8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

حل الأزمة الاقتصادية يفيد أطماح أوباما الى التغيير السريع داخلياً وخارجياً

أمام باراك أوباما، الرئيس الأميركي المنتخب، فترة سماح تمتد الى ما بعد تسلمه الرئاسة في العشرين من كانون الثاني المقبل أسابيع عدة. فترة السماح هذه، تقليد متّبع في الديموقراطيات الغربية. من الطبيعي في هذه الدول، أن تترك المعارضة الحزبية والشعبية فترة زمنية قبل البدء بمساءلته رسمياً وإعلامياً، عن نهجه ومسارات إدارته لسياسة بلاده.
في الولايات المتحدة الأميركية، جرت إطالة فترة التسلم والتسليم لتصل الى 75 يوماً، حتى يتمكن الرئيس المنتخب من الاطلاع على كافة الملفات الداخلية والخارجية منها على السواء بهدوء ومن دون أي معارضة ولا حتى متابعة سوى للتسميات التي تعلن تباعاً للمسؤولين الجدد في الإدارة، لأنه غير مسؤول. الرئيس الخارج وهو حالياً جورج بوش يتحمل كافة المسؤولية حتى عشرين كانون الثاني من العام المقبل لأنه يبقى صاحب القرار كأنه في يومه الأول من الرئاسة.
هزيمة المحافظين المتشددين
رغم هذا التقليد الديموقراطي، فإنه لا وقت للراحة والاطمئنان أمام الرئيس الرابع والأربعين في الولايات المتحدة الأميركية. كثرة الأزمات الساخنة والمصيرية داخلياً وخارجياً، جعلت أوباما في وضع صعب جداً.
أكثر من ذلك، فإن خصوصية جذوره الإفريقية، وكونه أول رئيس يصل من هذه الجذور تضاعف كثيراً من مصاعبه ومسؤولياته ومساءلاته، لقد حقق أوباما انتصاراً كبيراً لهذه الشريحة الضخمة من الشعب الأميركي، ولذلك فإن نجاحه أو فشله لا بد أن ينعكس على الأميركيين الأفارقة مستقبلاً. أصعب ما في الأمر، أن الكثير من الأميركيين وخصوصاً العنصريين منهم سيصرخون عالياً: ألم نقل لكم أنه ـ وجنسه معه ـ غير مؤهل لإدارة الولايات المتحدة الأميركية. أما إذا نجح فإنه سيترك الباب مفتوحاً أمام القادمين الجدد من الأميركيين الأفارقة وفي مرحلة أخرى أمام الأميركيين اللاتينيين الناطقين بالاسبانية، الذين يتحولون بسرعة الى شريحة واسعة ذات حضور في ولايات أميركية عديدة ومؤثرة مثل فلوريدا.
الأزمة الاقتصادية لها أولوية على كل الأولويات، لا معنى لأي برامج ومشاريع داخلية مستقبلية من دون الخروج من هذه الأزمة التي طالت كل بيت أميركي وليس الشركات والبنوك الضخمة.
ما حصل في قطاع المصارف والبورصة والأسهم، قد يحصل مجدداً في قطاع صناعة السيارات. قاعدة الدومينو وانهيار أحجارها هي السائدة التي إن بدأت لا يمكن ايقاف مفاعيلها، لذلك سارع أوباما ليطلب من الرئيس الحالي جورج بوش المسارعة الى نجدة جنرال موتورز التي هوَت أسهمها 15 في المئة، وهو ما لم يحصل لها منذ 65 عاماً.
قدرة أوباما على مواجهة الأزمة الاقتصادية، وفي تبني مشروع انقاذي بناء على خطة مدروسة جيداً وبعمق، وتنفيذها بدقة وبسرعة لأنه كلما طالت الأزمة ضاق هامش تنفيذ مشاريع التغيير التي وعد بها. هذه المهمة ليست عادية، أمام أوباما مصاعب داخلية كثيرة، وأخرى خارجية توازيها.
