الأوبامية، إعصار يجتاح الولايات المتحدة الأميركية، من الغرب الى الجنوب العميق، وإن بنسب متفاوتة. عندما تقابل رجلاً أبيض تجاوز السبعين من عمره، في العمق الأميركي الجنوبي، يضع شارة أوباما داعياً لانتخابه رئيساً للولايات المتحدة، يعني أن انقلاباً عميقاً قد طال الخيوط الرئيسية لنسيج المجتمع الأميركي. لا يمكن تصور ما يحدث وحدث، إلا عندما نعرف أن هذا الجنوب لم يرفع العلم الأميركي الفيدرالي المعروف بنجومه الخمسين أمام منازل سكانه غداة كارثة 11 أيلول، وأنه كان يفخر بالتزامه التاريخي بالعلم الكونفدرالي الذي خاض تحت ظله الحرب الأهلية رفضاً منه لقانون تحرير العبيد الذي أصدره الرئيس ابراهام لينكولن، حالياً هذا الجنوب، قد يعطي الأغلبية في الانتخابات لباراك أوباما وربما يرسل سيناتوراً ديموقراطياً يمثله في مجلس الشيوخ.
الأوبامية تساوي التغيير الأميركي يريد التغيير لأن أميركا أصبحت بحاجة الى التغيير لملاقاة العالم الذي يتغير، بيل كلينتون الرئيس السابق وربما هو واحد من أفضل الرؤساء في تاريخ أميركا، التقط هذه المعادلة قائلاً إن أوباما قادر على ذلك. لم تعد أميركا قادرة على الانفراد بقيادة العالم، عليها أن تجد معادلة جديدة تحفظ لها حقوقها كأقوى دولة، وفي الوقت نفسه تتعامل وتتفاهم بجدية مع شركائها وحلفائها، وأيضاً مع القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا والهند.
الكارثة المالية التي دخلت كل بيت في الولايات المتحدة الأميركية، وليس فقط المؤسسات المالية الضخمة، والناشطون في عالم البورصة والأسهم، منحت الأوبامية قوة دفع هائلة، الحاجة الى إصلاح مالي واقتصادي حقيقي أصبح أكثر من ضرورة، إنه حاجة إنقاذية. عندما يعلن أن النمو قر نزل تحت الصفر (ناقص 0,3) حالياً، فإن أي أميركي يخاف خطورة الأزمة. الأهم أثناء هذه الحملة الانتخابية الضخمة وقبل أربعة أيام من يوم الاقتراع الكبير، فإن احتمال الخيار يضيق جداً أمام الأميركي ويضطر للاندفاع أكثر نحو التغيير إذا كان أوبامياً في الأصل، أو الانزلاق بسرعة أكبر نحو معسكرها إذا كان من المترددين.
باراك أوباما، أصبح رئيساً منتخباً بالمبدأ، فهو قد ضمن حصوله على 277 صوتاً من الناخبين الكبار, أي أنه ضمن أغلبية سبعة ناخبين ومن المتوقع أن يحصل على زيادة إضافية تعزز حظوظه. طبعاً لو كانت المعركة الانتخابية عادية، ولم يكن ضمنها عنصر العنصرية المعروف، كانت الانتخابات قد انتهت، لكن الممتنعين عن إعلان رأيهم علانية أعدادهم كبيرة، إضافة الى أن الموقف العنصري والعنصريين ما زال حجمه وحجمهم مجهولاً حتى الآن.
شجرة الانتخابات الرئاسية، تغطي غابة الانتخابات المتعددة والتي نتائجها ستؤكد حجم التغيير والانحياز الى أوباما في حال فوزه بالرئاسة يوم الثلاثاء القادم، وحيث سيتم انتخاب كامل أعضاء مجلس النواب وعددهم 435 نائباً، حصول الديموقراطيين على الأغلبية متوقع، المهم حجم هذه الأغلبية التي تضمن للرئيس حرية كبيرة في تمرير قراراته وتنفيذها، الى جانب ذلك سيتم انتخاب 35 شيخاً من أصل مئة شيخ، إذا ما حصل الديموقراطيون على 60 شيخاً، فإن ذلك يعني أخطر وأهم من الحصول على الأغلبية، ذلك أن ما يُعرف Fillbuster أي إعطاء الحق للسناتور بالتحدث أمام المجلس من دون توقف، حتى منع أو سحب أي مشروع قانون لا يوافق الرئيس عليه، هذا ما يعني منح الرئيس والديموقراطيين سلطة مطلقة استثنائية. حتى الآن ضمن الديموقراطيون ثلاث ولايات، ولم يبق أمامهم سوى الحصول على ثلاث ولايات. المعروف أن مجلس النواب ومجلس الشيوخ مجتمعين يملكان ما يعرف Power of purse أي قوة المحفظة أي المال. رئيس الجمهورية المنتخب بحاجة حقيقية لهذه القوة لتمرير قرارات التغيير الاقتصادية والمالية بعد الكارثة الحالية. أيضاً الانتخابات تشمل انتخاب القضاة المحليين ورؤساء البلديات والشريف في عدد من الولايات.
حجم هذه الانتخابات يؤكد ضخامة وأهمية طبيعة الاقتراع، التجارب الماضية وخصوصاً ما حصل في ميامي في انتخاب الولاية الأولى لجورج بوش، دفعت الى تغيير قانون الانتخابات. يوم الثلاثاء، تحول الى يوم رمزي للانتخابات. الناخبون بدأوا في الاقتراع قبل خمسة عشر يوماً في كثير من الولايات، حتى يتمكن الناخبون من الاقتراع حتى الآن. وقد وصلت نسبتهم حسب الإحصاءات نحو 30% من الناخبين المسجلين.
هذه الانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، مصيرية ليس للجمهوريين فقط وإنما لكل تيار المحافظين المتشدد. حصول التغيير يعني فشلهم شعبياً قبل أن يكون انتخابياً. أمام هذا الامتحان الصعب، يخوض جون ماكين والمحافظون المتشددون بعد أن انتج اختيار سارة بايلن نائبة للرئيس ابتعاد المستقلين عن المرشح ماكين أولاً وفي افتراقهم عن المحافظين، مسستخدمين كل أسلحتهم بما فيها الضرب تحت الزنار خصوصاً بعد أن فشلوا الى حد ما في استثارة العنصرية ضد اللون الإفريقي لأوباما. من هذه الضربات تحت الزنار على المستوى الأميركي، اتهام أوباما بأنه صديق لإارهابي الفلسطيني رشيد الخالدي. لم ينكر أوباما صداقته للاكاديمي رشيد الخالدي رغم أن الهدف من هذه الضربة إبعاد الصوت اليهودي عنه وأيضاًً الأميركي العادي الذي ما إن يسمع كلمة إرهابي حتى ينقلب موقفه. الطريف أنه بعد ساعات تبين أن جون ماكين كان قد تبرع قبل الانتخابات لرشيد الخالدي ومؤسسته التي تعمل من أجل حقوق الإنسان. انتهى التوضيح، لكن الضربة لمن سبق.
الليلة يحتفل الأميركيون بعيد البربارة، وهذا الاحتفال شعبي جداً خصوصاً للأطفال. عادة يضع المحتفلون أقنعة تثير الخوف.
يوم الثلاثاء، سيعالج الأميركيون خوفهم من الأزمة المالية والاقتصادية بالتغيير الذي متى طال الولايات المتحدة الأميركية لا بد أن يصل الى كل المواقع الأخرى خصوصاً السياسة الخارجية الأميركية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.