زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى الرياض، هي زيارة استرضاء، بجميع المقاييس السياسية والديبلوماسية. استرضاء فرنسي للمملكة العربية السعودية، ومحاولة عرض وشرح وفتح صفحة جديدة في العلاقات مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. لم تفلح جهود ساركوزي السابقة في شرح هذه الاندفاعة غير المسبوقة لرئيس فرنسي في سياسته مع العالم العربي، بعيداً عن الفهم والتفاهم مع السعودية ومصر.
ساركوزي قد لا يجد صعوبة في مراضاة الرئيس المصري حسني مبارك، مع بقاء كل التحفظات المصرية المعروفة من سياسة دمشق والتعاون معها. لكن مع العاهل السعودي فإن الأمر مختلف جداً خصوصاً وأن كل التطورات زادت من قناعة السعودية بصواب مواقفها، وأنّ سياسة القفز فوق المراحل وحتى إحراقها لا تجدي مع دمشق.
السعادة المنقوصة
سعادة ساركوزي بتغيير دمشق سلوكها السياسي ووضع كل بيضه في سلة هذه المراهنة، على قاعدة أنّ التفاوض بين دمشق وتل أبيب تحت رعاية تركيا، يعني أن انقلاباً سياسياً استراتيجياً في السياسة السورية قد حصل وأنه يمكن البناء عليه، للدخول من خلاله الى طاولة المفاوضات السياسية المباشرة التي ستنتج حلاّ للنزاع السوري ـ الإسرائيلي، يستكمل في انسلاخ دمشق عن طهران، قد تراجعت كثيراً.
هذا التراجع لا يعود لتغيير دمشق في مسار تفاوضها مع إسرائيل، وإنما لأن دمشق قررت أن رهانها على فوز باراك أوباما قد نجح، وأنه بالتالي يمكنها طرق باب واشنطن، وأنّ الرد على طرقاتها سيكون إيجابياً وبالاحضان. دمشق ملكة المقايضات، تعرف أيضاً مع مَن تقايض ومع مَن تتبادل الهدايا والأثمان. بذلك لم يكن الحوار والانفتاح والحرارة مع باريس ـ ساركوزي الذي استمر بنجاح منقطع النظير، سوى المدخل الطبيعي والمدروس لملاقاة الباب العالي أي واشنطن باكراً.
حالياً، وكما ترى أوساط فرنسية عديدة فإنّ ساركوزي يشعر بأنه استنفد أوراقه مع دمشق وأن حصيلته كانت محدودة، ذلك أن نتاج البيدر لم يأتِ متوافقاً مع حسابات الحقل. ساركوزي الرئيس المستعجل دائماً يشعر أنّ دمشق قد استفادت كثيراً منه ومن انفتاحه فحققت نجاحات قياسية في تطوير علاقاتها مع أوروبا، وفي أخذ شهادة حسن سلوك بدرجة مرتفعة جداً، على قاعدة ما قدمته في لبنان، وهو بسيط جداً ولو بدا ضخماً بالنسبة للبنان، وهو الدفع باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية أخرج لبنان من حالة الفراغ الدستوري، وتشكيل حكومة وفاق وطني لتسهيل إجراء انتخابات تشريعية في ربيع 2009. بدلاً من مساءلة دمشق على دورها السلبي في إحداث الفراغ والدليل نجاحها في إزالته فإنه جرى مكافأتها على رفع الحواجز التي كانت تضعها.
المشكلة الآن ليست عند دمشق، فقد لعبت ونجحت، وهذا من حقها الطبيعي. المشكلة عند ساركوزي الذي راهن كثيراً وها هو يقتنع بأن رهانه خاسر حكماً. لأن دمشق تزيّنت وغازلت بأقصى ما لديها، على قاعدة التكلم مع الجارة لتسمع الكنّة، والكنّة معروفة وهي واشنطن. لذلك فإن ساركوزي يريد أن يلعب أيضاً في الوقت الضائع لعله يسجل لنفسه نقاطاً في خانته، تبقيه لاعباً ولو مهماً في اللعبة الكبيرة على مساحة الشرق الأوسط، وذلك عندما يتسلم باراك أوباما الرئاسة في العشرين من كانون الثاني 2009.