داخلياً على أوباما، الحصول على صمت الأميركيين في بلع وهضم مرارة القرارات التي سيأخذها والتي سيكون الكثير منها غير شعبي وليس في صالح شرائح الأغنياء الأقوياء والمتنفذين في مفاصل الدولة والإدارة، والأهم في عمق الفهم والالتزام الفكري والعملي للأميركي.
عولمة الانتخابات الأميركية
الانتخابات الرئاسية الأميركية، لم تكن أميركية فقط. لقد تحولت الى انتخابات على مساحة العالم. كل الدول الكبرى والوسطى والصغرى معنية بنتائج هذه الانتخابات، لذلك لا بد أن تكون مفاعيل التغيير الخارجي ضخمة ومؤثرة حتى تتقاطع مع آمال وطموحات ورغبات شعوب وحكومات عديدة.
السؤال الكبير هل أوباما داخل البيت الأبيض قادر على التغيير في السياسة الخارجية لبلاده، وما هو حجم هذا التغيير ومتى؟.
الهم الداخلي قد يؤخر أو يرجئ التغيير في الخارج، لكن كما يُقال المكتوب يُقرأ من عنوانه، أوباما قادر لا بل مطلوب منه أن يرد بسرعة ولو نظرياً أو بالمبدأ على الأقل قبل الفعل، وكيف سيتعامل مع المستنقع العراقي؟ هل هو قادر على تنفيذ وعده بالانسحاب ومتى وبأي شروط؟ ماذا عن الحرب في أفغانستان التي تتحول يوماً بعد يوم الى مستنقع، يرى العسكريون قبل السياسيين أن الانتصار العسكري فيها مستحيل؟. ماذا عن الملف الإيراني المعقد الذي يبدأ بالملف النووي ويصل الى علاقة إيران بالعراق وحزب الله والقوى الإسلامية خصوصاً في غزة؟. ماذا عن فلسطين والوعد البوشي بالحل السياسي وإقامة دولة فلسطينية الى جانب إسرائيل، هل سيتدخل بطريقة أكثر فعالية وتأثيراً من الجولات المكوكية الفارغة لكونداليزا رايس؟ وأيضاً ماذا عن الملف السوري والمفاوضات بين دمشق وتل أبيب، هل سيقبل بالتحول الى دور العراب حتى تنتقل من المفاوضات غير المباشرة الى المباشرة؟ وماذا عن مطالبة الدول الصاعدة وخصوصاً الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والهند والبرازيل، وحتى دول الخليج التي تشكل قوة مالية عظمى عن مطالبتها بأن تكون شريكة في القرار السياسي مثلما هي مطالبة اليوم بأن تكون شريكة وممولة مالياً للخروج من الأزمة الاقتصادية. باختصار كيف سيتعامل أوباما مع نزع أحادية الولايات المتحدة الأميركية والدخول في نظام دولي متعدد الأقطاب؟.
داخل البيت الابيض وخارجه
البيت الأبيض من الداخل غيره من الخارج. الولايات المتحدة الأميركية دولة مؤسسات، يتغير الرؤساء وتبقى هذه المؤسسات التي لها كلمتها في القرارات السياسية. أوباما مضطر للعب اللعبة حسب القواعد المعروفة من الجميع في أميركا، الواضح حتى الآن أن باراك أوباما يحمل الورد للتغيير لكنه ورد بأشواك كثيرة وحادة، سيتفاوض وسيحاور، لكن على محاوريه خصوصاً من خصوم الولايات المتحدة الأميركية الكثير من الحذر، لا يستطيع أن يظهر أوباما لأسباب تصل الى جذوره الإفريقية أن يكون رئيساً ضعيفاً وهو قالها بصراحة في خطاب النصر سأحارب من يعادينا.
الأميركيون خطوا خطوة تاريخية نحو التغيير، يبقى ماذا سيفعل أوباما، أيضاً، ماذا سيفعل العالم، هل سيساعده فيساعد نفسه أيضاً؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00