8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تعقيدات الجغرافيا والخلافات الفلسطينية والفتحاوية ـ الفتحاوية تؤخر الحل السياسي الملحّ وتحمّل لبنان القرار الصعب

عين الحلوة.. حمراء، لا شك في ذلك. القصة قديمة. حالياً، يومياً تزداد احمراراً. الإرهاب، الذي تكور أولاً ثم تمدد تحت تسميات مختلفة واحتمى في تعقيدات تركيبة مخيم عين الحلوة ـ أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني ـ الداخلية أو الخارجية منها، رفع منسوب القلق الى درجة الخوف. السؤال يومياً: هل تشتعل النار في المخيم وكيف ومتى؟
المخيم مسار من المعاناة
مخيم عين الحلوة، اعتاد منذ السبعينات على النار والقصف الإسرائيلي وأيضاً النار الداخلية. لكن هذه النار كانت دائماً محصورة أو يجري بسرعة ونجاح حصرها ووأدها.
الخطر اليوم، أن اشتعال النار في المخيم، قد يحوله الى مخيم نهر بارد آخر، حيث جبال الردم والهدم ما زالت قائمة بعد أكثر من عام. هذا عن الحجر فكيف عن الكلام عن البشر ومآسيهم؟ لذلك لا يريد أحد أن يسمع بانفجار الوضع في المخيم، فالتحدي كبير جداً والحل العسكري أبغض الحلول وأفدحها ثمناً.
هل تنجح الوساطات والمباحثات في اقتلاع هذا الخطر المتمثل حالياً بـفتح الإسلام وإرهابييها، بطريقة جدية وحقيقية بحيث لا يتجدد هذا الخطر ولا ينتقل بين المخيمات تارة، وفي الزواريب الضيقة لهذه المدينة أو تلك، أم لا؟. الجواب بسيط. أي حل سياسي يجب أن يكون كاملاً، فلا أحد يريد استبدال عوض بعوض آخر تحت تسمية أخرى.
التحدي الكبير للفلسطينيين واللبنانيين معاً، في التوصل معاً الى حل سياسي نهائي لأنه غير مقبول مطلقاً بقاء أي احتمال لاستيلاد إرهاب أو إرهابي آخر تحت أي تسمية. اللبنانيون والفلسطينيون معاً هم المتضررون من أي تجربة أخرى حتى ولو لم ينتج عنها إرهاب يحدث أضراراً بحجم أضرار إرهاب حركة فتح الإسلام، ما يزيد من أهمية هذه العملية أن لبنان حالياً هو في قلب عين الإعصار واستهدافه داخلياً وخارجياً قائم في وقت واحد.
المهمة صعبة جداً، بقدر ما هي ملحّة وضرورية. الجغرافيا جعلت من المخيم عقدة قطع ووصل في الجنوب. وقوعه على كتف صيدا عاصمة الجنوب، حوله الى كتلة نار مفتوحة على أرض قابلة لكل أنواع الاشتعال. أيضاً وبسبب العامل الجغرافي، فإنه يشكل بوابة عبور من الصعب الاستغناء عنها لـحزب الله ولليونيفيل. حزب الله لا يتحمل أي خلل أمني في هذا القاطع، واليونيفيل مع اختلاف بالأحجام والأدوار لا يمكنها تقبّل إغلاق هذه البوابة من جهة وتضخم دور الإرهاب من جهة أخرى، مما سيجعلها الهدف الأول لتغطية هذا الإرهاب، إرهابه الداخلي، الذي يطال الفلسطينيين، خصوصاً البؤساء والفقراء منهم.
الجغرافيا والواقع التنظيمي
مأساة مخيم عين الحلوة ليست في الجغرافيا ومن الجغرافيا فقط. أيضاً الواقع السياسي والتنظيمي، يشكل أكثر من مشكلة وأحياناً أكثر من سكين قاتلة. لو كان المخيم وحدة موحدة، لأمكن القضاء بسرعة على هذا الإرهاب المستورد. انفلاش المخيم على خلافات متعددة مفتوحة على الخارج فلسطينياً وإقليمياً، جعل من هذا الإرهاب المستورد حالة استثنائية تتطلب جهوداً استثنائية.
لا أحد يمسك حالياً بالأمن في مخيم عين الحلوة، أو الأصح لا أحد يمكن له التعهد بالإمساك بالأمن. المسؤولية ضخمة جداً والإمكانات محددة جداً. مظاهرات السلاح الأخيرة تؤكد مرة أخرى أنها لا تقدم ولا تؤخر لا في المقاومة ضد إسرائيل ولا في حماية المخيم من إسرائيل ولا أيضاً وهو الأخطر في محاصرة الإرهاب وضربه والأهم تحريم عودته مهما كانت الإغراءات والدواعي.
المشكلة الأساسية في المخيم هي في نجاح إضعاف حركة فتح التي تشكل العمود الفقري للقوى المسلحة في المخيم. كان لدى الحركة أكثر من خمسة آلاف مقاتل أو حامل سلاح. اليوم لا تستطيع الحركة بعد توحيدها جمع المئات. أيضاً إضعاف فتح لم يجعل من منافساتها قوة بديلة. حركة حماس اختارت من الأساس العمل السياسي والاجتماعي والابتعاد عن السلاح، فكان لا بد أن يكون وزن حضورها معنوياً. لكن هذا الحضور لا يعني منظمات إرهابية مثل فتح الإسلام يجبرها على اتخاذ قرار يبرئ المخيم من تهمة التحول الى مخيم يجري فيه عجن الإرهاب. حتى منظمة إسلامية مثل عصبة الأنصار التي أصبح لها حضوراً عسكرياً يحسب له حساب داخل المخيم غير قادر على حسم الأمور.
