8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الأوبامية اكتسحت أميركا والتغيير أمام تحديات الاتحاد والترميم وبقاء بوش رئيساً لشهرين

باراك حسين أوباما، رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، ابن مهاجر كيني، من أم أميركية بيضاء، أخوته من أبيه موزعون بين كينيا وأندونيسيا. جدته لوالده ما زالت تعيش في كينيا. انتصر أولاً على هيلاري كلينتون النائبة عن نيويورك زوجة الرئيس السابق بيل كلينتون. انتصر ثانياً على جون ماكين. الطيار الذي أصبح أسطورة بعد أسره في فييتنام. من شجرة عائلية، معظم رجالها خدموا بأعلى الرتب في الجيش الأميركي، ومنهم جده ووالده قائد الأسطول البحري في المحيط الهادئ. ماكين الذي قاتل وبقوة ضخمة مثلما قاتل وعاش كل حياته من أجل الولايات المتحدة الأميركية كما وصفه أوباما. هذه هي الولايات المتحدة الأميركية.
وهذا أوباما صانع الأمل لكل الأميركيين بجميع ألوانهم وأصولهم وأعراقهم، بان كل شيء ممكن في الولايات المتحدة الأميركية، والواعد بالتغيير.
الأزمة طالت كل أميركي
ما زالت الانتخابات الرئاسية الأميركية، الأطول والأغلى والأشرس حاضرة بقوة. حتى ظهر الأربعاء حسب التوقيت الأميركي (السابعة مساء في بيروت)، لم تظهر نتائج ثلاث ولايات معلقة نتائجها. لن تقدم ولن تؤخر في النتيجة النهائية. باراك أوباما فاز وفي العشرين من كانون الثاني من العام القادم يتسلم الرئاسة ويدخل البيت الأبيض. من الآن وحتى ذلك اليوم التاريخي، لا علاقة للرئيس المنتخب أوباما بالقرار السياسي. جورج بوش هو الرئيس الذي يدير سياسة أميركا والعالم بطريقة أو أخرى.
بين الولايات الثلاث، كارولينا الشمالية، انتصار أوباما فيها، يعني الكثير في رمزيته. الجنوب بقي جمهورياً ومحافظاً وحساساً جداً نحو اللون الافريقي (وليس الأسود في اللغة غير العنصرية). الفرق في الأصوات على مساحة الولاية بالآلاف. لذلك الفرز صعب ودقيق، علماً ان السيناتور الجمهورية اليزابيت وول المعروفة زوجة المرشح السابق للرئاسة بوب دول، قد فشلت فشلاً ذريعاً أمام المرشحة الديمقراطية.
باراك أوباما رئيساً، يعني أن لا شيء مستحيلاً أو غير ممكن في الولايات المتحدة الأميركية. أوباما قالها بنفسه، ولا حاجة للتعليق. صحيح جداً، أن أوباما يتمتع بالحضور والكاريزما والبلاغة الخطابية، لكن انتخابه يتجاوز كل هذا ليطال عمق التغيير الذي اراده الأميركيون، خصوصاً الشباب منهم. الأميركيون سلخوا جلدهم العنصري بأيديهم. لقد تطلب ذلك عقوداً طويلة من النضال زائد الأزمة ـ الزلزال غير المسبوقة، التي طالت كل بيت أميركي وليس فقط أصحاب رؤوس الأموال الضخمة، فأصبح التغيير مطلباً شعبياً. لذلك فإن 62% بالمئة من الأميركيين اقترعوا واختاروا على أساس المطلب والهم الاقتصادي. في حين أن الهموم الخارجية لم تكن حاضرة سوى 9 بالمئة حول العراق، و9 بالمئة حول الارهاب والحرب ضده.
التغيير، لن يبدأ فوراً. الزلزال المالي زائد سياسات إنفاقية هائلة نفذها الرئيس جورج بوش سواء في العراق أو أفغانستان، خلخلت البلاد. أوباما وعد بالتغيير لكنه أكد أن عليه ومعه الشعب الأميركي الترميم، قبل اعادة البناء والتغيير. سياسة الترميم، تتطلب الاتحاد. أمام الأميركيين هزائم، عليهم أن يكونوا مناضلين لكي ينجحوا في إعادة بناء البلد. من خطاب الانتصار الكبير، معادلة أساسية تتحكم بمفاصل الخطاب الأوبامي الاتحاد ـ الترميم ـ التغيير.
هل باراك أوباما قادر على التغيير؟
معظم برنامج أوباما الداخلي ليس جديداً. لقد اعاد تبنيه من جديد مشروعه المعلن المتعلق بالأطفال والفقراء والمتقدمين في العمر (أكثر من 65 سنة) والمعروف باسم Medicaid وMedicare كان الرئيس الأسبق ليندون جونسون قد التزم به. الجديد هو مشروعه حول البيئة والاحتباس الحراري.
مشروع أوباما طموح جداً وهو بقيمة 800 مليار دولار على عشر سنوات يخلق خمسة ملايين فرصة عمل. المرشح لترؤس هذا البرنامج الطموح آل غور نائب الرئيس كلينتون والفائز بجائزة نوبل. المشروع الجديد الآخر تجديد البنى التحتية أي إصلاح الطرق والمطارات والموانئ. إنشاء بنك استثماري، لذلك هو في صلب المشروع. المشكلة الكبيرة هي المال بعد الزلزال الأخير.
