8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

2009 عام معالجة الأزمة المالية وملاحقة ملف إيران والحرب في أفغانستان ودراسة جديّة دمشق في مفاوضاتها مع اسرائيل

قام الشعب الأميركي بانقلاب على نفسه، فانتخب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. الرئيس أوباما، لن يقوم بأي انقلاب لكي ينفذ التغيير الذي وعد به الأميركيين. ما يؤكد ذلك تركيبة ادارته، التي أقدم على تشكيلها بسرعة كبيرة، وكأنها كانت في جيبه قبل انتخابه.
من الواضح حتى الآن، أن أوباما الذي ما زال رئيساً منتخباً بانتظار يوم التسلم والتسليم في العشرين من كانون الثاني عام 2009، يعرف ما يريد. الحزب الديمقراطي رشحه بعد معركة ضارية مع خصمه هيلاري كيلنتون، والأميركيون انتخبوه. لذلك يعمل على تشكيل ادارة مختلطة، لا مجال فيها سوى للكفاءة والمعرفة. لون المختار حزبياً وفكرياً لتولي أي موقع في الادارة، غير مهم. المهم ماذا يستطيع ان يفعل. عقل أوباما المنفتح على الآخر يساهم في ذلك، ويساعده على تنفيذه براحة.
المعارضة داخل البيت الأبيض
الولايات المتحدة الأميركية، أمة مأزومة، كما لم تكن هكذا من قبل. هذه الحالة لا يناقشها أحد. السؤال المطروح على الجميع كيف ومتى وكلفة عملية اخراج هذه الأمة من أزمتها التي تحولت الى أزمة دولية عامة.
العلة واحدة، والدواء واجب للجميع وان بنسب متفاوتة. هذه الحالة تساعد أوباما على تنفيذ خياراته. الآخرون خصوصاً خصومه مثل هيلاري كلينتون وجون ماكين والحزب الجمهوري، مضطرون تلبية دعوته. شعورهم الوطني يدفعهم الى المشاركة في الحل حتى ولو كان الانجاز سيسجل لأب واحد هو أوباما. بهذه السياسة، خلق أوباما معارضة داخلية في البيت الأبيض، لأن المختارين من أصحاب الآراء المختلفة. مشكلة جورج بوش كما يقول الخبراء غياب هذه المعارضة، ما أنتج انحسار النقاش والاندفاع نحو قرارات غير مدروسة جيداً.
اختيار هيلاري كلينتون وغيتس وزيراً للدفاع، يؤكد هذه الخيارات. لم يتراجع أوباما أمام المحاذير المطروحة من كبار الخبراء خصوصاً المتعلقة بالسيدة كلينتون ومدى تأثير زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون عليها، عدا طموحها الخاص بأن تكون أول إمرأة ترأس الولايات المتحدة الأميركية، كذلك لم يتأثر بدور غيتس في الحرب بالعراق وأفغانستان.
العالم كله ينتظر معرفة ماذا سيفعل الرئيس الأميركي أوباما في مواجهة الملفات الساخنة والهامة. على ضوء خريطة الطريق التي سيضعها أوباما وهو في البيت الأبيض سيتم بناء سياسات دول كبرى ومتوسطة، أما الصغيرة فليس عليها سوى الصبر، لمعرفة مصيرها في كل ذلك. أوباما في البيت الأبيض غير أوباما المرشح لذلك لا يمكن قراءة السياسة الأميركية، الا بعد خطاب التسلم والتسليم ومعرفة نهجه في التعامل مع كل الملفات.