أمام هذا المأزق، فإن ساركوزي الرئيس الباحث عن دور، سيحاول إعادة ترتيب أوراقه أمام الملك عبدالله، لعل نجاحه في ذلك يبعد العلاقات عن خط زلازل تقترب منه. ما يشجع ساركوزي على هذا الاندفاع، لعب دور في اقناع العاهل السعودي في المشاركة المالية لانقاذ الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا من هذه الأزمة المالية الضخمة، علماً أن العاهل السعودي ليس بحاجة لتشجيع ولا لوكلاء في هذه المهمة فالعلاقات السعودية مع واشنطن راسخة ومتفتحة ومباشرة بعيداً عن هوية المقيم في البيت الأبيض.
أما زيارة قطر وإقامة ساركوزي فيها لليلة أو أكثر فإنها أيضاً عملية بحث عن دور، فهو بلقائه مع الرئيس السوداني عمر البشير في قطر يريد التزام صياغة حل لملف دارفور، يبعد عن الرئيس السوداني والسودان مرارة مواجهة المحكمة الدولية حول دارفور، ما يمكنه أيضاً من تسويقه لدى أوباما باعتبار أنه إنجاز يريحه من مواجهة إضافية مع العالم الإسلامي.
الشروط السورية
دمشق تنتظر الحوار مع الرئيس باراك أوباما وإدارته بفارغ الصبر. وهي ليست بحاجة لساركوزي لهذا الحوار، لأنها تريده بدون وسطاء ووجهاً لوجه. دمشق تعرف أن من صلب سياسة أوباما الحوار معها ومع طهران، حول كل الملفات الشائكة في المنطقة. لذلك اعتمد فاروق الشرع نائب الرئيس السوري التصعيد في دقّ باب واشنطن، حتى يتم التفاوض تحت سقف المطالب السورية. يريد الشرع رفع واشنطن اسم سوريا من: قائمة الإرهاب وإلغاء قانون محاسبة سوريا. شرعية هذا الطلب السوري طبيعية بالنسبة لدمشق. لكن واشنطن لن تدخل إلى المفاوضات وهي خالية الوفاض. لم يسبق لمفاوض أميركي أن أخلى ساحة من يفاوضه من أثقال المرحلة الماضية، وبدأ من صفحة بيضاء. إزالة النقاط السوداء يتم نقطة نقطة. ما حصل في المفاوضات النووية مع كوريا الشمالية ومع ليبيا يؤكد ذلك. فن التفاوض من صلب السياسة الأميركية، تكفي قراءة كتاب دنيس روس بعنوان فن التفاوض للتأكد من ذلك. دمشق تعرف جيداً روس الذي سيكون إلى جانب هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الجديدة الاستثنائية. أمام ذلك فإن تصعيد الشرع في الشروط لن يكون أكثر من قرع الطبول لإعلان استعداد دمش للحوار.
واشنطن ـ الأوبامية، بدأت بتسريب نهجها في المفاوضات وفي تصورها لنتائجها. هذه الإدارة تريد معرفة استعدادات دمشق للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل ينهي النزاع معها من جهة وقبولها إلى جانب هذا التحوّل الاستراتيجي في الانفصال عن طهران. من جهة أخرى لا حوار بلا دراسة واشنطن للنوايا السورية الفعلية ومدى تحوّلها إلى أفعال، لأن النوايا الطيبة لم تعد تكفي. المطلوب أفعال إيجابية وحقيقية مسبقاً.
مرة أخرى يثبت أن الجميع من دول كبرى وصغرى تلعب حالياً في الوقت الضائع لكن حسب التوقيت الأميركي بانتظار باراك أوباما.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.