض الفروق والحساسيات.
إسرائيل تريد لبنان ضعيفاً، قلقاً، وخائفاً. طبعاً لا تطالب كما الولايات المتحدة من العراق بقواعد عسكرية، لكنها تطلب التوصل الى اتفاقية هدنة مع لبنان واللبنانيين. حتى الآن اللبنانيون يواجهون مطالب إسرائيل بالرفض. وهذا طبيعي جداً فالخلل في موازين القوى يستثير الوطنية اللبنانية، فيوقعها نحو مزيد من الرفض. المشكلة إذا جاء اليوم الذي تكتمل فيه المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية، ويصبح لبنان موقع مساومة ومقايضة. فما العمل؟
المشكلة الأخرى التي يعانيها لبنان معرفة دمشق الكاملة والمميزة لأسباب تاريخية وجغرافية واجتماعية بنسيج لبنان واللبنانيين. العقود الثلاثة الأخيرة رفعت منسوب خبرة دمشق بالنسيج اللبناني الى مستويات تسمح لها بتغيير ألوان بعض المربعات وحتى تغيير بعض الخيوط من دون مشكلة. دمشق تريد استمرار لبنان ضعيفاً غير قادر على اتخاذ القرارات في المستقبل. دمشق تريد من لبنان بكل الوسائل العودة الى وحدة المسار والمصير بأي ثمن. قرار العودة هذا مهم لدمشق الانً أكثر من العودة الاقتصادية والأمنية، لأن هذه العودة برأيها مسألة توقيت فيما وحده المسار من الأمور الاستراتيجية التي من الملح العودة إليها والإمساك بها بقوة.
حالياً المواجهة صعبة جداً. العراقيون غير قادرين عليها فترة طويلة، لأنه ليس بقدرتهم مواجهة الأميركيين والإيرانيين في وقت واحد ولا اللبنانيون قادرون على الاستمرار في مقاومة إسرائيل، وظهرهم مكشوف بحيث يمكن لدمشق أن تقرر ماذا تفعل بهم في التوقيت الذي تراه مناسباً لها.
لا داعي لليأس. هذه المرحلة الانتقالية مليئة بالمفاجآت وخصوصاً أن المرحلة جزء من زمن التغيير.
فرق كبير في هذه المعادلة المعقدة والمأسوية ان استعادة العراق لقوته يُضعف إيران، لأنه يعني العودة الى التنافس الإقليمي التاريخي. أما لبنان المعافى والقوي فإنه يقوّي سوريا. ألا يقال دوماً إن سوريا قوية قوة لبنان والعكس صحيح.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.