مشكلة أوباما الأولى والأساسية، هي مواجهة الأزمة المالية. اختار الرئيس المرشح أفضل العقول والاداريين لوضع خطة انقاذ متكاملة وتنفيذها بدقة ونجاح. دون انجاز ذلك، لا أمل لأوباما بالنجاح. العام 2009 سيكون عام الاقتصاد بالنسبة للبيت الأبيض. كل شيء سيوضع في خدمة هذه الأولوية. لا يعني هذا أن أوباما سيتفرغ لمواجهة الوضع الاقتصادي. رئيس الولايات المتحدة الأميركية، لا يستطيع أن ينعزل ويعزل بلاده عن العالم، خصوصاً وأن أبرز الملفات الساخنة تعني أميركا مباشرة. أبرز هذه الملفات يجري الرقص معها فوق صفيح ساخن وأحياناً فوق صفيح نووي.
الأسابيع الأولى القليلة للادارة الأميركية الجديدة، ستكون مرحلة تعارف بين أوباما وقيادات العالم. كثيرون سيأتون الى واشنطن، خصوصاً وأن الرئيس الأميركي لن يتمكن من الانتقال الى الخارج بسرعة ولفترة طويلة. اللقاءات الشخصية تساهم في التعارف والمعرفة. عندما تكون العيون في مواجهة بعضها البعض يختلف الأمر عن التعارف عبر المذكرات والرسائل الديبلوماسية وغير الديبلوماسية. القاسم المشترك كبير جداً بين الهموم الأميركية الخارجية والدول الكبرى سواء كانت من دول الاتحاد الأوروبي أو روسيا واليابان والصين.
ملفات الشرق الأوسط تعني الجميع وليس فقط الادارة الأميركية. لذلك لا يمكن تأجيل التعامل معها. اختيار هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية، تم في جزء أساس منه لأنها تعرف طبيعة هذه الملفات وبالتفاهم مع الرئيس تستطيع أن تكون مسموعة الكلمة. دعم أوباما الكامل شرط أساسي لنجاحها. الرؤساء والزعامات في العالم يتعاملون مع وزيرة خارجية مسموعة الكلمة في البيت الأبيض بطريقة مختلفة عن وزيرة قرارها مؤجل التنفيذ أو قابل للدراسة لدى الرئيس.
الأولية لايران وأفغانستان
ملفان يبدو أن أوباما وادارته مضطران للتعامل معهما ضمن الأولويات، الملف النووي الايراني واستتباعاته أي العلاقات الايرانية ـ الأميركية، والحرب الدولية ضد الارهاب في أفغانستان. الحوار مع طهران، من الوسائل التي لا مجال للشك بحصوله. لكن لن تقبل واشنطن ـ الأوبامية، أن يكون الحوار للحوار. أمام أوباما الكثير من الوقت. أمامه أربع سنوات وربما ثماني سنوات اذا ما انتخب لولاية ثانية. ليس أوباما بطة عرجاء. لذلك الرهان على الوقت ومحاولة تقطيعه رهان خاسر.
أميركا أمة مأزومة اقتصادياً. صحيح مئة بالمئة. لكن لا أحد فوق سكين هذه الأزمة الدولية. ايران أيضاً تحت هذه السكين مهما كابر الرئيس أحمدي نجاد وقال ان بلاده لن تتأثر حتى ولو أصبح سعر برميل النفط خمسة دولارات. بين أن تنفذ ايران سياستها الداخلية والخارجية وخصوصاً النووية والعسكرية منها وسعر برميل النفط 150 دولارا تقريباً, وأن يكون خمسين دولار كما هو حالياً، فرق كبير. مهما كانت المكابرة مرتفعة، على طهران وضع ميزانية مختلفة للعام المقبل، عدا أن ميزانية هذا العام، قد اهتزت بفعل انخفاض سعر الدولار واليورو اهتزازا ضخماً، فالسنة الايرانية الشمسية ما زالت في منتصفها. أي ان انخفاض سعر برميل النفط قد طال ستة أشهر من ميزانية هذا العام باعتبار أنها تنتهي في العشرين من آذار من العام القادم. لذلك على الرئيس نجاد اعادة حساباته اقتصادياً ومالياً، فهو لن يستطيع دون صعوبات ضخمة الوفاء بالاتفاقات التي وقعها بناء على السعر المرتفع جداً لبرميل النفط.