هذا جزء من فسيفساء المخيم. الأجزاء الأخرى أكثر تعقيداً لأنها مشدودة الى الخارج الفلسطيني في غزة والضفة. للأسف، فإن الصراع المفتوح بين حركة فتح وحركة حماس هو من يرث مَن؟. فتح تريد المحافظة على موقع لها، وحماس ترى حالياً أنها الوريث الشرعي والوحيد لفتح في المقاومة وفي السلطة. هذه الحرب سواء كانت كبيرة أو صغيرة في غزة والضفة، لها امتدادات طبيعية الى المخيمات الفلسطينية في لبنان. من حظ هذه المخيمات أن هذه المواجهة ما زالت محدودة ومحددة ولم تصل الى مرحلة الاحتكام الى السلاح أو التفكير بالإلغاء. المخيمات الفلسطينية لا تتحمل حروب إلغاء، لأسباب فلسطينية شعبية ولبنانية رسمية وشعبية وحزبية. مهما تكن النوايا طبية أو واعية لخطورة الوضع، فإن ذلك لا يعني عدم وجود قنبلة موقوتة يجب العمل دائماً على عدم الاقتراب من صمام الأمان فيها.
أزمتان في واحدة
أيضاً الخطر الأكبر، أن فتح فتحان، على مستوى لبنان وليس مخيم عين الحلوة فقط. لو كان الخلاف حول تحرير فلسطين لهان الأمر أو لتم تحمل تكلفة هذا الخلاف على الصعيدين اللبناني والفلسطيني معاً. لكن هذا الخلاف الذي يصل الى حد الصراع المكشوف يدور حول من يمسك بالساحة الفلسطينية في لبنان.
الإمساك بالقرار الفلسطيني في لبنان، يعطي أي طرف من الطرفين المتواجهين داخل فتح حضوراً ووزناً في القرار الفلسطيني المركزي من جهة، ويقوي ويدعم الطرف الفلسطيني المركزي في الضفة والقطاع. اقتراب موعد اجتماع المؤتمر العام الذي جرى تأجيله مرة وقد يؤجل مرة أخرى يرفع أيضاً منسوب المواجهة التي يصل خطرها الى درجة الإلغاء. مجرد القول إن عباس زكي هو سفير فلسطين في لبنان ونقطة على السطر، يعني قلب موازين القوى داخل فتح على طريق المؤتمر العام.
الرد على هذه المطالبة، يفتح معركة داخلية وخارجية. لا يمكن انقاذ فتح من أزماتها إلا بالدخول في معركة ضد المحسوبية والفساد، وهي متجذرة منذ القديم، يعني أيضاً عملية تصفية حسابات قديمة ومستقبلية، لا يمكن أن يقف اي طرف تطاله مكتوف الأيدي دفاعاً عن مواقعه ومصالحه وامتيازاته، التي بدورها تعني الآخرين في القطاع والضفة.
استكمالاً لكل تفاصيل هذه الفسيفساء الفلسطينية. إن كل طرف فلسطيني من كافة الأطراف، يرى أن ساعة التغيير قد دقت مع وصول باراك أوباما الى الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، عنوان التغيير، هو المفاوضات، لذلك فإن الرئيس عباس زكي يرى أن إمساكه بمفاصل القرار داخل السلطة وفي حركة فتح يدعمه ويقويه ويجعله يفاوض مستقبلاً من موقع قوة، فلسطينياً. وحركة حماس ترى أنها متى ورثت فتح، فإنها قادرة أكثر على التفاوض مع الأدارة الأميركية، خصوصاً أن أي مفاوضات أميركية ـ سورية ـ إيرانية تقوي موقعها التفاوضي. لذلك كله لا يبدو أن أي طرف ينمو مستعجلاً على مواجهة واقع الحال والعمل على تفكيكه بسرعة طالما أن ساعة الحقيقة اقتربت كثيراً ولم يعد أمامها أكثر من 55 يوماً.
اللبنانيون رغم انقساماتهم بفعل الاستحقاقات الداخلية، يبدون موحدين على المطالبة بحل الملف الإرهابي الموجود في مخيم عين الحلوة، بأقسى سرعة. لا يمكن الطلب من اللبنانيين على مختلف مواقعهم تأجيل تفكيك هذه القنبلة الموقوتة الضخمة جداً والخطرة جداً المتمثلة بـفتح الإسلام المتواجدة بشكل أو بآخر في مخيم عين الحلوة الى السنة المقبلة بانتظار ما سيقرره الرئيس المنتخب باراك أوباما. خطر عوض وفتح الإسلام سكين على رقبة لبنان. يكفي أن دمشق تعمل على استثمار هذا الخطر لتسويق نفسها حضوراً ووجوداً ودوراً، حتى تقوى المطالبة بالحسم سريعاً.
سؤال كبير ومصيري، هل تتفهم الفصائل الفلسطينية خطورة الحالة اللبنانية مع الإرهاب الكامن في مخيم عين الحلوة فتسارع الى الحسم وحله. أم أنها وبسبب انقساماتها وحروبها الداخلية ستستمر في التغاضي عن هذه الغرغرينا التي تفتك بالجسم اللبناني ـ الفلسطيني. فيضطر الجيش اللبناني للجوء الى آخر الدواء وهو الكيّ والبتر، فلا يعود ينفع البكاء على الأطلال؟.
كلمة أخيرة حرام أن يحمل الجيش اللبناني أكثر مما تحمّل حتى الآن، مثلما أنه حرام أن يضطر اللبنانيون مرغمين على تحمل معاناة جروح فلسطينية إضافية لا علاقة للفلسطينيين بها.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00