8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بومباي والقرصنة في القرن الأفريقي تهدّدان الأمن الدولي والتجارة العالمية وتثبتان عجز الأحادية الأميركية

الحرب الصغيرة والمحدودة التي جرت في مومباي في الهند، تعني العالم كله، خصوصاً نحن في منطقة الشرق الأوسط وكامل ملفاته الساخنة والمعقدة. ظاهر هذه الحرب مرتبط بالنزاع التاريخي بين الهند والباكستان. باطنها تحول جدي وعميق وخطير في مواجهة الارهاب دولياً. ما جرى في مومباي لا يمكن وضعه مطلقاً في خانة أي مواجهات تحرير أو غير ذلك، خطورة المواجهات الدامية التي طالت البشر والحجر معاً، أنها تشكل قفزة نوعية في المواجهات الارهابية. طوال أيام، جرى مزج العمليات الارهابية وحرب العصابات المدينية. انها تجربة ميدانية خطيرة، قد يكون التأسيس عليها في حروب أخرى في أربع رياح الأرض، وفي ساحات متوقعة أو محسوبة وربما وهو الأخطر في ساحات خارجة عن كل الحسابات.
قرصنة النملة وكيس الطحين
قيل هذه الحرب، تدور منذ فترة، تمتد لأكثر من عامين، حرباً من نوع آخر في زاوية من هذا العالم لم تكن يوماً معزولة عن الأخطار.
المقصود حرب القراصنة في منطقة القرن الافريقي. خلال الأسابيع القليلة الماضية، حصل تصعيد غير مسبوق في عمليات القرصنة بحيث أصبحت تقع أكثر من عمليتين في الأسبوع الواحد، منها ما تم ضد سفينة تنقل دبابات أوكرانية ومنها ما طال حاملة النفط السعودية العملاقة.
لا أحد يفهم حتى الآن، كيف جرى هذا التصعيد ولمصلحة من. في وقت كانت فيه أساطيل عديدة أكبرها الأميركي تجول في المنطقة، وقواعد أبرزها قاعدة الجيش الفرنسي في جيبوتي، بحثاً عن هؤلاء القراصنة، وكأن العمليات تجري بحثاً عن ابرة في البيدر. أكثر من ذلك لا أحد يفهم كيف جرت قرصنة ناقلة النفط السعودية في وضح النهار، ولم يتم التعامل مع القراصنة ردعياً: هل يمكن أن تجر نملة كيساً من القمح ولا من سمع ولا من رأى في منطقة مكشوفة؟.
بسرعة جرى رصد متضرر كبير غير مباشر من القرصنة في القرن الافريقي. انها قناة السويس. بعيداً عن التحقيق المصري الرسمي لحصيلة الأضرار، فإن واقعاً جديداً قد حصل، وهو تحول سفن عديدة وضخمة عن قناة السويس حتى لا تدخل منطقة الخطر والالتفاف حول منطقة الرجاء الصالح. لا ينقص مصر سوى هذه القرصنة على عائداتها الشرعية. هذا التطور لا يمكن أن يبقي مصر خارج المواجهة خصوصاً اذا ما تصاعدت الأوضاع وصولاً الى درجة الخطر الاستراتيجي. قد يكون هذا التطور توجهاً نحو إشغال مصر في مواجهة جانبية تلغي ولو اي محاولة مصرية لتطوير موقعها الطبيعي ودورها الملحّ في قضايا وملفات المنطقة.
خطورة ما حصل ويحصل، خصوصاً في مومباي، توقيته قد لا يكون في الأمر مؤامرة، ولكن كل ذلك يفرض طرح مزيد من الأسئلة المشروعة. التوقيت هو في المرحلة الانتقالية للسلطة الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية. من هذه الأسئلة: هل عملية مومباي رسالة ميدانية من القاعدة واخواتها مضمونها توقع نقلة نوعية في العمليات تخرج الحرب الدولية ضد الارهاب من المركزية الجغرافية البارزة في افغانستان والعراق، الى نوع من اللامركزية التي تشتت الاهتمامات والتركيز على جبهة معينة، وهي افغانستان كما ينوي ويخطط الرئيس المقبل باراك أوباما؟ وماذا اذا طالت مثل هذه العمليات الجامعة للارهاب المعروف وحرب العصابات المدينية؟.