أمام هذا الواقع الصعب، فإن المفاوضات بين واشنطن وطهران، ستكون مفاوضات بين ضعفاء وليس كما كانت طهران تأمل بأن تكون هي في موقع القوة. أمام هذا الواقع الجديد على طهران أن تحسب منذ الآن بأن الثمن سيكون مختلفاً، حتى ولو كانت حاضرة بقوة وبالتحالف مع دمشق في العراق وأفغانستان ولبنان وغزة.
أيضاً ضمن ملفات الشرق الأوسط، فإن أمام واشنطن ـ الأوبامية، كيفية التعامل مع دمشق. لا شك أن نهجها سيكون مختلفاً. تعيين سفير أميركي جديد في دمشق لم يعد موضع شد وجذب، القرار كما يقال في واشنطن قد اتخذ. هذا تطور مهم جداً. لكن لا يعني ان الادارة الأميركية وهي تقدم على هذه الخطوة استعداداً منها للحوار، ستقدم على تقديم الهدايا.
أوباما يحمل الورد مع كثير من الشوك. ما يهم واشنطن ـ الأوبامية من دمشق في الدرجة الأولى اكتشاف ومعرفة طبيعة ومدى التقدم الحاصل في الجانب السوري ـ الاسرائيلي من المفاوضات. أي باختصار التدقيق في النوايا السورية. هل تستخدم هذه المفاوضات غير المباشرة لتقطيع الوقت وقتله على قاعدة المفاوضات للمفاوضات، أم انها جادة ومستعدة لدفع كلفة هذه المفاوضات متى أصبحت مباشرة تحت رعاية الأميركيين؟.
اكتشاف جدية المفاوضات غير المباشرة الموضوعة في عهدة الأتراك يعني انفتاحاً أميركاً أكبر وأوسع ويصبح السؤال ماذا ستضم سلة المقايضات؟. عدم الجدية واكتشاف ان دمشق غير مستعدة لدفع الثمن المطلوب، الذي من ضمنه التعامل بطريقة مختلفة قد تصل الى حدود الابتعاد عن طهران وحزب الله والمعارضة الفلسطينية، خصوصاً حماس.
سيدفع كل ذلك العلاقات السورية ـ الأميركية نحو الهاوية هذه المرة، أي لن يعود الحديث عن تغيير لسلوك النظام في دمشق. وانما أكثر بكثير خصوصاً وان لدى واشنطن ملفين كبيرين، المحكمة الدولية المتعلقة بمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، والملف النووي الجديد المتعلق بموقع الكبر. حظ دمشق أن تكون المفاوضات الايرانية ـ الأميركية قد أنجزت، فيخف الثمن الذي ستضطر دمشق تحمله.
يبقى الملف الفلسطيني ـ الاسرائيلي. حظ أوباما أن سلفه جورج بوش وضع خريطة طريق وأقر بقيام دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل وان لم ينفذ أو لم ينجح في تنفيذ شيء قط. أيضاً ان وزيرة خارجيته كلينتون تعرف الملف جيداً وأن معاونيها الذين سيكون دنيس روس على رأسهم على الأرجح يعرف كما لا يعرف مسؤول أميركي تفاصيل هذا الملف ودقائقه. المشكلة انه لا يوجد حالياً مفاوضون في اسرائيل وفلسطين. الجميع بانتظار نتائج الانتخابات التي يجب أن تحصل لدى الجانبين.
أمام هذا الواقع واضطرار الادارة الأميركية المسارعة في مواجهة استحقاق الحرب الدولية في أفغانستان، فإن لا جديد سيتبلور في منطقة الشرق الأوسط. من الأفضل للأطراف المعنية في المنطقة الاستعداد جيداً عندما ترتفع حرارة الاهتمام الأميركي بملفاتها، حتى لا يذهبوا الى المفاوضات أو المواجهة خالين الوفاض فيكون الثمن أضخم بكثير.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00