سواء نجح باراك أوباما في هذا التحدي أم لم ينجح، فانه حقق بانتخابه وبخطابه السياسي، نجاحاً كبيراً، في الاطاحة بالريغانية، التي ما زالت تحكم أميركا. الرأسمالية المتوحشة، تلقت ضربة قاضية على يد أوباما، بعد أن ترنحت بفعل الأزمة المالية. الريغانية نسبة للرئيس الراحل ريغان:
نجاح المتمولين الكبار أي الرأسماليين يؤدي الى تحسن أوضاع الناس العاديين.
تحقيق دور الدولة وخفض النفقات.
خفض الضرائب على رأس المال، زائد خفض وإلغاء المراقبة والتدخل الحكومي في الاقتصاد.
ضبط السيولة المالية لخفض التضخم.
مشاريع أوباما الاقتصادية المطروحة حتى الآن في الضفة الموازية لكل هذه الطروحات خصوصاً في رفع نسبة الضرائب على الرأسماليين وتوسيع نشاط الدولة والمراقبة.
أوباما والتغيير في العالم
جاء التغيير الى الولايات المتحدة الأميركية، فهل سيطال هذا التغيير العالم كله؟
مهما كانت التحديات كبيرة وضخمة داخلياً، فان الرئيس باراك أوباما لا يمكنه الاهتمام بالخارج ان لم يكن الأمر يتعلق بموقع الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى فقط، فلأنها في مواجهة تحديات ضخمة أولها، مطالبة اجماعية من القوى الكبرى والمتوسطة بتعددية الاقطاب. لم تعد هذه القوى ومنها أوروبا وروسيا والصين الشعبية، تقبل بهذه الأحادية المفرطة. تريد أن تصبح شريكة للولايات المتحدة الأميركية في كل شيء. مسار التطورات يؤكد أن أوباما مضطر للتعامل مع هذا التحدي بجدية. لم يعد ينفع التجاهل. إعادة ترميم الأوضاع الداخلية الأميركية، واسترجاعها لقوة حضورها وفعالية سياستها تؤهلها لان تكون الشريك الاقوى.
العالم الخارجي مهم جداً لأي إدارة أميركية. في مرحلة الاوبامية يبدو أنه سيكون مهماً جداً. لذلك التنافس قوي جداً بين الحلقات المحيطة بأوباما من سيتسلم إدارة السياسة الخارجية. التنافس يدور بين مدرستين: الاولى آتية من الكارترية نسبة الى الرئيس الاسبق جيمي كارتر وزبغينيو بريجنسكي مستشاره للأمن القومي، ويعرف هؤلاء باسم الواقعيين الجدد. والثانية تعرف باسم الواقعيين التقليديين القادمين من الفلك الكلينتوني نسبة الى الرئيس السابق بيل كلينتون.
الرئيس المنتخب باراك أوباما وضع إطاراً لسياساته الخارجية يبدو أن إدارته ستقوم بتنفيذها. تبدو هذه القاعدة خارجة من كلام قديم للقائد الاستثنائي جمال عبد الناصر وهي نعادي من يعادينا ونسالم من يسالمنا. أوباما صاغ قاعدته على قياس الولايات المتحدة الأميركية فقال: نشجع من يسالمنا ويريد الديموقراطية ونحارب من يعادينا. الترجمة العملية لهذه القاعدة نفاوض من موقع القوة وندعم من موقع القوة، على الآخرين أن يختاروا ماذا يريدون. بهذا ينزع أوباما عن إدارته المسؤولية في حال وقوع الحرب أو المواجهة ويضعها على عاتق الآخرين.
يبقى وجوب متابعة بعض الاسماء سواء في صعودها أو ابتعادها لانها تهم وتعني منطقة الشرق الأوسط، ومنها دينس روس، وسامنتا باور التي تدافع عن طروحات ميرشماير ووالت الأكاديميين اللذين طالبا في دراسة لهما التوقف عن خدمة مصالح اللوبي الإسرائيلي في تقرير سياسة بلادهما الخارجية. ايضاً سوزان رايس التي طالبت بان يتولى جيمي كارتر الاشراف على المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية فوصفت بانها اشرس أعداء إسرائيل.
من المبكر جداً الحديث بالتفصيل عن إدارة باراك أوباما المقبلة ومساراتها السياسية. الأهم أن جورج بوش سيبقى الرئيس وصاحب القرار حتى العشرين من كانون الثاني من العام 2009. وهو يملك حتى ذلك التاريخ قرار الحرب والسلام. والده الرئيس جورج بوش اختار شهر كانون الاول قبل شهر من انتهاء ولايته وتسلم بيل كلينتون الرئاسة لشن الحرب تحت شعار المساعدة الانسانية في الصومال.
أمام هذا الواقع وهذا التحدي يجب الحديث بكثير من الجدية والحذر عن التطورات ومفاعيلها من الآن وحتى العشرين من كانون الثاني من العام القادم.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00