عرقنة الباكستان
لماذا إقحام الهند حتى ولو كانت غارقة تاريخياً في نزاع مع الباكستان، هل هو مقدمة لخلق حرب واسعة وشاملة فوق مساحة مزروعة بالخطر النووي؟ وماذا عن الباكستان، هل يمكن ضبط وحدة البلاد في ظل تجاذبات مراكز قوى فيها أصبحت معروفة؟ أم ان كل ما حصل هو مقدمة لعودة الجيش الى السلطة مباشرة وليس البقاء خلف الستار الواهي للديمقراطية؟. وماذا لو خرجت الباكستان من تحالف الحرب ضد الارهاب، أو تحولت الى عراق كبير جداً تسرح القاعدة والطالبان وتمرحان فيه؟.
هل أيضاً ما جرى محاولة جدية لجس نبض المحافظين المتشددين في الولايات المتحدة الأميركية الذين خسروا حربهم الشاملة من أجل السلطة وقدرتهم على القيام بردّ فعل خلال الأيام الأخيرة لجورج بوش تحت بند الحرب ضد الارهاب؟ ايضاً هل هي اختبار للرئيس المنتخب باراك أوباما رغم انه لا يملك القرار بعد، أو لوضعه تحت ضغوط طارئة وجديدة تحرفه عن اتخاذ كل القرارات، والدخول في المسارات التي يريدها؟.
أسئلة كثيرة ومشروعة من دون اجابات حقيقية وكافية حتى الآن. عقدة القطع والوصل في ذلك، ان اراداة باراك أوباما في التعامل مع ملفات منطقة الشرق الأوسط وهي ساخنة ستتضرر. هيلاري كلينتون التي سميت وزيرة للخارجية، أريد لها أن تمسك هذه الملفات الشرق أوسطية وخصوصاً لبنان والسوري والفلسطيني ـ الاسرائيلي وتعالجها في وقت يعطي أوباما وقته لمواجهة الأزمة المالية والاقتصادية الأميركية والدولية غير المسبوقة.
أيضاً وهو قد يكون من تداعيات مثل هذه الأحداث والمواجهات أن يكون الهدف منها، إثبات العجز الأميركي التسريع في فكفكة أحادية الولايات المتحدة في التعامل مع النظام الدولي الجديد. هذا النظام المرشح للتغيير باتجاه التعددية حيث لـأوراسيا كلمتها في قيام هذه التعددية لأنها جزء أساسي منها. المقصود هنا الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.
ليس المقصود هنا ان للصين أو روسيا دوراً في ما جرى في الهند أو في منطقة القرن الافريقي. المقصود ان قوى أخرى مثل القاعدة التي لا تستطيع ولا يمكنها الانتصار في مثل هذه الحرب قادرة على إلحاق العطب في العملاق الأميركي ودفعه بأسرع ما يمكن نحو التخلي عن أحاديثه في نظام لم يعد يضمن الأمن ولا السلامة لنفسه والأمن الدولي وحرية التجارة العالمية.
خمسون يوماً صعبة جداً ستمر حتى يتسلم باراك أوباما الرئاسة. لا يحمل أوباما معجزة ليحققها فيغير أحوال العالم بين ليلة وضحاها. لكن مساراته السياسية سترسم خريطة طريق شبه واضحة تسهل بلورة اجابات مباشرة على معظم هذه الأسئلة التي بعضها اذا ما ترجم ميدانياً يضع السلم العالمي على حافة الخطر، وبطبيعة الحال يجعل منطقة الشرق الأوسط معلقة فوق براكين متفجرة وقاتلة دون أمل.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00